تواصل الجزائر حربها على الإرهاب الذي يبدو أنه يحاول النهوض بعد الضربات الموجعة التي تلقاها، إذ تمكنت الوحدات العسكرية من تحييد 18 إرهابياً خلال 15 يوماً، وفي ظل التطورات التي تعرفها منطقة الساحل فإن التهديدات الإرهابية تبقى قائمة وتستدعي الحيطة والحذر.
حصيلة تثير الانتباه من الساحل
وكشفت وزارة الدفاع الجزائرية عن نجاح الجيش في إلقاء القبض على تسعة إرهابيين على الحدود مع مالي، إضافة إلى سبعة آخرين في مناطق مختلفة من البلاد، فيما سلم إرهابيان نفسيهما للأجهزة الأمنية خلال الأسبوع الحالي بعدما كانا ينشطان في منطقة الساحل. وأضافت الوزارة أنه تم خلال العمليات ضبط كميات معتبرة من الذخيرة تقدر بأكثر من 1000 طلقة من مختلف العيارات، وقالت إن هذه العمليات تأتي لـ "تؤكد عزم الجيش الوطني الشعبي على مكافحة الإرهاب وكل أشكال الجريمة، وكذلك الجهود الحثيثة التي تبذلها قواتنا المسلحة في الميدان من أجل بسط الأمن والسكينة عبر كامل التراب الوطني".
ويظهر من المعطيات السابقة أن الشريط الحدودي الجنوبي للجزائر مع دول الساحل يعيش "حركية" إرهابية لافتة بسبب التطورات الحاصلة في المنطقة، لا سيما في مالي التي باتت على صفيح ساخن على مختلف المستويات، بخاصة الأمنية منها، مما يهدد بفوضى لا تبقي ولا تذر في ظل الانتشار الواسع للسلاح المهرب من ليبيا، والتحاق عناصر إرهابية بالمنطقة جراء ضعف التغطية الأمنية، وهو الوضع الذي يزداد تأزماً مع الانقلابات الحاصة وتلويح الدول الغربية وفي مقدمها فرنسا بسحب قواتها العسكرية التي كانت تحضر هناك تحت غطاء محاربة الجماعات الإرهابية.
المقاربة الأمنية غير كافية
في السياق، اعتبر أستاذ العلاقات الدولية المهتم بالشؤون الأفريقية مبروك كاهي أنه "لا يمكن القضاء على ظاهرة الإرهاب نهائياً، فأسبابها متعددة ومتداخلة، وحتى أميركا أقوى دولة في العالم لم تتمكن من القضاء عليها على الرغم من شنها حرباً كونية ضد الإرهاب، لكن الجيش الجزائري تمكن من تحييد خطر تلك الظاهرة وبات يصطادها في معاقلها، وهذا دليل على كفاءة وفطنة أفراد الجيش وقدرتهم على التعامل مع هذه الآفة الخطرة والدخيلة على المجتمع المدني". وأضاف، "تبقى المقاربة الأمنية وحدها غير كافية، إذ لا بد من استنفار الجهود المجتمعية والديبلوماسية لإعادة الاستقرار في الدول المجاورة"، مشدداً على أن "الإرهاب تخطى الظاهرة الكلاسيكية وتمكن من تشكيل دولة خاصة به في الشرق الأوسط في تحول خطر".
واعتبر كاهي أن "الوضع في دول منطقة الساحل لا يجعل ظاهرة الإرهاب تبعث من جديد في الجزائر، على اعتبار أنه تلقى ضربات جد موجعة، ولا أعتقد أنه بات يفكر في اختبار غضب الجيش الجزائري، لكن يمكن أن تصبح منطقة الساحل مكاناً لتجمع الإرهابيين، خصوصاً مع توارد أخبار حول سحب فرنسا قواتها من مالي وإنهاء عملية برخان العسكرية"، مشيراً إلى أن "التوتر في الساحل يشكل تهديداً مباشراً للجزائر، سواء على سلامة طرق التجارة والهجرة السرية والجريمة المنظمة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
جماعات وظيفية
وبيّن كاهي أن "الإرهاب في الألفية الجديدة لم يعد نفسه خلال نهاية القرن الماضي، إذ بات عبارة عن جماعات وظيفية تستخدمها قوى دولية وأخرى إقليمية لتحقيق مصالحها والمساس باستقرار الدول، والجميع يعلم بأن دولاً عدة في المنطقة وأخرى دولية لها مصالح متعارضة مع الجزائر، مما يدفعها إلى استخدام ورقة الإرهاب للضغط، ولعل تصريح حكومة باماكو بأن فرنسا تدرب الإرهابيين وتحميهم في منطقة كيدال (شمال مالي)، إضافة إلى الصفقة المشبوهة قبل ثلاث سنوات مع إطلاق أكثر من 200 إرهابي في مالي، بينهم جزائريون، واحتجاز مبلغ من العملة الصعبة يعود لفدية لدى إرهابيين في جبال جيجل أقصى الشمال الجزائري، كلها مؤشرات خطرة على استهداف مقصود للجزائر".
وختم بالقول إن "ما يحصل من نجاحات جزائرية في مجال محاربة الإرهاب إنما يعبر عن الفعالية في الأداء الواجب، في انتظار أن تتحمل باقي القطاعات مسؤولياتها".
استمرارية
ودأب الجيش الجزائري بفضل الخبرة والتجربة والاحترافية على تحقيق نتائج لافتة في مجال محاربة الإرهاب، خصوصاً بعدما واجه هذه الظاهرة خلال تسعينيات القرن الماضي، في ظل رفض المجتمع الدولي مد يد المساعدة إلى حين حدوث هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 التي غيرت نظرة العالم إلى الإرهاب.
وخلال العام 2021 تمكنت الوحدات العسكرية الجزائرية من تحييد 22 إرهابياً، بينهم تسعة تم القضاء عليهم، فيما استسلم ستة آخرون وجرى توقيف ثمانية. كما تضمنت الحصيلة أيضاً توقيف 222 عنصر دعم للجماعات الإرهابية، وكشف وتدمير 52 مخبأً للإرهابيين، وضبط 39 هاتفاً نقالاً مجهزاً بقنابل تقليدية الصنع، وتدمير ورشة لإعداد الأسلحة والمتفجرات، وكشف وتدمير 97 قنبلة تقليدية الصنع وحزام ناسف وحيد، إلى جانب حجز كميات ضخمة من الأسلحة والذخيرة.
الوضع تحت السيطرة
من جانبه، صرح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية مامون عوير أن "الإرهاب لم يعد يشكل أي خطر في الجزائر، وقد أسهمت الاستراتيجية الأمنية التي تتبعها مؤسسة الجيش في تراجع خطره بشكل كبير، خصوصاً في السنوات الأخيرة"، مضيفاً أن "استراتيجية الجيش في مجال محاربة الإرهاب جعلت الوضع تحت السيطرة".
إلا أن عوير لفت إلى أن "هناك تهديدات أمنية على الحدود، خصوصاً في منطقة الساحل، بسبب حال اللااستقرار التي تعيشها دولها وأيضاً الجارة ليبيا، مما أدى إلى إغلاق الحدود تارة ورفع تعداد القوات العسكرية تارة أخرى". وختم بأن "التهديدات الإرهابية التي تأتينا من بعض دول الجوار ستؤثر سلباً في الدولة مادياً وبشرياً".