تعمل القوى الغربية وروسيا منذ ما يقرب من عام على إحياء الاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015، لكن الحرب في أوكرانيا تخلق شعوراً بالحاجة الملحة لإتمام المحادثات قبل أن يصبح التعاون مستحيلاً.
وتزداد المخاطر، إذ ربما يؤدي الفشل بعد عشرة أشهر من المحادثات إلى مخاطر وصول طهران إلى مسافة قصيرة من امتلاك أسلحة نووية وإشعال حرب جديدة في الشرق الأوسط. كما يمكن أن يفرض الغرب المزيد من العقوبات القاسية على إيران ويستمر الضغط المتصاعد على أسعار النفط العالمية التي تأثرت بالفعل بالصراع في أوكرانيا.
ومع تدفق القوات الروسية على أوكرانيا وقصفها، ورد القوى الغربية بفرض عقوبات مشددة، كان التناقض صارخاً خلال المحادثات في فيينا في الأيام الماضية.
كان ميخائيل أوليانوف، المفاوض الروسي المتفائل دائماً، ينشر مقاطع فيديو وصوراً على "تويتر" تظهر التنسيق المستمر مع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، في الوقت الذي يتبنى فيه وجهة نظر موسكو بشأن أوكرانيا.
وقال المسؤولون الغربيون مراراً، إنهم كانوا دائماً قادرين على عزل الملف النووي الإيراني لأن الجميع لديهم مصلحة مشتركة في تجنب أزمة كبرى تتعلق بمسألة منع الانتشار النووي.
لكن ربما يكون ذلك على وشك التغيير مع تصاعد الضغط على موسكو.
وقال مسؤول رئاسي فرنسي، "هناك فرصة جيدة لأن تلوث أزمة بهذا الحجم ليس الملف الإيراني فحسب، بل العديد من الملفات الأخرى. هذا أحد الموضوعات العديدة التي تتغير فيها العلاقة مع روسيا بشكل كبير وخطير جداً بسلوك الرئيس فلاديمير بوتين".
تجارب مريرة
ونقل موقع "نورنيوز" الإخباري عن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني قوله إن "التجاب المريرة" المتمثلة في الوعود التي أخلفتها الولايات المتحدة لم تدع لإيران سوى الدفاع عن مصالحها عبر التوصل إلى اتفاق نووي "يعتد به".
ونسب إلى شمخاني القول خلال اجتماع بين البرلمانيين الإيرانيين والمجلس الأعلى للأمن القومي، "التجارب المريرة مع إخلال واشنطن بوعودها وتخاذل الأوروبيين تجعل من الضروري أن يتصف أي اتفاق بالموثوقية والتوازن والاستدامة".
وقال مسؤول إيراني لـ "رويترز"، إنه على الرغم من التقدم في المفاوضات فإن النقطة الشائكة الرئيسة تتمثل في رغبة طهران في إسقاط قضية آثار اليورانيوم وإغلاقها للأبد.
وكان قد عثر على آثار لليورانيوم في مواقع قديمة عدة لم تعلم طهران الوكالة الدولية للطاقة الذرية بوجودها قبل توقيع الاتفاق النووي.
وقالت المصادر من دون الخوض في التفاصيل إن بعض الحلول البديلة نوقشت في المحادثات المطولة بين المفاوضين الإيرانيين والقوى الغربية.
وصباح اليوم الأربعاء نشرت المندوبة البريطانية في المحادثات ستيفاني القاق صوراً عبر "تويتر" للمبعوث الأميركي الخاص إلى إيران روبرت مالي، ومندوبين من مجموعة الثلاثة التي تضم بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وقالت "خطوات سريعة بعد ليلة طويلة".
الأوضاع ودية حتى الآن
تقول جميع الأطراف المشاركة في المحادثات، ومنها الصين، إنه تم إحراز تقدم نحو استعادة الاتفاق لكبح البرنامج النووي لطهران مقابل تخفيف العقوبات.
وانهار اتفاق عام 2015، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، في 2018 عندما سحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الولايات المتحدة منه. لكن طهران وواشنطن قالتا، إنه لا تزال هناك بعض الخلافات الكبرى التي يجب حلها.
ويقول دبلوماسيون، إن روسيا تلعب دوراً أساسياً في التوصل إلى حل وسط.
وأكد ثلاثة دبلوماسيين قريبين من المحادثات أن الأحداث في أوكرانيا سرعت الجهود الرامية لإنجاز المفاوضات هذا الأسبوع خشية أن يصبح تجاهل مثل تلك الأحداث أكثر صعوبة، وفقاً لوكالة "رويترز".
