Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ترتيبات أمنية جديدة تبعث الأمل في استقرار دارفور

ثمة تساؤلات تطرح في الشارع السوداني حول مدى جدوى الاجتماعات والقرارات التي تصدر من دون تحقيق تقدم في بسط هيبة الدولة في الإقليم

اجتماع للمجلس الأعلى المشترك للترتيبات الأمنية برئاسة البرهان، صدرت خلاله قرارات داعمة لإعادة الأوضاع في دارفور لوضعها الطبيعي (إعلام مجلس السيادة السوداني)

شهدت الفاشر عاصمة إقليم دارفور المضطرب منذ اندلاع الحرب الأهلية في مجمل أراضيه عام 2003، والتي حصدت 300 ألف قتيل بحسب إحصاءات الأمم المتحدة، الأربعاء الثاني من فبراير (شباط)، اجتماعاً للمجلس الأعلى المشترك للترتيبات الأمنية برئاسة رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، صدر خلاله عدد من القرارات الداعمة لإعادة الأوضاع في دارفور لوضعها الطبيعي، وبداية تنفيذ بروتوكول الترتيبات الأمنية الوارد في اتفاقية جوبا للسلام الموقعة بين الحكومة الانتقالية وحركات الكفاح المسلح مطلع أكتوبر (تشرين الأول).

الترتيبات الأمنية

وبحسب البرهان، فإن الاجتماع انعقد بغرض مراقبة اتفاقية سلام جوبا - مسار دارفور، وبحث تكوين قوة مشتركة لحماية المواطنين وحفظ الأمن في الإقليم، منوهاً إلى أن الأخيرة التي وقعت في بعض ولايات دارفور استدعت اتخاذ خطوات إيجابية وحاسمة في تنفيذ عملية الترتيبات الأمنية التي تعثرت طيلة هذه الفترة بسبب بعض التحديات اللوجيستية والمالية وأخرى تتعلق بعملية تجميع القوات، ما أضر بالعملية السلمية ومواطني الإقليم والسودان ككل، وأشار إلى أنه اتفق في الاجتماع على إخلاء المدن كافة من القوات الخاصة بحركات الكفاح المسلح خلال أسبوع وتوجيهها نحو مناطق التجميع، محذراً مما سماه مخططات التخريب التي تمارسها مجموعات مسلحة خارج العملية السلمية بهدف إثارة الفوضى، وجدد التزام الحكومة السودانية بالتعاون والتنسيق مع قادة الحركات المسلحة والعمل معاً لإعادة الأمن والاستقرار إلى دارفور.

لكن ثمة تساؤلات تطرح في الشارع السوداني حول مدى جدوى مثل هذه الاجتماعات والقرارات التي تصدر من حين لآخر، من دون أن تحقق تقدماً ملحوظاً في بسط هيبة الدولة على أراضي هذا الإقليم البالغة مساحته 525 ألف كيلو متر مربع، وإعادة الأوضاع إلى طبيعتها كما كان دارفور في سابق عهده يتمتع باستقرار تام غير مسبوق.

نزع السلاح

وأوضح، في هذا الشأن، حاكم إقليم دارفور المستقيل محمد عيسى عليو، أنه "ليس للترتيبات الأمنية قيمة إذا لم تكن هناك جدية من الأطراف كافة، وأن يتم النظر في كل مهددات الاستقرار بالاعتبار، لكن بشكل عام، إنجاز هذا الملف يعطي حكومة الإقليم الفرصة والمسوّغ لنزع السلاح من أي شخص من دون استثناء، وأن يكون السلاح في يد من يتولى مسؤولية الأمن ممثلاً في قوات حفظ الأمن وحماية المدنيين التي يجب أن تكون على قدر عال من الفاعلية والشجاعة والقناعة، على أن تكون على رأسها قيادة ملتزمة ومقتنعة بهذا العمل".

