انتهى رئيس الوزراء الليبي المكلف من البرلمان فتحي باشاغا، من تجهيز تشكيلته الوزارية، وأرسلها إلى طبرق، في انتظار الجلسة المصيرية التي سيعقدها مجلس النواب، الإثنين المقبل، 28 فبراير (شباط) للتصويت على الحكومة الجديدة، وسط تكتم شديد من الطرفين حول الأسماء التي ضمتها، على الرغم من تداول بعض التسريبات بشأنها، وتنتظر التأكيد في ساعة الحقيقة تحت قبة البرلمان.
ويترقب الشارع الليبي باهتمام كبير الجلسة البرلمانية، الأسبوع المقبل، ليس فقط للتعرف على مصير التشكيلة الوزارية التي أعدها باشاغا، بل للتحقق من المسار الذي يتجه إليه المشهد الليبي، بعد ذهابه إلى طرابلس لاستلام مقر الحكومة ومباشرة مهامه، والذي يحدده رد فعل خصومه، على رأسهم عبد الحميد الدبيبة وبعض التيارات السياسية والكيانات العسكرية المؤيدة له، التي أعلنت صراحة أنها ستمنع دخوله إلى العاصمة رئيساً لحكومة جديدة.
بموازاة ذلك، يبدو أن شهر العسل القصير بين القطبين السياسيين في الشرق والغرب، مجلسي النواب والدولة، في طريقه للنهاية، بعد تراجع الأخير عن دعمه المبدئي الخطة البرلمانية للمرحلة الانتقالية الأخيرة، وتصويته بالإجماع على رفض التعديل الدستوري الذي كان عماداً لهذه الخطة، في خطوة من المرجح أن تفاقم الانقسام السياسي الذي تعيشه البلاد حالياً.
حكومة باشاغا جاهزة
في الوقت المحدد، وقبل نهاية المهلة الممنوحة له من البرلمان، أعلن رئيس الحكومة المكلف فتحي باشاغا، الخميس، أن تشكيلة حكومته باتت جاهزة، وستتم إحالتها إلى البرلمان لنيل الثقة، وأكد المكتب الإعلامي لباشاغا، في بيان مقتضب، أنه "تم استكمال تشكيل الحكومة، وسيتم عرضها على البرلمان للمصادقة عليها"، وذكر المكتب أن "التشكيلة جاءت بعد مشاورات موسعة مع الأطراف السياسية كافة والتواصل مع مجلسي النواب والدولة، والاطلاع على العديد من المقترحات بشأن تشكيل الحكومة، وفق معايير الكفاءة والقدرة وتوسيع دائرة المشاركة الوطنية".
من جانبها، وجهت هيئة رئاسة مجلس النواب الليبي دعوة عاجلة لأعضاء البرلمان لعقد جلسة رسمية، الإثنين المقبل، في طبرق، يرجح أن يتم خلالها عرض التشكيلة الحكومية الجديدة على التصويت.
ونجح باشاغا حتى الآن في إحاطة تشكيلته الوزارية التي انتهى من تجهيزها بستار من السرية، على الرغم من أنه بات شبه مؤكد، بحسب مصادر برلمانية متطابقة، أن الحكومة الجديدة ستكون موسعة ويتراوح عدد وزرائها بين 25 و27 وزيراً، مع اعتماد منهج المحاصصة الجهوية بين أقاليم ليبيا الثلاثة، والتي تنقسم جغرافياً بين الشرق والغرب والجنوب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورجحت مصادر أخرى أن يكون مرور الحكومة تحت قبة البرلمان سلساً، بعكس ما حدث مع سلفه عبد الحميد الدبيبة عند عرض حكومته على مجلس النواب، العام الماضي، ورفض الأخير منحها الثقة في جلسات عدة بسبب ملاحظات النواب على تشكيلتها الوزارية.
ومع ذلك، فإن ميلاد هذه الحكومة، عكس سابقتها، قد يكون شرارة التصعيد السياسي والعسكري في البلاد، بعد اتساع صف المعارضين لها في الغرب الليبي وطرابلس بخاصة، الذين لوحوا باستخدام كل الوسائل لمنعها من استلام السلطة، بما فيها الخيار العسكري.
