وصل إلى العاصمة السودانية الخرطوم، الأربعاء 19 يناير (كانون الثاني)، وفد إسرائيلي في زيارة استغرقت ساعات عدة، التقى خلالها، بحسب وسائل إعلام سودانية، رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ورئيس الاستخبارات العامة أحمد إبراهيم مفضل، وجرى بحث الجوانب الأمنية وتطورات الأحداث السياسية التي تشهدها البلاد.
لكن لم تكشف السلطات المختصة في البلاد عن تفاصيل وطبيعة زيارة الوفد الإسرائيلي، كما لم يتم الإعلان عن هذه الزيارة رسمياً، وهو ما اعتادت عليه الخرطوم خلال الزيارات السابقة للوفود الإسرائيلية التي زارتها، وكذلك بالنسبة للوفود السودانية التي زارت تل أبيب.
وكانت الهيئة العامة للبث الإسرائيلي (مكان) أشارت إلى أن طائرة إسرائيلية على متنها وفد رسمي، وصلت إلى العاصمة السودانية بعد أن توقفت في شرم الشيخ قبل أن تواصل طريقها إلى الخرطوم.
وتزامنت هذه الزيارة، مع أخرى لوفد أميركي، يضم مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية مولي في، ومبعوث الرئيس الأميركي للقرن الأفريقي ديفيد ساترفيلد، والتي تأتي في إطار الجهود التي تبذلها واشنطن لوقف العنف ضد المتظاهرين السودانيين، الذين يطالبون بإبعاد العسكريين عن المشهد السياسي وتسليم السلطة للمدنيين.
والتقى الوفد عدداً من المسؤولين الرسميين والشعبيين من السودان، وناقش معهم المقترحات الرامية لمعالجة الأزمة السياسية التي يعاني منها السودان حالياً، وتتمثل تلك المساعي في استعادة بناء الثقة بين شركاء الانتقال في السودان مدنيين وعسكريين، والدخول في عملية سياسية جديدة يشارك فيها الجميع.
لكن كيف ينظر المراقبون لزيارة الوفد الإسرائيلي للخرطوم، وما طبيعتها وعلاقتها بما تشهده البلاد من احتجاجات شعبية استمرت لأكثر من ثلاثة أشهر؟
موطئ قدم
ويشير الناطق الرسمي الأسبق للقوات المسلحة السودانية الفريق أول ركن محمد بشير سليمان، إلى أنه "يظل هاجس الأمن القومي الإسرائيلي عاملاً مهماً في الحياة الإسرائيلية، وذلك في أي زمان ومكان. نعلم أن هناك نشاطاً مؤثراً على الأمن القومي في المنطقة لجهة البحر الأحمر واليمن، ومعلوم أن موقع السودان الجيوسياسي لا يغفله أحد، في ظل التحرك الإيراني من خلال ما يدور في حرب اليمن، ومن نشاط للأسلحة النووية. واستطاعت إسرائيل أن تكسب خلال الفترة الانتقالية في البلاد، علاقات سياسية عسكرية مع المكون العسكري، ووجدت موطئ قدم في السودان كانت تبحث عنه منذ إنشائها، وقد حققت لها القيادة العسكرية السودانية هذا الهدف، بالتالي توالت الزيارات بين الجانبين لتعميق علاقات التعاون العسكري، من دون إغفال البعد الاقتصادي خصوصاً في ساحل البحر الأحمر الذي تعبر من خلاله 60 في المئة من حركة التجارة العالمية، وتحديداً البترول الذي يعد أهم السلع الاستراتيجية".