أضاف، "نأمل أن تكون العوائق التي اعترضت القيادة العسكرية في تنفيذ هذا الملف خلال زيارتها دارفور في أغسطس (آب) الماضي قد تمت إزالتها، فقضية بسط الأمن والاستقرار في هذا الإقليم ليس من المستحيلات أو التعقيد، فهي تنحصر في مجموعة تمتلك السلاح وهذا يتطلب منح صلاحيات واسعة وإرادة قوية لحسم هذه القضية بالصورة المطلوبة"، وبين عليو أن إقليم دارفور يعاني من جملة تحديات أدت إلى تدهور أحواله وعدم استقراره، لا سيما مجاورته خمس دول فيها إفرازات ومهددات خطيرة، والإقليم شاسع ومترامي الأطراف ما يصعب السيطرة عليه، وانتشار الجهل والتخلف والأمية بشكل كبير، وعدم قبول الآخر، وتفشي الحساسيات المصطنعة، وانعدام التنمية بخاصة في مجال الطرق بين المدن، لكن كل هذه التحديات مقدور عليها، ولا بد أن يعرف الجميع أن اضطراب دارفور يعني اضطراب السودان ككل، فلن تستقر البلاد إن لم يحصل استقرار في هذا الإقليم، فهو يحظى بمعظم الثروات والموارد الطبيعية في باطن الأرض وخارجها التي لم تستغل بعد بواقع الفوضى الأمنية التي تضرب الإقليم، ونوه إلى حال الاستقرار التي تشهدها ولاية شرق دارفور بموجب قناعات سكانها الذين قرروا وقف النزاعات وحالة الاحتراب بين مكوناتهم القبلية، بعد أن كانت تحصد آلاف الأرواح، داعياً الولايات الأربع الأخرى إلى حذو تلك الولاية حتى ينعم الإقليم بأكمله بالهدوء التام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحدد حاكم دارفور المستقيل خريطة طريق استقرار دارفور في أن تعطي حكومة الخرطوم اعتباراً خاصاً لهذا الإقليم لأنها لن ترتاح إلا إذا بسط الاستقرار في دارفور، فهي معادلة فرضية لا مفر منها، كما أن مسألة الترتيبات الأمنية مهمة من ناحية توفيق أوضاع الحركات المسلحة، ومن بعد ذلك يأتي تشكيل الحكومة الإقليمية، فضلاً عن ضبط الحدود وتمشيطها من خلال توسيع حجم القوات الخاصة والمشتركة لوقف عمليات تهريب السلع ودخول السلاح، ووفق ذلك يمكن الخروج من هذا المأزق.

التمويل والآليات

في السياق، قال نور الدائم طه، الأمين السياسي في حركة جيش تحرير السودان بقيادة أركو مني مناوي، "في اعتقادي أن اجتماع الفاشر صدرت فيه قرارات مهمة أهمها العودة إلى اتفاق جوبا للسلام، وتسمية القوة التي تتولى العملية الأمنية في الإقليم بقوة حفظ الأمن وحماية المدنيين بدلاً من القوة المشتركة باعتبارها لم ترد في اتفاق السلام، لذلك رفضت الحركات المسلحة المشاركة فيها، فضلاً عن أهمية حضور قيادة البلاد السياسية والعسكرية لدارفور ما يعتبر دلالة ورسالة لاهتمام الحكومة الاتحادية بأمن واستقرار هذا الإقليم"، وتابع طه، "لكن إنجاز ملف الترتيبات الأمنية لا يتم من خلال اجتماعات فقط في أي من الولايات، بل الأمر يتطلب اتخاذ قرارات قوية تؤدي للتنفيذ الكامل لاتفاق السلام، فهذا الملف المتعلق بالترتيبات الأمنية لا ينفصل عن بروتوكول عودة النازحين واللاجئين، وكذلك بروتوكول الثروة والسلطة، وأيضاً بروتوكول العدالة، فكلها عملية متكاملة مرتبطة مع بعضها البعض، لذلك، فإن حسم هذا الأمر يتم في الخرطوم وليس الفاشر، على الرغم من دلالاته، لكن عملية التنفيذ تتوقف على توفير التمويل اللازم وتشكيل الآليات المتفق عليها بما فيها مشاركة وسطاء العملية السلمية، والبدء في دمج القوات وإصلاح الأجهزة الأمنية، والشروع في التحولات الدستورية ومعالجة اختلالات الثروة والسلطة التي بسببها حملت الحركات السلاح".

