قابلت قوات الأمن السودانية موكبي تظاهرات "14 فبراير"، اللذين انطلقا باتجاه القصر الرئاسي في وسط الخرطوم، ومقر البرلمان في أم درمان إحدى مدن العاصمة الثلاث، للمطالبة بالحكم المدني كاملاً، في الواحدة ظهر الاثنين 14 فبراير (شباط)، بإطلاق كثيف لقنابل الغاز المسيل للدموع والمياه الملونة لتفريق الحشود، والحيلولة دون وصولهم إلى وجهتهم. ما أحدث حالات من الاختناق والكر والفر بين المتظاهرين وقوات الشرطة.
وأعلنت لجنة أطباء السودان المركزية مقتل مواطن في موكب الخرطوم المتجه نحو القصر الرئاسي، فضلاً عن إصابة عدد من المتظاهرين بإصابات متنوعة من دون حصر عددهم نتيجة العنف المفرط باستخدام الرصاص الحي والمطاطي.
وبحسب بيان للجنة أطباء السودان المركزية، فقد سقطت ضحية لم تعرف هويتها بعد، "إثر إصابة في العنق والصدر من قبل قوات السلطة الانقلابية بطلق ناري متناثر أثناء مليونية 14 فبراير المتوجهه نحو القصر الرئاسي في الخرطوم".
وأضاف "هذا القتل يدل على أن السلطة الانقلابية تواصل انتهاكاتها ضد الإنسانية بعنف مفرط وقمع دموي للمتظاهرين السلميين في أرضنا". وتابع البيان "ظل شعبنا يسيّر المواكب السلمية باستمرار ويستخدم كل أدوات المقاومة اللاعنيفة المكفولة في كل القوانين والدساتير المحلية والدولية من أجل أن يقيم دولة الحرية والديمقراطية والعدالة، إلا أنه ظل يجابه بالآلة العسكرية ما أدى إلى سقوط 80 شخصاً منذ انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) وحتى هذه اللحظة".
في غضون ذلك، قالت الشرطة السودانية، إن أحد المتظاهرين قُتل فيما أصيب 102 من رجال الشرطة بجروح خطيرة، بحسب المكتب الإعلامي للشرطة على "فيسبوك". ولم توضح الشرطة ملابسات مقتل المتظاهر، لكنها قالت إن المظاهرات شهدت "أحداثاً مؤسفة بالتعدي على المباني والمؤسسات الاستراتيجية الهامة، وقام المتظاهرون بتهشيم الواجهة الامامية لمبنى البرلمان وإضرام النيران بالقرب من محطة الوقود الملحقة بالمبنى وإلحاق الضرر بعدد من المركبات والمسجد". وأضافت، "على الرغم من ذلك تعاملت الشرطة بالقوة القانونية المعقولة".
وتعد هذه المسيرة، التي دعت إليها "تنسيقيات لجان المقاومة" تحت شعار "مليونية 14 فبراير"، ثاني مسيرات هذا الشهر الذي يتضمن أربعة مواكب حددت لها أيام 7 و14 و21 و28 من فبراير، التي اعتبرتها هذه التنسيقيات "خطوة نحو الهدف المنشود"، ألا وهو "مدنية الدولة".
ورفع المتظاهرون خلال سيرهم في هذه المواكب الأعلام الوطنية وصور القتلى الذين سقطوا في الاحتجاجات السابقة، وأطلقوا هتافات تطالب بتسليم السلطة للمدنيين بالكامل من دون مشاركة العسكريين، وذلك رداً على القرارات التي اتخذها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر، بإعلان حالة الطوارئ وتعطيل الشراكة مع المكون المدني، الأمر الذي اعتبرته قوى سياسية ومجتمعية عريضة "انقلاباً عسكرياً". وتزامنت مسيرة الخرطوم مع مسيرات أخرى انطلقت في بورتسودان ومدني وعطبرة وسنار ونيالا وكوستي.
اقتراب الحوار
وتأتي هذه التظاهرات، التي تزامنت مع مسيرات أخرى تنطلق في بقية المدن السودانية، في ظل بوادر باقتراب حوار وطني (سوداني) بين الأطراف المعنية للوصول إلى حل شامل ينهي الأزمة، التي كادت تؤدي إلى انزلاق البلاد إلى المجهول، إذ يجري رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي هذه الأيام مشاورات مع أطراف الصراع السوداني من سياسيين وعسكريين، كما تترقب الأوساط وصول المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي ديفيد ساترفيلد إلى الخرطوم خلال الساعات المقبلة، فيما أعلنت الأمم المتحدة، الأحد (13 فبراير)، انتهاء المرحلة الأولى من المشاورات السياسية التي أطلقتها في 8 يناير (كانون الثاني) الماضي، وشملت أكثر من 35 مجموعة وجهة تمثل مختلف منظمات المجتمع المدني، ومنظمات حقوق المرأة، والأحزاب والأكاديميين.
في الأثناء، عرض البرهان خلال لقائه فكي، الأحد، حلاً من 4 محاور لتجاوز بلاده الأزمة السياسية الحالية، يشمل "إطلاق عملية حوار شامل يضم كل القوى السياسية والاجتماعية بالبلاد دون استثناء، عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول، تشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة لقيادة ما تبقى من الفترة الانتقالية، إجراء تعديلات على الوثيقة الدستورية لتواكب متغيرات المشهد السياسي في البلاد، بالإضافة إلى تأكيد تنظيم انتخابات حرة ونزيهة بنهاية الفترة الانتقالية".