أضاف سليمان، "لا شك أن اهتمام إسرائيل بالموقع الجغرافي لا ينفصل عن البعد السياسي في السلطة القائمة، وقد حرصت تل أبيب على علاقتها مع الخرطوم بتوقيع اتفاقيات ثنائية، لا سيما في الجانب الأمني، وفي إطار هذه العلاقات تكون إسرائيل ضمنت عدم وصول أسلحة إيرانية إلى "حماس". بالتالي جاءت هذه الزيارة تحمل أوجهاً وأهدافاً عدة. وعلى الرغم من أن تل أبيب سعت في وقت سابق لتأسيس علاقات أمنية وعسكرية مع الخرطوم، فإنها (أي إسرائيل) تتشاور وتنسق مع الجانب العسكري السوداني في كيفية الخروج من هذه الأزمة، فضلاً عن تنسيقها مع واشنطن ومجموعة أصدقاء السودان. فهي تريد أن تحافظ على علاقاتها مع الخرطوم بعدم ذهاب المكون العسكري كاملاً أو ابتعاده عن السلطة، لذا هي تقدم المشورة والخبرة التي اكتسبتها في نزاعاتها المختلفة".
المشروع في الشرق الأوسط
وفي السياق، أوضح أستاذ العلاقات الدولية الرشيد محمد إبراهيم، أن "من المعلوم أن إسرائيل تتحرك باتجاه السودان ضمن مشروعها في الشرق الأوسط المعروف بالمشروع الإبراهيمي، وهو يتعلق بتوسيع دائرة أمنها القومي في المنطقة سواء بحراً أو براً أو جواً، وأنها تنتظر أي أزمة لتوظيفها لصالح مشروعها وأجندتها السياسية. فالمشهد السوداني الحالي يعتبر بالنسبة لها مسرحاً مهيأ لتنفيذ برنامجها الخاص بإقامة علاقات ثنائية مع السودان، وذلك من خلال المكون العسكري خصوصاً قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، الذي تعتبره بأنه كان جريئاً في خدمة أجندتها بلقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو مطلع 2020 في مدينة عنتيبي اليوغندية. لكن لا أعتقد أنها مهتمة بقضية الانتقال الديمقراطي في السودان ونجاح الفترة الانتقالية للوصول لانتخابات عامة، بقدر اهتمامها بمصالحها. فهي غير محايدة تماماً في هذا الشأن، وهي ظاهرياً فقط تقوم بلعب دور العلاقات العامة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وزاد إبراهيم أن "زيارة الوفد الإسرائيلي للسودان ليست الأولى، إذ سبق أن زارت الخرطوم قبل ذلك وفود عسكرية إسرائيلية، تنطلق من أهداف عدة، أهمها بحث الأجندة الأمنية مع المسؤولين السودانيين في الدرجة الأولى، وفي مقدمها ما يتعلق بقضية الإرهاب لمنع تمدده في المنطقة. وثانياً مسألة أمن البحر الأحمر، إذ إنها تعتبر نفسها من الدول المشاطئة أو المطلة على ساحل البحر الأحمر، وترى أنه لا بد من أن تكون جزءاً من أي ترتيبات عسكرية تقوم بها الدول ذات العلاقة، ممثلة في مصر والسعودية وإريتريا والأردن والسودان، لا سيما أن هناك سباقاً محموماً من قبل واشنطن وموسكو لإقامة قواعد عسكرية على البحر الأحمر".
وأكد أستاذ العلاقات الدولية، أن زيارة الوفد الإسرائيلي في هذا التوقيت الذي يشهد تصاعد الاحتجاجات في معظم مدن البلاد وتحديداً في العاصمة الخرطوم، تأتي في إطار دعم المكون العسكري الذي سار في المشروع الإبراهيمي بكل جرأة، خلافاً للمكون المدني الذي لم يكن راغباً في العلاقة مع إسرائيل. وفي المقابل أيضاً، لم تكن إسرائيل مهتمة بضرورة تسليم السلطة المدنية، إذ إن القضية السودانية بالنسبة لها ثانوية، وليست محل اهتمامها، الذي ينصب في مصالحها في المقام الأول، لكنها تدعم الرؤية الأميركية التي يحملها مبعوثها الخاص للقرن الأفريقي، وأيضاً تدعم مخرجات مؤتمر أصدقاء السودان الذي انعقد في العاصمة السعودية الرياض الثلاثاء 18 يناير".