ولفت إلى أن هدوء الأوضاع في دارفور لا يحدث بالزيارات، بل يتم بتنفيذ الاتفاقات والعهود والمواثيق المتفق عليها، وبدمج القوات وإيجاد الدعم المادي، وبناء الثقة بين الأطراف المختلفة، فمواطن دارفور يريد أن يرى تنفيذ اتفاق السلام بعينه، بالتالي، فإن أي تحرك خارج هذا الإطار هو مجرد حلول مؤقتة، مؤكداً أن حركات الكفاح المسلح أوقفت عمليات القتال وحمل السلاح من أجل معالجة التظلمات المتمثلة في عمليات الحرمان والتهميش لأبناء دارفور في الخدمة المدنية بمؤسساتها المختلفة، إذ يجب أن تراعي مسألة التوظيف الثقل السكاني.

ونوه الأمين السياسي في حركة جيش تحرير السودان إلى أن الحركات المسلحة مستعدة للمساهمة في استقرار دارفور لما تملكه من كادر عسكري وفني وسياسي مؤهل للقيام بالأدوار والمهام كافة التي توكل إليه، لكن المحك الأساسي في كيفية توفير الموارد اللازمة لكامل بنود اتفاق السلام.

محاصصات

في المقابل، قال مدير معهد السودان للديمقراطية المحامي الصادق علي حسن، إن "الترتيبات الأمنية بشكلها الحالي عبارة عن قسمة محاصصات بين حملة السلاح للحصول على المناصب العسكرية والرتب والمزايا والمكاسب الذاتية الأخرى، وفي واقع الحال، أن اتفاق جوبا أصبح معزولاً داخلياً وخارجياً، إذ لم يعد له أدنى تأثير في الحياة العامة بل صار من أدوات الاستقطاب في مناطق دارفور التي تشهد صراعات محلية عديدة بعضها بسبب الاستيلاء على الأرض من أصحابها وتهجير سكانها، كذلك نجد أن المواطن العادي فقد ثقته في قيادة الحركات الحالية التي تتصدر المشهد السياسي وأظهرت ضعف قدراتها وعدم امتلاكها خططاً أو برامج استراتيجية تخاطب المشكلات المحلية وقضايا المجتمع، كما صدم مجتمع دارفور من ممارسات الحركات التي كان يتوقع منها بسط الأمن وحماية المواطن، وذلك بقيامها بنهب مقار بعثة اليوناميد ومخازن برنامج الغذاء العالمي، وهذه الممارسات وحدها كافية للتقرير بشأن مستقبلها لدى المواطن العادي".

أضاف حسن، "ما يحدث من ترتيبات عبارة عن تقاسم مراكز قوى، وأن الطرف الأضعف فيها هو الحركات المسلحة التي ستدمج جيوشها لدى جيش البرهان وتصبح قياداتها تحت إمرته المباشرة، وسيكون التنافس بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لكن في نهاية المطاف سيقدمون الشواهد التي تعزلهم داخلياً وخارجياً، وبالتالي لن تكون لهذه المحاصصات وقسمة الثروة وترتيبات السلطة الأمنية أي تأثيرات على الأرض، بل ستزيد من حدة الاستقطابات والصراعات المجتمعية المحلية بما يعجل من خطى الفوضى المتوقعة في البلاد"، واستبعد بسط الأمن في إقليم دارفور وإعادة هيبة السلطة له وفق الآليات التي يجرى التخطيط لها حالياً، لأن الآليات المستخدمة نفسها ستنتج أسباب الفوضى والتشظي المجتمعي ببروز التنافس على المواقع والمناصب العسكرية باستخدام رمزية القبيلة، وستفقد المؤسسات النظامية رويداً رويداً مقوماتها القومية وتصاب بالضعف، وفي المقابل، تتوزع المراكز للقوى المحلية ومكوناتها المختلفة، حيث تسود ثقافة القوة التي أصبحت ظاهرة في المناطق الطرفية للمدن الكبيرة في دارفور.

