قررت قمة الاتحاد الأفريقي تعليق النقاش والتصويت حول سحب صفة المراقب من إسرائيل، لتجنب مزيد من الانقسام داخل المنظمة القارية حول القرار المفاجئ والمثير للجدل الذي اتخذه رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي في يوليو (تموز) الماضي، ومثل خروجاً على تقاليد ومقررات الاتحاد الذي صنف إسرائيل تاريخياً كنظام استيطاني عنصري ودولة احتلال، على الرغم من تمتع الدولة العبرية خلال السنوات الأخيرة بعلاقات دبلوماسية ثنائية مع أكثر من ثلثي دول القارة، وذلك على خلفية رفض العديد من الدول الأعضاء للقرار الذي اتخذه فقي منفرداً.
وأدى القرار الذي قوبل برفض واحتجاجات معلنة من جانب الجزائر وجنوب أفريقيا إلى إحياء حال الجدل عربياً وفلسطينياً حول دور الدول العربية الأعضاء في المنظمة الأفريقية تجاه "التصدي للتغلغل الإسرائيلي في أفريقيا"، باعتباره بنداً ثابثاً على جدول أعمال مجلس الجامعة العربية، في ظل استعادة العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول الأفريقية التي قطعت علاقاتها معها خلال العقود الماضية تضامناً مع الحقوق الفلسطينية، وكان آخرها تشاد التي أعادت علاقاتها مع تل أبيب بعد أربعة عقود من القطيعة منذ حرب 1973، واتجاه بعض الدول العربية الأفريقية إلى التطبيع مع إسرائيل مثل السودان والمغرب.
إلغاء أم مجرد تأجيل؟
وأثار قرار تعليق جلسة النقاش التي كانت مقررة لبحث إلغاء قرار منح إسرائيل صفة مراقب وإحالته إلى لجنة رئاسية سداسية، جدلاً حول مضمون هذا القرار غير الحاسم وتأثيره، إذ أتاح تأجيل الجلسة تفادي عملية التصويت على القرار الذي اتخذه رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي الصيف الماضي.
وبرر الاتحاد قراره التأجيل بتفادي انقسام غير مسبوق في تاريخه، ومن شأن القرار الحالي تجميد عضوية إسرائيل كمراقب لدى الاتحاد عقب انضمامها رسمياً في أغسطس (آب) العام الماضي، بناء على قرار من رئيس المفوضية، بينما رأى مراقبون أن التأجيل ليس هدفه سوى إذابة معارضة الانضمام الإسرائيلي عبر إرجاء منح هذه العضوية، ووضع المسألة في أيدي عدد محدود من الدول من أعضاء اللجنة الرئاسية السداسية التي تضم الرئيس السنغالي ماكي سال بصفته رئيس القمة، إضافة إلى رؤساء خمس دول ممثلة للأقاليم الأفريقية الخمس، مع التمثيل المتساوي للدول الرافضة والمؤيدة للقرار.
وشكلت اللجنة الرئاسية السداسية من رؤساء الجزائر عن إقليم الشمال، وجنوب أفريقيا عن إقليم الجنوب، والكونغو الديمقراطية عن إقليم الوسط، وكينيا من إقليم الشرق، والسنغال كرئيس ومشرف على اللجنة عن الغرب الأفريقي.
وتم ضم نيجيريا بإصرار من جنوب أفريقيا لتحقيق التوازن بين مؤيدي القرار ومعارضيه (جنوب أفريقيا والجزائر ونيجيريا).
وقال مصدر دبلوماسي بالمفوضية الأفريقية لـ "اندبندنت عربية" إن "القرار الذي اتخذته القمة يعني أن معركة انضمام اسرائيل إلى الاتحاد لا تزال قائمة ولكنها مؤجلة، بخاصة وأنها ليست مسألة ملحة تقتضي سرعة حسمها، وبالتالي أصبحت محل مراجعة وتعطيل مؤقت بانتظار التوافق على موقف نهائي أو بقاء الحال كما هو عليه".
وجاء قرار تشكيل اللجنة كحل وسط اقترحه رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، رئيس القمة الأفريقية السابقة، فخلال مداخلة عبر الفيديو كونفرانس أعرب رامافوزا عن أسفه للقرار الذي اتخذه موسى فقي بمنح إسرائيل صفة مراقب، واصفاً القرار بأنه "سيقسم القارة"، وأن بلاده والدول الرافضة للقرار "غير مقتنعة على الإطلاق بالأسباب التي سردها رئيس المفوضية في كلمته التي برر بها اتخاذه هذا القرار"، مؤكداً أن القرار به "عدد كبير من المغالطات التي سيتم الرد عليها سياسياً في إطار عمل اللجنة المنبثقة من القمة"، ودعا إلى حماية وحدة القارة والحفاظ على الاتحاد الأفريقي ليعمل من أجل الوحدة الأفريقية. وأكد أنه "من أجل ذلك يجب وقف قرار رئيس المفوضية حتى لا تتمزق القارة لأسباب خارجية".