رغبة أميركية
من جانبه، قال الكاتب السوداني الجميل الفاضل، "يبدو أن واشنطن وتل أبيب تبحثان عما يحقق مصلحتهما في السودان. فأميركا تواجه ضغوطاً داخلية من أبرزها موضوع العقوبات المطروحة على "مزعزعي الاستقرار" في السودان، إذ يصر أعضاء الكونغرس طرح مشروع العقوبات الفردية على معرقلي الديمقراطية والسلام والمحاسبة في البلاد. وظلت الإدارة الأميركية تؤجل المضي قدماً في هذه الخطوة أملاً في تراجع البرهان عن انقلابه الذي نفذه في 25 أكتوبر (تشرين الأول). وقد سبق أن طلب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من إسرائيل لعب دور إيجابي في حل الأزمة السودانية لما لها من نفوذ، وذلك بإقناع جنرالات السودان بالعودة إلى الشرعية الدستورية وتسليم السلطة للمدنيين. وكذلك طلب سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، من وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس خلال زيارتها تل أبيب في نوفمبر (تشرين الثاني)، استخدام العلاقات الجيدة مع القيادة العسكرية في السودان والتدخل في الأزمة المتفاقمة هناك".
أضاف الفاضل، "أعتقد أن زيارة الوفد الإسرائيلي للخرطوم جاءت برغبة أميركية لإنجاح مهمة المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي ديفيد ساترفيلد في حل الأزمة السودانية، من خلال إيجاد تعهدات وضمانات إسرائيلية حتى لا يكرر إنتاج فشل مسعى مبعوثها السابق جيفري فيلتمان، خصوصاً أن هناك تنسيقاً مصرياً في ما يجري، وما توقف طائرة الوفد الإسرائيلي القادم للخرطوم، في شرم الشيخ إلا دلالة على ذلك، كما أن مؤتمر أصدقاء السودان الأخير ليس ببعيد من هذه الترتيبات".
وتابع الكاتب السوداني، "في تقديري هناك صفقة يجري الترتيب لها بين كل هذه المجموعات لإنهاء الانقلاب مع ضرورة وجود عسكريين في السلطة، على أن تضمن كل الأطراف الدولية والإقليمية، بما فيها مصر التي حققت اختراقاً في علاقاتها مع المكون العسكري، تعزيز مصالحها ووجود وكلاء لها في الدولة السودانية. لكن يبقى السؤال قائماً: هل ترضي هذه الصفقة الشارع السوداني الذي لا يرغب في وجود تمثيل للمؤسسة العسكرية في السلطة؟".
إعلان الطوارئ
وكان آخر وفد إسرائيلي زار السودان في نوفمبر 2021، بعد الاتفاق الذي أبرم بين الخرطوم وتل أبيب العام الماضي لإقامة علاقات ثنائية. لكن الأزمة السياسية في السودان وما آلت إليه الأمور بعد إعلان حالة الطوارئ في البلاد، وفض الشراكة مع المكون المدني بموجب تعطيل الوثيقة الدستورية الموقعة بين المكونين في 17 أغسطس (آب) 2019، حالت دون تسريع المضي في تطوير العلاقات أكثر بين إسرائيل والسودان.
ويشهد السودان منذ 25 أكتوبر احتجاجات، رداً على الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها البرهان، ما تعتبره قوى سياسية انقلاباً عسكرياً في مقابل نفي الجيش.
ووقع البرهان ورئيس مجلس الوزراء، عبد الله حمدوك، في 21 نوفمبر، اتفاقاً سياسياً تضمن عودة الأخير إلى منصبه بعد عزله، وتشكيل حكومة كفاءات، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
لكن في الثاني من يناير، استقال حمدوك من منصبه، في ظل احتجاجات رافضة لاتفاقه مع البرهان ومطالبة بحكم مدني كامل، لا سيما مع سقوط 72 قتيلاً خلال التظاهرات منذ أكتوبر، وفق لجنة أطباء السودان.