في مختلف مراحله التاريخية ظل الصراع الدامي اليمني ينأى بالنساء والأطفال عن تبعات الحروب والنزاعات المتتالية وآلتها الرهيبة، إلا أن الحرب الجارية اليوم في البلد الفقير شهدت بروز انتهاكات إنسانية طالت النساء على نحو صادم غير مسبوق، بحسب تقارير دولية.
ومع استمرار الحرب بين الميليشيات الحوثية من جهة والحكومة الشرعية من جهة أخرى، اتخذ الصراع أبعاداً ذات امتدادات اجتماعية استخدمت من الاعتداء الجنسي والابتزاز وسيلة لتحقيق أهداف سياسية، فضلاً عن عمليات الخطف وتلفيق التهم الأخلاقية.
الاغتصاب
وكشف فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن في تقريره للعام 2021 الذي قدم إلى مجلس الأمن في الـ 25 من يناير (كانون الأول)، ونشر يوم السبت الماضي، عن "انتهاكات إنسانية" مارستها ميليشيات الحوثي بحق نساء وأطفال يمنيين، بلغت حد الاغتصاب في السجون والمعتقلات السرية التي تديرها الجماعة المدعومة من إيران ضمن المناطق الخاضعة لسيطرتها، بما فيها العاصمة صنعاء.
وقال التقرير الذي ورد في 300 صفحة، إن فريق الخبراء وثق "تعرض امرأتين للاحتجاز والاغتصاب من قبل الحوثيين لرفضهما المشاركة في الدورات الثقافية"، وهي دورات تقيمها الميليشيات للحشد الطائفي، فيما رصد قيام الحوثيين "باغتصاب طفل خلال تلقيه للتدريب على أيديهم".
وحققت البعثة الدولية في 17 حالة تتعلق بـ 50 ضحية من ضحايا انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان في ما يتعلق بالاحتجاز، بما في ذلك العنف الجنسي والتعذيب على أيدي الميليشيات.
وفيما دان الفريق الأممي ما قام به الحوثيون من احتجاز لناشطات عارضن آراءهم سياسياً أو مهنياً، وتم "تعذيبهن وتشويههن والاعتداء عليهن جنسياً، واستخدام مزاعم الدعارة للمعتقلات بهدف نزع الدعم المجتمعي".
واستشهد التقرير بتسع حالات انتهاك قام الحوثيون خلالها "باختطاف واحتجاز نساء ناشطات سياسياً أو مهنياً بسبب معارضتهن لآرائهم الأيديولوجية أو توجههم السياسي".
فيديوهات ابتزاز
ووفقاً للفريق الأممي فقد استخدمت الجماعة مزاعم "الدعارة" ذريعة للحد من تقديم الدعم المجتمعي للضحايا المعتقلات ومنع مشاركتهن النشطة في المجتمع المحلي، وضمان "عدم تهديدهن لنظام الحوثيين".
وفي مساعيهم إلى فرض هذه الغاية، أضاف أن الميليشيات "سجلت فيديوهات مخلة بالآداب واحتفظت بها لمواصلة استخدامها كوسيلة ضغط ضد أي معارضة من هؤلاء النساء".
ردع الناشطات
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستنتاجاً لهذا السلوك، خلص الفريق إلى أن "هذه التدابير الحوثية ضد النساء لها تأثير رادع لنشاطهن، ويؤثر قمعهن في قدرات القيادة النسوية المشاركة في صنع القرار المتعلق بحل النزاع، ويشكل بالتالي تهديداً للسلام والأمن والاستقرار في اليمن".
الأطفال ضحايا العنف الجنسي
وفي شأن ما تشهده معسكرات الأطفال التي ينشئها الحوثيون، قال فريق الخبراء الدولي إنه وثق أيضاً حالة "ارتكب فيها الحوثيون عنفاً جنسياً ضد طفل خضع لتدريب عسكري".
الغذاء في مقابل الأطفال
بموازاة ذلك، أكد الفريق تلقيه 10 حالات اقتيد فيها أطفال للقتال في صفوف ميليشيات الحوثي بذريعة أنهم سيلتحقون بدورات ثقافية أو أخذوا من تلك الدورات إلى ساحات المعارك.
واستدل بتسع حالات قدمت فيها أو منعت مساعدات إنسانية إلى عائلات على أساس ما إذا كان أطفالها يشاركون في القتال، أو إلى معلمين فقط على أساس ما إذا كانوا يدرسون منهج الحوثيين.
مقتل 1406 أطفال
وفي رقم صادم، أوضح الخبراء تلقيهم قائمة بأسماء 1406 أطفال جندهم الحوثيون ولقوا حتفهم في ساحات المعارك عام 2020، كما تلقوا قائمة أخرى تضم 562 طفلاً جندهم الحوثيون ولقوا حتفهم في ساحات المعارك خلال الفترة بين يناير (كانون الثاني) ومايو (أيار) 2021 تتراوح أعمارهم بين 10 سنوات و17 سنة.
قادة حوثيون
وحمل فريق الخبراء الأممي في تقريره السنوي القيادي الحوثي محمد العاطفي الذي عينته ميليشيات الحوثي وزيراً للدفاع، مسؤولية تجنيد الأطفال.
كما حُمّل يحيى الحوثي، شقيق زعيم الميليشيات عبدالملك الحوثي، الذي عينته الجماعة وزيراً للتربية والتعليم، مسؤولية استخدام المدارس والمخيمات الصيفية للترويج للعنف والكراهية وتغذية نزعة التطرف وتجنيد الأطفال.
استراتيجية غرس الأيديولوجيا
ووفقاً للخبراء الدوليين فإن المخيمات الصيفية والدورات الثقافية الحوثية التي تستهدف الأطفال والبالغين تشكل "جزءاً من استراتيجية الحوثيين الرامية إلى كسب الدعم لأيديولوجيتهم، وتشجيع الناس على الانضمام إلى القتال وتحفيز القوات".
وقال إن كثيراً ممن يلتحقون بهذه الدورات ليس لأنهم يؤمنون بأفكار الميليشيات الحوثية، بل "يشاركون فيها حتى لا يخسروا استحقاقات العمل أو المساعدات الإنسانية أو خوفاً من عمليات الانتقام لعدم المشاركة فيها".
الصغار وزرع الكراهية
وعلى الصعيد ذاته، أجرى الفريق الأممي تحقيقات في المدارس والمخيمات الصيفية والمساجد التي يستخدمها الحوثيون لنشر أفكارهم لدى الأطفال وتشجيعهم على القتال، وتوفير التدريب العسكري لهم أو تجنيدهم.
وخلص إلى أنه يتم في هذه المخيمات التشجيع على خطاب الكراهية وممارسة العنف ضد جماعات معينة.
الحوثي يرفض التقرير
وعلق الحوثيون على التقرير بتكذيبه من خلال قيادات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال القيادي الحوثي حسين العزي الذي يشغل منصب نائب وزير الخارجية في حكومة الميليشيات، إن "فريق خبراء مجلس الأمن عبارة عن مجموعة أشخاص بائسين"، مشككاً في مصدر معلوماتهم.
يذكر أن تقارير حقوقية محلية ودولية وثقت شهادات ضحايا من النساء والأطفال حول قيام الحوثيين باختطاف مئات اليمنيات بتهم كيدية، وممارسة العنف ضدهن، وهو ما تنكره الميليشيات.