وفوض رامافوزا، الرئيس السنغالي رئيس القمة الحالية، الذي قرر بدوره عدم إلغاء قرار منح إسرائيل صفة مراقب، وترك المسألة مفتوحة ومنح الفرصة للجنة السداسية لمناقشته والتشاور والبت فيه.
وأيدت اقتراح رئيس جنوب أفريقيا كل من الجزائر وليبيا وتونس ونيجيريا وناميبيا، واعترضت عليه تشاد وليبيريا ورواندا والمغرب والكونغو الديمقراطية، مطالبة بأن يترك ذلك لتقدير اللجنة الرئاسية السداسية المنبثقة من القمة.
مواقف عربية متباينة
وبينما رحبت فلسطين والجزائر وسوريا والجامعة العربية والبرلمان العربي بقرار القمة الأفريقية، باعتباره تصحيحاً لقرار رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي الذي دافع عن موقفه، مستنداً إلى ما يمكن أن يعكس قراراه من تمكين للاتحاد من لعب دور أكبر في عملية السلام في إطار قرارات المنظمة التي تؤكد "حل الدولتين"، كشف التصويت عن انقسام عربي في شأن منح إسرائيل صفة مراقب، إذ كان المغرب الدولة العربية الوحيدة المؤيدة، بينما لم يشارك السودان الذي بدأ منذ عام بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وذلك في ظل تجميد عضوية الخرطوم لدى الاتحاد الأفريقي بعد انقلاب أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الذي أطاح الحكومة المدنية الانتقالية التي كان يقودها رئيس الوزراء المستقيل عبدالله حمدوك.
وفي أغسطس (آب) الماضي، قدمت سفارات مصر والجزائر وجزر القمر وتونس وجيبوتي وموريتانيا وليبيا، المندوبيات الدائمة لدى الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، مذكرة لرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي، تؤكد فيها اعتراضها على قرار قبول إسرائيل عضواً مراقباً في الاتحاد، وطلبت من رئيس المفوضية إدراج هذه المسألة على الجلسة اللاحقة من أعمال المجلس التنفيذي وفقاً للفقرة الخامسة من القسم الثاني من الجزء الثاني من معايير منح صفة مراقب، وأكدت سفارات الأردن والكويت وقطر واليمن وبعثة جامعة الدول العربية تضامنها مع السفارات السبع في هذه المسألة.
وخلال اجتماع لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، صدرت إدانة في سبتمبر (أيلول) الماضي بالإجماع لقرار فقي بتسلم أوراق اعتماد سفير إسرائيل لدى إثيوبيا كمراقب لدى الاتحاد.
وعلى مدار عقدين قوبلت مساعي إسرائيل إلى الانضمام للمنظمة كمراقب بالرفض، بينما تمكنت من استعادة علاقاتها مع 46 دولة أفريقية من أصل 55 دولة.
وقال فقي إن قراره منح إسرائيل عضوية الإتحاد يدخل ضمن إطار سلطته، وفق المعايير التي اعتمدتها الدول الأعضاء لمنح صفة المراقب لدى المنظمة، وأن هذه آلية لا تفرض عليه التشاور مع الدول الأعضاء، ولكن تمنحه السلطة باعتباره الممثل القانوني للمنظمة، مشدداً على أن "العنصر الأساس في اتخاذ هذا القرار هو اعتراف ما يقرب من ثلثي الدول الأعضاء بإسرائيل، بما فيها بعض الدول المعترضة على القرار، وهو الموضوع الذي لا يستطيع أن يستوعبه".
وجاء موقف الجزائر وسط أزمة قطع علاقاتها مع المغرب، التي جاءت في خضم تطبيع العلاقات بين الرباط وتل أبيب، وتوقيع اتفاق للتعاون العسكري والأمني بين الجانبين في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، الأحد السادس من فبراير (شباط) الحالي، إن بلاده "قررت ألا تتفاعل مع القرارات أحادية الجانب" التي اتخذتها الجزائر، لافتاً إلى أن "الجزائر قطعت علاقاتها مع المغرب ليس بسبب إسرائيل مثلما تدعي، بل إن هناك ست نقاط فسرت بها خطوة قطع العلاقات السياسية بمسائل عدة، منها حرب 1963 وقضية الصحراء المغربية".