"اقتلاع الديكتاتوريات"
وكانت تنسيقيات لجان مقاومة ولاية الخرطوم، دعت سكان العاصمة بكل فئاتهم وشرائحهم إلى تسيير ما سمتها "مليونية سلطة الشعب" إلى مقر البرلمان في أم درمان، استمراراً للمواكب السلمية المناهضة للانقلاب العسكري، والمطالبة بالدولة المدنية الديمقراطية.
وقالت التنسيقيات في بيان، إن "مقاومة شعب السلمية ضد انقلاب الذل والمهانة تستعر، وتتخذ في أشكالها وتكتيكاتها من عظمة التجربة السودانية الطويلة في اقتلاع الديكتاتوريات وتصفيتها". وأضافت "نعود في يوم 14 فبراير في مليونية الحرية للمعتقلين، حيث قامت سلطة الانقلاب الغاشمة كعادة كل الشموليات بقيادة حملة اعتقالات طاولت شباب وشابات لجان المقاومة، وعدداً من الكيانات المجتمعية والسياسية ملفقةً لبعضهم تهم المكيدة السياسية، ظناً من هذه السلطة الزائلة لا محالة، إن تكميم الأفواه والحرمان من الحرية، التي هي حق أساسي، قد يمنع شعبنا الظافر من المواصلة في دربه نحو إسقاطهم، ولكن هيهات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكدت التنسيقيات أن المواكب في العاصمة المثلثة ستتجه نحو البرلمان في أم درمان، "نحو مركز سلطة الشعب وقراره"، في إشارة قوية لحق الشعب في الاختيار.
حراك دبلوماسي
في هذا السياق، علق الكاتب السوداني الجميل الفاضل على وقع تطورات المشهد السوداني الراهن، فرأى أن "استمرار التظاهرات والحراك الشعبي بدأ يؤتي ثماره، نظراً إلى تصريحات قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان السبت الإيجابية تجاه دور لجان المقاومة، إذ اعتبرها صاحبة الحق الأصيل في الثورة، فضلاً عن إبداء أسفه لأول مرة لسقوط ضحايا في هذه التظاهرات، إضافة إلى ما تشهده البلاد من حراك دبلوماسي وسياسي يقوده رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي مع الأطراف السودانية جميع للوصول إلى حل توافقي ينهي هذه الأزمة التي اندلعت في 25 أكتوبر بسبب تعطيل البرهان العمل بالوثيقة الدستورية". وأضاف الفاضل، "الشارع السوداني ممثلاً في هذا الحراك فرض نفسه، وتمكن في الفترة الأخيرة من إحداث تنوع في نشاطه داخل الأحياء، إلى جانب تقليص عدد المسيرات الشهرية إلى 4، مما قلل الضغط على الكثير من المواطنين الذين يعتمدون في تحصيل رزقهم على الكسب اليومي، بالتالي أصبحت الثقة في هذه اللجان متزايدة، وليست متناقصة، مما يشير إلى أن موعد الحسم لصالح الثورة أصبح قاب قوسين أو أدنى".
وتابع الكاتب السوداني، "وفق المعطيات نلاحظ أن هناك تخوفاً وعدم ثقة من قبل جبهة الحكم التي تسيطر على مقاليد ومفاصل السلطة تجاه مجريات الأحداث، وذلك بسبب الضغط الذي يمارسه عليها كل من الشارع والمجتمعين الإقليمي والدولي، فالمشهد القائم حالياً تشوبه حالة من الغليان والتفاعل المستمر، لكن يتوقع أن تحرز زيارة المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي ديفيد ساترفيلد المرتقبة، هدفاً في شباك العودة إلى الانتقال المدني الديمقراطي من خلال حوار وطني يفضي إلى صيغة جديدة مغايرة للتجربة السابقة التي لم تُراعِ جانب حفظ الحقوق والضمانات، على أن تكون الحلول مرضية للشارع ولا تتجاوز تطلعات وأحلام جيل الشباب، القائد الفعلي لهذه الثورة".
79 قتيلاً
ويشهد السودان منذ 25 أكتوبر 2021 حالة من التوتر جراء تصاعد موجة التظاهرات المتواصلة في الشارع، والتي قوبلت بعنف مفرط من قبل القوات الأمنية أدى إلى سقوط 79 قتيلاً، بحسب لجنة أطباء السودان المركزية، الأمر الذي وضع الشارع السوداني وقواه السياسية والعسكرية، أمام اختبار صعب في كيفية الخروج من هذه الأزمة التي باتت تتعقد يوماً بعد يوم في ظل تزايد دائرة العنف لحسم وقمع هذه التظاهرات باستخدام الرصاص الحي والمطاط، وقنابل الغاز المسيل للدموع، والقنابل الصوتية من ناحية، واتساع شقة الخلاف بين المكونين المدني والعسكري في التعاطي مع هذه الأزمة من ناحية أخرى.
ويعيش السودان منذ 21 أغسطس (آب) 2019، فترة انتقالية تنتهي بإجراء انتخابات في يوليو (تموز) 2023، ويتقاسم خلالها السلطة، كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت اتفاقاً مع الحكومة لإحلال السلام في جوبا عاصمة جنوب السودان، في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) 2020.