ثقافة الارتزاق

ولفت مدير معهد السودان للديمقراطية إلى أنه حتى الآن لم تتم مخاطبة قضايا دارفور ومطالبها في التنمية والمشاركة العادلة، في وقت أن المواطن العادي تجاوز هذه المطالب وأصبح يحلم فقط بالحصول على الأمن، لأن السلام بات في نظر الجميع بأنه ثقافة للحصول على المكاسب الذاتية، وبسيادة هذه الثقافة قد يتعذر إيجاد المعالجات والحلول للمشاكل المتراكمة، لكن المدخل الأساسي للحلول هو تصحيح المفاهيم من خلال مراجعة ثقافة البندقية واستخدامها للحصول على المزايا بادعاء تمثيل الجهات والمكونات الاجتماعية، والتأسيس لبناء دولة مدنية حقيقية يتم التنافس فيها وفق أسس مدنية عامة ومجردة.

وحول ما يقال، إن هناك طرفاً ثالثاً يلعب دور زعزعة الأمن، أجاب، "هذا الطرف الثالث إذا وجد تنتجه الأطراف المتصارعة على القيادة، وبالتالي هو منها وإليها، كما يستخدم هذا المصطلح لتمرير الأجندات بخاصة الأمنية منها ولطمس الحقائق"، وأشار حسن إلى أن اتساع الحدود والشراكة مع دول الجوار التي لديها مشاكل مماثلة وتعاني من الصراعات المحلية مثل تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان، قد ساعد في عبور البندقية وانتقالها عبر المعابر ومشاركتها في القتال وتصدير واستيراد المقاتلين إلى دارفور، لكن في الحقيقة لم يعد القتال بالضرورة كفاحاً من أجل قضايا وطنية، كما يحدث مثلاً في ليبيا التي تعاني من وجود مئات الجنود من جنسيات عدة يقاتلون كمرتزقة، لذلك ما لم توجد خطط استراتيجية لمعالجة هذا الوضع، ستتحول المنطقة بأسرها لبؤرة صراعات من خلال تدفقات السلاح، فضلاً عن بروز كوارث إضافية تعيق الجهود الدولية في تحقيق السلام، ما تشكل خطورة محتملة على الأمن والسلم الدوليين.

وبين حسن أن المدخل لاستقرار دارفور يكون بإنهاء ثقافة الارتزاق السياسي من خلال استغلال الرمزية الاجتماعية والجهوية، والتأسيس لنظام مدني حقيقي ينقل المجتمع من أطر القبلية والجهوية المتفشية بصورة لافتة.

قوة مشتركة

ونص بروتوكول الترتيبات الأمنية الموقع في جوبا على تشكيل قوات مشتركة تحت اسم القوى الوطنية لاستدامة السلام في دارفور، مهمتها حفظ الأمن وحماية المدنيين ونزع السلاح في الإقليم، على أن تتكون هذه القوى من الجيش والشرطة والدعم السريع وقوات من حركات الكفاح المسلح. ونص الاتفاق على حصول تلك القوات المشتركة على دعم لوجيستي وتسهيلات من بعثة حفظ السلام الدولية، بما في ذلك استخدام طائراتها لتنفيذ مهمتها، وكذلك تتولى البعثة الدولية مهمة مُراقبة عمل تلك القوات، كما نص البروتوكول على إعادة دمج قوات الحركات المسلحة وتسريحها تدريجياً خلال فترة 39 شهراً، تُقسم على ثلاث مراحل، 12 شهراً و14 شهراً و13 شهراً، فضلاً عن معاملة شهداء الحركات المسلحة خلال فترة الحرب في دارفور، أسوة بشهداء الجيش السوداني، إضافة إلى تشكيل لجنة خاصة لمتابعة ملف أسرى الحركات المسلحة ومفقوديها، وإجراء المحاسبات القانونية حال ثبوت تصفية المفقودين وعدم معاملتهم كأسرى حرب، كذلك نص البروتوكول على معالجة جرحى الحركات المسلحة في دارفور ورعايتهم.

وفي ما يختص بهيكلة القوات المسلحة، اتفقت الأطراف على إجراء إصلاحات تدريجية في تلك القوات، بما يضمن تمثيل كل الأقاليم، وبخاصة المهمشة، وفي كل الرّتب بما في ذلك العليا منها، إلى جانب إيجاد عقيدة عسكرية جديدة.

المزيد من العالم العربي