وقال هنري روم محلل الشؤون الإيرانية لدى مؤسسة "أوراسيا" الاستشارية، "كلما طال أمد المحادثات، زادت فرصة تدخل الصراع".
يقول دبلوماسيون، إن الأمور لا تزال تمضي بشكل ودي، لكن نظرة، ولو خاطفة، على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر أن المفاوض الرئيس لفرنسا انتقد روسيا مراراً كما حذر إيران من أنها تلعب بالنار.
وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية، مساء الجمعة، إنه لا يزال لدى روسيا الرغبة في استمرار التفاوض حول إحياء الاتفاق النووي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف، "نحن لا نفعل ذلك خدمة لروسيا. روسيا لا تفعل ذلك خدمة لنا. نحن نعمل من أجل هدف في هذه القضية، ويبدو أن لدينا مصلحة مشتركة في إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة".
موقف إيران
بعد توقف قصير في المحادثات بعد ما بدا أنه عرض غربي نهائي، عاد المسؤولون الإيرانيون على ما يبدو بموقف أكثر صرامة.
ويقول محللون، إن الأزمة الأوكرانية ربما شجعت إيران على المبالغة في تقدير مدى قوتها، معتقدة أن واشنطن ستكون أكثر حرصاً على تجنب أزمة ثانية، وإعادة النفط الإيراني إلى الأسواق الدولية حيث ارتفعت الأسعار فوق 100 دولار للبرميل.
وقال علي واعظ مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية لـ"رويترز": "هذا تقدير خطأ لأن الولايات المتحدة لديها قدرة كافية على التعامل مع هذه القضايا في وقت واحد، كما أن الأمر سيستغرق شهرين على الأقل حتى يصل النفط الإيراني إلى الأسواق في حالة التوصل إلى اتفاق. حتى الآن لم يمتد التوتر بشأن أوكرانيا إلى المحادثات النووية الإيرانية. لكن يكاد يكون من المستحيل الفصل بينهما لفترة أطول كثيراً".
وقال أوليانوف للصحافيين، الإثنين، إن الوضع في أوكرانيا ليس له تأثير على المحادثات، كما هون مسؤولون إيرانيون من تأثير ذلك في الوقت الحالي.
وقال مسؤول إيراني كبير من طهران، "هاتان قضيتان منفصلتان. بالطبع الوقت ينفد، ومع ما يحدث في أوكرانيا، ربما تنشغل روسيا بالأزمة، ومن ثم سيكون الغرب مسؤولاً عن فشل هذه المحادثات".
وقال مسؤول أمني إيراني في طهران، إنه حتى لو غيرت روسيا نهجها وحاولت نسف المحادثات، فإن إيران ستعطي الأولوية لمصلحتها الوطنية المتمثلة في بيع النفط والتوصل إلى اتفاق لتمكينها من ذلك، إذا تيسر. وأضاف متسائلاً، "لماذا علينا التضحية بملايين الدولارات من الدخل بسبب التحالف مع روسيا؟".
وربما تكون هناك توابع فنية في حالة إبرام اتفاق، إذ من المتوقع أن تقوم روسيا بشحن اليورانيوم المخصب الزائد من إيران، لكن العقوبات الغربية قد تؤثر على ذلك. وقال روم، من مجموعة أوراسيا، "ربما يتسبب الصراع والعقوبات أيضاً في مخاطر تتعلق بالتنفيذ تُحيط بالدور الروسي... لكن هذه القضايا يمكن التعامل معها على الأرجح".
وقد يأتي أول اختبار بخصوص ما إذا كانت أوكرانيا ستُخرج التعاون عن مساره، اليوم الأربعاء، على أقرب تقدير، عندما يأخذ بعض الأطراف استراحة من الملف الإيراني ويدخلون مواجهة في اجتماع طارئ للوكالة الدولية للطاقة الذرية لبحث أمن وسلامة محطات الطاقة النووية الأربع العاملة في أوكرانيا وغيرها من منشآت النفايات، بما في ذلك في تشيرنوبل.
وعن الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق، قال دبلوماسي أوروبي، "يجب أن يحدث هذا الأسبوع... لأننا لا نعرف متى يمكن أن يحدث تصعيد في أوكرانيا، وعندها لن نصبح حلفاء. من يدري، إذا انتقد مجلس محافظي (الوكالة الدولية للطاقة الذرية) روسيا الأربعاء، فقد يقول الروس (فليذهب اتفاق إيران إلى الجحيم)".