يُنتظر أن تواجه أكبر صفقة استحواذ في تاريخ عملاق التكنولوجيا "مايكروسوفت" تدقيقاً أشد من قِبل هيئات مكافحة الاحتكار وسلطات تنظيم الأعمال في الولايات المتحدة. وجاءت الموافقة على استحواذ "مايكروسوفت" على شركة تطوير الألعاب "أكتيفيجن بليزارد" التي تنتج ألعاباً إلكترونية منها "كول أوف ديوتي" (نداء الواجب) بقيمة تصل إلى 75 مليار دولار، بعد تولي قيادات جديدة لتلك الهيئات الأميركية، وتعهدها بإعادة النظر في قواعد تمحيص الصفقات، وتشديد تطبيق اللوائح والقوانين التي تضمن حرية السوق.
ومن بين تلك القيادات شخصيات تُوصف بأنها "تقدمية" عينتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، مثل لينا خان، رئيسة هيئة التجارة الفيدرالية، وجوناثان كانتر في وزارة العدل الأميركية.
ومعروف عن لينا خان موقفها غير الودي من شركات التكنولوجيا العملاقة، وتتوقع "مايكروسوفت" أن تستغل رئيسة هيئة التجارة الجديدة إجراءات الموافقة على صفقة الاستحواذ للتشدد تجاه الشركة. المستثمرون في شركة "أكتيفيجن" أيضاً قلقون من هذا الاحتمال، وانعكس ذلك على تداول أسهمها في اليومين الأخيرين من هذا الأسبوع بأقل من القيمة التي تحددت في صفقة الاستحواذ، بأكثر من 13 في المئة.
ولم تقتصر ردود الفعل على صفقة "مايكروسوفت – أكتيفيجن" على السوق والمستثمرين وهيئات تنظيم الأعمال فحسب، بل امتدت لتشمل انتقاد رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس للصفقة.
انتقاد البنك الدولي
ففي كلمة له خلال ندوة في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، اعتبر مالباس صفقة بهذا الحجم الهائل بين شركتين في مجال التكنولوجيا "تخصيصاً غير سليم لرأس المال في الوقت الذي تصارع فيه الدول الفقيرة لإعادة جدولة ديونها، بينما هي تحارب كورونا وتعاني لمواجهة الفقر".
وقال رئيس البنك الدولي، إن هناك حاجة إلى انسياب رؤوس الأموال إلى الدول الفقيرة، "لكن ذلك الانسياب تتم عرقلته بسياسات نقدية تيسيرية في الدول المتقدمة".
وأضاف مالباس، أن حجم الصفة يتجاوز أضعاف ما تعهد به المانحون الأثرياء لرابطة التنمية الدولية لمساعدة الدول النامية. وكان المانحون قد اتفقوا على تقديم 23.5 مليار دولار للصندوق الذي يديره البنك الدولي على مدى 3 سنوات، بواقع نحو 8 مليارات دولار سنوياً.
وكان البنك الدولي حذر هذا الأسبوع من مخاطر عمليات "إفلاس غير منظم" مع احتمال تخلف بعض الدول الفقيرة في العالم عن سداد مستحقات خدمات الديون عليها، بعد نهاية فترة السماح التي أقرتها مجموعة العشرين بسبب أزمة وباء كورونا.
وتواجه الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل زيادة في أعباء خدمة الدين تقارب 11 مليار دولار، مع بدء استحقاق الأقساط هذا العام. بخاصة أن أغلب تلك الدول لم تستفد من ذلك التسهيل الذي تعهدت به مجموعة العشرين، واقترضت من السوق عبر سندات دين سيادية وسندات دين شركات لمواجهة أزمة وباء كورونا في العامين الماضيين.
وحسب أحدث بيانات البنك الدولي، فإن 74 دولة منخفضة الدخل تواجه مطالب خدمة ديون تُقدَّر بنحو 35 مليار دولار هذا العام، وذلك بزيادة 45 في المئة عن مستويات خدمة الديون لتلك الدول من المقرضين المباشرين أو القطاع الخاص في عام 2020، قبل تعمّق أزمة وباء كورونا حول العالم.
التأثير على صناعة الألعاب
وبعد إقرار الشركتين للشراء، من المنتظر أن يتم تنفيذ صفقة الاستحواذ العام المقبل 2023، حتى مع كل التعقيدات المتوقعة من قِبل الهيئات الحكومية التي تحتاج الصفقة إلى موافقاتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع إتمامها تصبح شركة "مايكروسوفت" ثالث أكبر شركة في مجال الألعاب الإلكترونية من حيث العائدات، بعد شركتي "تينسنت" و"سوني". فمع أنها أكبر صفقة استحواذ في تاريخ "مايكروسوفت"، لكنها ليست الأولى التي تقوم بها في مجال الألعاب الإلكترونية، إذ اشترت "مايكروسوفت" العام الماضي شركة "زينماكس" لتطوير الألعاب في صفقة بلغت قيمتها 7.5 مليار دولار.
وتشهد صناعة الألعاب الإلكترونية عمليات دمج واستحواذ في الفترة الأخيرة تجعل تلك الصناعة المربحة تتركز في يد شركات كبرى. فقد اشترت شركة سوني العام الماضي 6 استوديوهات لتطوير الألعاب الإلكترونية، منها استوديو "فالكيري إنترنتينمنتس"، كما اشترت شركة "ناينتندو" شركة "نيكست ليفل غيمز".
وفي الأسبوع الماضي، أعلنت الشركة التي تنتج اللعبة الشهيرة "غراند ثيفت أوتو" وسلسلة ألعاب "كيه 2" عن شراء شركة ألعاب الموبايل "زينغا" في صفقة بقيمة 12.7 مليار دولار.
ويرى بعض المحللين في السوق أن عمليات الاستحواذ تلك ربما تضر بمصالح مطوري الألعاب الإلكترونية، الذين يعملون بشكل مستقل "كطرف ثالث"، غير منتجي اللعبة ومسوقيها عبر منصاتهم أو عبر الهواتف الذكية. وإذا كانت "مايكروسوفت" تريد تعزيز وجودها في مجال الألعاب الإلكترونية على الهواتف الذكية، فإن صفقاتها تلك تستهدف أيضاً زيادة مبيعات أجهزة "إكس بوكس" للألعاب التي تنتجها وتنافس بها جهاز سوني "بلاي ستيشن".
وترد الشركة على المخاوف بأن تركيز صناعة الألعاب قد يضر بالمنافسة بتأكيدها حقيقة أن تلك الألعاب إنما يجري في النهاية تسويقها عبر مواقع تطبيقات الشركات الأخرى، مثل "أبل ستور" و"غوغل بلاي"، التي تكسب أيضاً من ذلك.
كما سيظل سوق "الطرف الثالث"، أي المطورين لبرمجيات الألعاب الإلكترونية، متاحاً كمورد للشركات الكبرى، لكن البعض يرى أن هيمنة شركات برمجيات كبرى مثل "مايكروسوفت" بهذا الشكل قد تضر بهذه السوق كثيراً.