ترحيب فلسطيني
وخلال مشاركته في أعمال القمة التي انطلقت السبت (5 فبراير)، دعا رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية الاتحاد الأفريقي إلى سحب صفة المراقب من إسرائيل، واصفاً منحها إياها بأنها "مكافأة غير مستحقة للانتهاكات التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين". وقال اشتية "لا ينبغي إطلاقاً مكافأة إسرائيل على انتهاكاتها ونظام الفصل العنصري الذي تفرضه على الشعب الفلسطيني".
كما رحبت حركتا فتح وحماس بالقرار، ووصفته وزارة الخارجية الفلسطينية بأنه انتصار للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب العادلة ولإرادة الشعوب الأفريقية الحرة، وخطوة أخرى على طريق الضغط على إسرائيل لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية ووقف انتهاكاتها المتواصلة والامتثال للشرعية الدولية وقراراتها، وتوجهت بالشكر للدول الأفريقية وقادتها والاتحاد الأفريقي عامة.
ودافع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي عن قراره داعياً إلى "نقاش هادئ". وأكد أن التزام الاتحاد الأفريقي بـ "البحث عن استقلال الفلسطينيين ثابت ولا يمكن إلا أن يتعزز"، غير أنه شدد في المقابل على أن منح إسرائيل صفة المراقب يمكن أن يكون "أداة في خدمة السلام".
من جهة أخرى، ذكر جهاد الحرازين القيادي بحركة فتح وأستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس لـ"اندبندنت عربية"، أنه "منذ بداية الانضمام كان هناك تحرك عربي في الاتحاد الأفريقي، وجهود دبلوماسية قادتها الجزائر ومصر وليبيا وجزر القمر وغيرها من أجل وقف قرار رئيس المفوضية وإعادة الأمر إلى اللجنة المتخصصة"، معتبراً أن موقف الدول الأفريقية يدل على "أن هناك حال صحوة وتأييد وتضامن مع الفلسطينيين، وإجماع عربي على رفض الممارسات العنصرية الإسرائيلية بغض النظر عن طبيعة العلاقة مع الجانب الإسرائيلي، وهو ما يدعو إلى تواصل الجهود لإسقاط هذا القرار نهائياً، وكشف الوجه العنصري الخداع للدولة الاسرائيلية المحتلة".
ودعا الحرازين إلى تعزيز الحضور العربي في القارة الأفريقية اقتصادياً وتجارياً في ظل استناد المواقف المؤيدة لانضمام إسرائيل للمنظمة إلى المنافع الاقتصادية والتكنولوجية التي يمكن أن تعود على الاتحاد من انضمام إسرائيل إليه، وفق ما ذكر رئيس المفوضية.
إسرائيل مستمرة في مساعي الانضمام
وأكدت إسرائيل استمرار مساعيها إلى الانضمام للمنظمة الأفريقية، وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان يوم الأحد، إن "تشكيل الاتحاد الأفريقي لجنة لدرس مسألة ضمها كعضو مراقب، هو رفض من المنظمة لمحاولات الجزائر وجنوب أفريقيا منع الانضمام الإسرائيلي". وأضاف البيان أن "الاتحاد الأفريقي رفض اليوم محاولات الجزائر وجنوب أفريقيا لإلغاء قبول إسرائيل كمراقب في المنظمة، وقرر تشكيل لجنة لمواصلة المشاورات حول هذا الموضوع".
وأكدت الوزارة أن "قبول إسرائيل في الاتحاد كمراقب فيه مصلحة للجميع، وسيمكن من زيادة التعاون بين إسرائيل والدول الأفريقية"، بينما اعتبرت الجامعة العربية أن قرار الاتحاد الأفريقي جاء استجابة لدعوتها، ووصفت القرار "بالخطوة التصحيحية".
وأوضح مصدر مسؤول في الأمانة العامة أن "قرار تجميد عضوية إسرائيل في الاتحاد الأفريقي يعد بمثابة خطوة تصحيحية تأتي اتساقاً مع المواقف التاريخية للاتحاد الأفريقي الداعمة للقضية الفلسطينية، والمناهضة للاستعمار والفصل العنصري، وكان لزاماً أن يتم اتخاذ هذا القرار الحكيم انطلاقاً من عدم مكافأة إسرائيل على ممارساتها غير القانونية بحق الشعب الفلسطيني".
بدوره، قال مندوب فلسطين الدائم لدى الجامعة العربية سابقاً السفير بركات الفرا، إن قرار الاتحاد الأفريقي يستلزم التحرك عربياً لعدم تحوله إلى مجرد تأجيل لانضمام إسرائيلي محتمل في المستقبل القريب، موضحاً أن المواقف العربية والأفريقية الداعمة للحقوق الفلسطينية أسهمت في إفشال "الإلحاح الإسرائيلي الذي استمر أكثر من 20 عاماً من أجل الانضمام إلى تلك المنظمة التي تضم أكثر من 70 عضواً مراقباً من دول وتكتلات ومنظمات إقليمية ودولية".