أضحت كوارث الطبيعة بكل قساوتها تلاحق النازحين السوريين لتزيد آلامهم ألماً بعد كل ما نالوه من أوجاع الترحال عقب دمار أوطانهم وخراب لحق ببيوتهم، يفترشون الأرض بين حقول الزيتون الشاسعة ويلتحفون السماء هرباً من نار الحرب من دون أن يرأف برد الشتاء القارس والثلج المنهمر بأحوالهم المنهكة وهم يتناثرون بمخيمات عشوائية بين السهول والمرتفعات الجبلية بالقرب من الحدود التركية في شمال غربي البلاد.
وعلى الرغم من تكرار معاناتهم في كل فصل شتاء على مدار ما يزيد على خمس سنوات متتالية تواصل العواصف الثلجية هدم ما تبقى لهم مما يملكون كالبيوت المصنوعة من قماش، حيث تقطعت بهم سبل العيش الكريم في خيام مهترئة وممزقة ومنزوعة الأوتاد لشدة المنخفضات الجوية الباردة.
وتشير المعلومات الواردة من واقع مخيمات الشمال السوري إلى أن هذا الشتاء بعواصفه شديدة البرودة كان الأقسى عليهم، وغطت الثلوج بكثافة معظم الخيام التي تقبع بها أكثر من عائلة ما أدى إلى انهيارها فوق رؤوس قاطنيها.
مأساة الأطفال في صقيع المشاعر
في غضون ذلك طالبت العديد من المنظمات المحلية والدولية المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياتها تجاه النازحين بعد تعرضهم لموجة شديدة البرودة، وأعلن نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية، مارك كاتس أنها باتت منطقة كوارث حقيقية وذكر كاتس المسؤول أيضاً عن عمليات المساعدة عبر الحدود من تركيا إلى الشمال الغربي في مؤتمر صحافي "عن انهيار حوالى ألف خيمة بالكامل، وتعرضت لأضرار بالغة، وتأثر 100 ألف نازح يعيشون في هذه الخيام".
وضربت المخيمات منذ 18 يناير (كانون الثاني) موجة شديدة البرودة وعاصفة ثلجية هي الأكثر تأثيراً لهذا الشتاء شمال البلاد، وأعلن فريق منسقي الاستجابة السريعة عن تضرر 23 ألف شخص وبات 2753 من دون مأوى بعد دمار لحق بخيمهم، وفق بيان للمنظمة المنشور في 24 يناير (كانون الثاني) الحالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلق أحد أعضاء فريق ملهم التطوعي وطبيب مقيم في ألمانيا، عبد السلام ضويحي حول نشاط الفريق الذي يسعى إلى إيصال الدعم إلى أوسع شريحة من المتضررين وسط معاناة ومأساة غير مسبوقتين حدثت شتاء هذا العام، لافتاً إلى "تعرض العائلات إلى أمراض، مع وصول أنباء غير مؤكدة عن مصرع الأطفال في المخيمات نتيجة البرد وأردف لـ"اندبندنت عربية"، "الأسر النازحة وعلى مدى سنوات عجاف متروكة من دون أي دعم صحي، إننا أمام مأساة بحق مليون ونصف المليون شخص بحاجة إلى رعاية طبية وغذائية مع ضرورة توفير التعليم للأطفال".ساة
الخيمة ليست وطناً
في غضون ذلك ومع كل هذه المعاناة شديدة الوطأة تمر السنون على أولئك الحالمين بالعودة إلى بيوتهم المدمرة لإعادة إعمارها، والعيش بأمان، في وقت انتهى العمر الافتراضي لأكثر من 90 في المئة من الخيام بين خمس إلى سبع سنوات، وفق منظمات محلية ناشطة على الأرض.
وبعد اشتداد لهيب المعارك بين الفصائل المعارضة والقوات النظامية، زادت أعداد النازحين، وأخذت تتساقط الخيمة تلو الأخرى في ليالٍ باردة بات كثيرون فيها بالعراء وهددت الأطفال وكبار السن والمرضى بالموت برداً وسط أنباء عن مصرع عدد من أطفال المخيمات بعد توثيقها بتقارير طبية تفضي إلى سبب الوفاة البرد، بينما لا يمكن رصد العدد بدقة لكثرة المخيمات المترامية الأطراف، علاوة على صعوبة الوصول إليها، لا سيما تلك المتربعة على المرتفعات الجبلية، ومنها الطريق إليها غير سالك.
أن تشعل شمعة
ومع هذا المشهد السوداوي رغم شدة البياض الذي يغطي المكان، برزت حملات أهلية جاءت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولعل من أبرزها دخول المشاهير في دائرة الدعم عبر تسخير شهرتهم بجمع التبرعات وتقديمها لمن يحتاجها من اللاجئين، وبرز اليوتيوبر الكويتي حسن سليمان الملقب (أبو فلة) بعد قضاء فترة طويلة بحملة "لنجعل شتاءهم دافئاً" عبر بث مباشر حصد ما يقارب 10 ملايين دولار وتقديمها لمفوضية اللاجئين.
واتجهت فرق أهلية بالتحرك لجمع التبرعات وإنقاذ الناس، ومن أبرز تلك الحملات كانت حملة "حتى آخر خيمة" نفذها فريق ملهم التطوعي، الذي أسهم بشكل واسع على الأرض بتقديم الخدمات الإنسانية إضافة إلى جذب نجوم ومشاهير للدعم، وذكر مدير البرامج في الفريق، أحمد أبو شعر "أن الواقع أقل ما يمكن وصفه بالكارثي في إدلب وريفها، وريف حلب الشمالي وصولاً إلى جنديرس ولأبعد نقطة على الحدود التركية".
يضيف، "يوجد آلاف الأسر بحسب التقديرات وصلت لمليوني نازح، وفق تقديرات الأمم المتحدة منتشرين على 1400 موقع للنزوح بين مخيمات رسمية وعشوائية، وبالتالي توجد أعداد كبيرة وكارثة إنسانية، ولا تفارق مشاهد الغرق وتشقق الخيم وانعدام أي وسيلة للتدفئة من فقدانها تأمين كل وسائل العيش".
وأوضح مدير البرامج في فريق ملهم، "أن الواقع دفعنا لإطلاق حملة اسمها (حتى آخر خيمة) لتأمين مساكن كريمة للنازحين، التي تتكرر معاناتهم في كل عام، والهدف تبديل الخيم للعائلات المهجرة بوحدات سكنية، وهو مشروع نوعي يهدف إلى تغيير حياة 500 عائلة سرة عبر تأمين المبتأمين المأوى المناسب، ومواد التدفئة والغذاء، ولدينا هدف بأن نصل إلى كل الخيم".