تراجع مجلس الدولة
وفي طرابلس، بدأ مجلس الدولة بقيادة خالد المشري في الرضوخ للضغوطات الكبيرة التي فرضت عليه للتراجع عن اتفاقه مع البرلمان حول الترتيبات الخاصة بالمرحلة الانتقالية والانتخابات العامة، والتي تشمل إجراء تعديل على السلطة التنفيذية، والتي وصلت حد إطلاق النار على أعضائه في جلسة للتصويت على هذه التعديلات، مساء الأربعاء، بحسب بعض القيادات في المجلس، على رأسهم الرئيس الحالي خالد المشري والسابق عبد الرحمن السويحلي الذي قال في تغريدة عبر "تويتر"، "تعرضت لإطلاق نار غادر برفقة زملائي أعضاء مجلس الدولة أثناء خروجنا من جمعية الدعوة الإسلامية، بعد منعنا من التصويت بحجة انقطاع الكهرباء عن القاعة عند بداية عملية الاقتراع"، وتابع، "أحمل رئاسة المجلس مسؤولية سلامة أعضاء مجلس الدولة، ونؤكد أن كل هذه المحاولات لن تثنينا عن الاستمرار في التعبير عن إرادة الشعب الليبي الذي يرفض الصفقات الفاسدة ويطالب بالتغيير والانتخابات".
رفض التعديل الدستوري
وبعد يوم واحد من هذه الأحداث، أعلن رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، أن مجلس الدولة صوت برفض التعديلات الدستورية الأخيرة التي أقرها البرلمان، بأغلبية 51 صوتاً، واقترح تشكيل لجنة مشتركة بين المجلسين تتولى إعداد قاعدة دستورية خلال مدة أقصاها 31 مارس (آذار) المقبل، قائلاً، إن "مجلس الدولة لديه قاعدة دستورية كاملة لبحثها مع مجلس النواب"، وأضاف المشري، في كلمة مسجلة، مساء الخميس، إن "مجلس الدولة اقترح أيضاً خلال جلسته اليوم تشكيل لجنة مع مجلس النواب للتوافق على قوانين انتخابية، بحد أقصى نهاية أبريل (نيسان)"، لافتاً إلى أن "القوانين الانتخابية جاهزة بنسبة 80 في المئة، وهو ما يعني إمكانية إنجاز هذه المهام قبل التواريخ المقترحة".
وبشأن رفض المجلس للتعديل الدستوري الـ12، اعتبر المشري أنه "يطيل الفترة الانتقالية أطول من اللازم، وتعديل السلطة التنفيذية الآن خطوة غير صحيحة وسابقة لأوانها، لأن اختيار الحكومة التي تشرف على العملية الانتخابية ينبغي أن يكون بعد التوافق على القاعدة الدستورية وقوانين الانتخابات"، ونفى المشري "الاتفاق مع مجلس النواب بشأن التصويت على تغيير السلطة التنفيذية بالشكل الذي جرى"، مؤكداً أنهم "اشترطوا عدم الذهاب إلى ذلك إلا بعد إنجاز المسار الدستوري".
بوادر انقسام جديد
الموقف الجديد الذي اتخذه مجلس الدولة، بالتراجع عن اتفاقه السابق مع مجلس النواب، أعاد التوتر للعلاقة بين الطرفين، بعد فترة قصيرة من الوفاق النادر، وعلق عليه أكثر من نائب برلماني مقللاً من قيمته القانونية وتأثيره على تنفيذ الإجراءات التي أقرها البرلمان، أخيراً.
واعتبر النائب عيسى العريبي رفض مجلس الدولة لما توافقت عليه لجنتا البرلمان والدولة في ما يتعلق بالتعديل الدستوري، أو اختيار رئيس حكومة جديدة بناء على تزكيات أكثر من 50 عضواً من المجلس الذي يقوده خالد المشري، "نقضاً لما تم الاتفاق عليه بين اللجنتين"، وشدد على أن "هذا الرفض، وإن كان لن يؤثر من الناحية القانونية على منح الثقة للحكومة في الجلسة المحددة لذلك، غير أن له آثاراً سلبية على عملية التوافق التي حصلت، أخيراً، بين المجلسين"، مشيراً إلى أن "مجلس النواب كان يأمل توسيع دائرة هذا التوافق بعد منح الثقة للحكومة ليشمل استحقاقات أخرى".
في المقابل، قال عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي، إن "ما حدث في جلسة مجلس الدولة من رفض التغيير الحكومي والتعديل الدستوري كان متوقعاً، ولن يؤثر على المسار الدستوري وإعادة تشكيل السلطة التنفيذية"، وأكد العرفي أن "تعديل الإعلان الدستوري الـ12، وتشكيل الحكومة، كان بالتشاور مع اللجنة التي شكلها المجلس الأعلى للدولة، وهو ما نص عليه الاتفاق السياسي بالتشاور"، وشدد على أن قرار مجلس الدولة لن يؤثر على عملية منح الثقة للحكومة الجديدة برئاسة فتحي باشاغا، "نحن ماضون في تنفيذ ما اتفق عليه وصوتنا عليه في المجلس، وسنعقد جلسة يومي الإثنين والثلاثاء المقبلين، لمنح الثقة لحكومة الاستقرار برئاسة فتحي باشاغا، وتؤدي اليمين الدستورية بعدها".