نجح النظام المؤقت في الجزائر في تحقيق طلب الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، ومن ورائه شقيقه سعيد، رئيس "العصابة المحبوسة" في السجن العسكري بتهم التآمر على الجيش والدولة، بإعلان المجلس الدستوري إلغاء الانتخابات الرئاسية المقررة في الرابع من يوليو (تموز) 2019، وتمديد فترة عبد القادر بن صالح رئيس الدولة المؤقت، لحين انتخاب رئيس جديد للبلاد، ولكن المجلس الدستوري لم يذكر تاريخ تنظيم الاستحقاق الرئاسي، تاركاً الأمر بيد بن صالح.
الحراك أمام واقع جديد
واصطدم الحراك الشعبي بواقع جديد لم يكن يتوقعه، بعدما وجد نفسه في مواجهة "تمديد العهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة"، بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على خروجه إلى الشارع للمطالبة بـ "لا للعهدة الخامسة، ولا لتمديد الرابعة"، وفي وقت انتظر الجميع تأجيل انتخابات "4 جويلية"، وتنحية الباءات، وتحديد موعد الرئاسيات لإنهاء الأزمة. وتفاجأ الجزائريون بإصدار المجلس الدستوري "فتوى" تسمح للرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، بمواصلة مهامه، على الرغم من فشله في تنظيم انتخابات على المستويات كافة، وذلك من دون تحديد موعد لانتخاب رئيس جديد، علماً أن المادة 102 من الدستور، تنص على أن ولاية بن صالح، هي 90 يوماً تنتهي في الثامن من يوليو.
فراغ دستوري؟
"قرار المجلس الدستوري مخالف للدستور من جوانب عدة"، قال أنور هدام، رئيس "الحرية والعدالة الاجتماعية"، في تصريح لـ "اندبندنت عربية"، مضيفاً أنه "عملياً، البلاد دخلت في مرحلة فراغ دستوري، على اعتبار أن موعد الانتخابات يُحدد من قبل رئيس الدولة، كما أن القرار هو محاولة مكشوفة لتمديد رئاسة بن صالح". وتابع "على السلطة الفعلية الاستجابة لمطالب الحراك وتجاوز الدستور وتنحية بن صالح وبدوي، وتعيين، وفق تكليف دستوري، رئيس جديد للدولة غير متورط مع العصابة، على أن يفتح هذا الرئيس المؤقت حواراً شفافاً ومسؤولاً"، مشدداً على "ضرورة تأمين الضمانات لانتخابات رئاسية حرة ونزيهة، في مدة لا تتجاوز الستة أشهر".
غموض المشهد
وبحسب بيان المجلس الدستوري، يظهر قائد الأركان وكأنه استجاب للحراك بتأجيل الانتخابات، لكن الواقع غير ذلك، في باقي نقاط البيان، خصوصاً مع التمسك ببن صالح وتمديد عهدته، ومنحه صلاحية تحديد تاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية، أي التعدّي على صلاحيات رئيس الجمهورية المخوّل الوحيد بتحديد تاريخ الانتخابات، وفق الدستور، وليس "المؤقت" الذي انتهت فترته، ما يجعل "الفتوى" التي أصدرها المجلس الدستوري في "ليلة الشك"، تأخذ صفة "الحيلة" التي سمحت بتمديد العهدة الرابعة، كما أرادتها "العصابة"، وإلا كيف تُفسر دعوات قائد الأركان إلى الحوار ورفضه كل المبادرات وانتقاده كل النخب، وهو يعلم إلى أين تتجه الأمور؟ لكن يبدو أن الجواب واضح في تحذيراته من العودة إلى سنوات التسعينيات، ما يزيد على غموض المشهد ويؤجج الأوضاع، خصوصاً مع الإصرار على التخلّص من رموز النظام السابق، وعلى رأسهم الرئيس المؤقت بن صالح ورئيس الحكومة بدوي.
في ما يتعلّق بـ"الفتوى" الدستورية التي أعلن عنها المجلس الدستوري، قال المحلل السياسي مومن عوير في تصريح لـ "اندبندنت عربية" "لا أرى أنها تندرج في إطار تمديد عهدة بوتفليقة، التي انتهت أصلاً بعد استقالته"، مضيفاً "يمكن أن نسمي ما حدث بأنه تمديد للفترة المؤقتة لبن صالح كرئيس للدولة، وهو تحصيل حاصل لتأجيل انتخابات الرابع من جويلية بطريقة دستورية، كإجراء وقائي من الوقوع في إشكالية منصب رئيس الدولة، وتجنباً للفراغ الدستوري". وتوقّع استقالة عبد القادر بن صالح، نظراً إلى الرفض الشعبي لبقائه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
العودة إلى نقطة الصفر
في السياق نفسه، رأى الإعلامي المهتم بالشأن السياسي حكيم مسعودي أن "تمديد عهدة بن صالح، يعني عودة العداد إلى نقطة الصفر. وبالتالي، فإن فرض الأمر الواقع هو ربح للوقت، بالنسبة إلى السلطة القائمة، وتضييع للوقت، بالنسبة إلى الانتقال الديمقراطي، بحجة الإطار الدستوري الذي تتمسك به قيادة الأركان لحد الآن. وهذه القيادة لا تقنع الشارع بدليل استمرار المسيرات". وكشف عن "مخاوف من بعض المؤشرات التي تشهدها الساحة في الأسابيع الأخيرة، على غرار الاعتقالات وتعزيز قوات مكافحة الشغب في المسيرات، والتضييق الحاصل على النشطاء، فضلاً عن التوجيه القهري المفروض على الإعلام العمومي وبعض العناوين في الإعلام الخاص، التي تقتنص الفرصة لربح الولاء".
وتابع مسعودي أن "السلطة الفعلية تسجل تنازلات تلو الأخرى لصالح الإرادة الشعبية، لكنها في الوقت ذاته لا تزال تحاول تمييع المطلب الرئيسي المتمثل في التغيير الجذري للنظام والاتجاه نحو جمهورية جديدة، من خلال خلق زوايا نقاش وسجال هامشية، بالمقارنة مع المطلب المحوري"، مبرزاً أن السلطة الفعلية في "مأزق سياسي في ظل انتهاء المرحلة الانتقالية الدستورية، ورفضها الدخول في المرحلة الانتقالية السياسية، ما يجعلها تُبقي على أمر واقع، بحجج دستورية تأويلية". وخلص إلى أن "الحلول تضيق أكثر فأكثر بأصحاب الطرح الدستوري، ولم يبق من بريق لهذه السلطة سوى مشروع الندوة الوطنية التي تبقى المخرج الوحيد، إن حظيت بقبول الفعاليات السياسية المؤثرة".
وعلى الرغم من تمسك المؤسسة العسكرية بضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المقرر في الرابع من يوليو، باعتبارها "وسيلة لخروج البلاد من أزمتها السياسية"، جاء المجلس الدستوري ليعلن "استحالة" إجرائها، في تأكيد غير مُعلن أن "الوضع سيزداد تأزماً".