"الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" (اختصاراً IPCC) التابعة للأمم المتحدة، التي تعتبر المرجعية العالمية الرائدة في أزمة المناخ، نشرت الفصل الثاني من تقييمها الأكثر شمولية منذ سبع سنوات.
يعرض التقرير أوجه التهديد التي تطرحها أزمة المناخ على رفاه الإنسان و"صحة" [سلامة] كوكب الأرض، داعياً إلى اتخاذ إجراءات ترسي تحولاً عاجلاً في سبيل صون مستقبلنا.
الاثنين الماضي، نشرت الهيئة المذكورة تقريراً موجزاً يتألف من 36 صفحة. نعرض في ما يلي 10 من النتائج الرئيسة التي اشتمل عليها.
غالبية دول أوروبا ستشهد تراجعاً في الإنتاج الزراعي
يُتوقع أن تقاسي المحاصيل الزراعية انخفاضاً "كبيراً" يطاول مساحات شاسعة من أوروبا هذا القرن، وفق تقرير "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ". على الرغم من أن أجزاء من شمال أوروبا ستشهد بعض المكاسب، لن تكون الأخيرة كافية للتعويض عن التراجع العام. وفي حين يعتبر الري خياراً تكيفياً ناجعاً بالنسبة إلى الزراعة، إلا أنه سيكون محكوماً بشكل متزايد بتوافر المياه، لا سيما إذا تخطى متوسط درجة الحرارة العالمية ثلاث درجات مئوية [فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي].
أضرار الفيضانات ستتضاعف 10 مرات بحلول 2100
معلوم أن الأضرار التي تخلفها الفيضانات الساحلية تمثل "تهديداً وجودياً" بالنسبة إلى المجتمعات التي تسكن السواحل، وكذلك للتراث الثقافي الذي تكتنزه. بحسب التوقعات، سيتفاقم الضرر على مستوى العالم بمقدار 10 أضعاف على أقل تقدير بحلول 2100. ولكن، يحذر التقرير الصادر عن الهيئة من أن التقديرات المشار إليها تبقى متحفظة، مشيراً إلى احتمال حدوث ضرر أشد وطأة في حال عدم اتخاذ إجراءات إضافية للتكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره.
أفريقيا أطلقت أقل قدر من الانبعاثات ولكنها تواجه بعض أسوأ المخاطر
صحيح أن أفريقيا اندرجت بين المناطق ذات البصمة الأقل في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بيد أن الخسائر والأضرار التي لحقت بها تبدو واسعة النطاق، من بينها تناقص التنوع البيولوجي، وشح المياه، وتراجع الإنتاج الغذائي، ووقوع خسائر في الأرواح البشرية، وعرقلة النمو الاقتصادي.
جراء تغير المناخ، سجلت أفريقيا التراجع الأعلى بين المناطق كافة في معدل نمو الإنتاج الزراعي الذي بلغ 34 في المئة منذ 1961.
أكثر من ذلك، ستلحق أزمة المناخ خسائر فادحة بالنظم الأيكولوجية (البيئية) في أفريقيا. في حال تخطى ارتفاع درجة حرارة الكوكب 1.5 درجة مئوية [قياساً بمستويات ما قبل العصر الصناعي]، من الوارد أن تفقد نصف الأنواع الحية التي تتخذ من القارة موئلاً لها أكثر من 30 في المئة من أعدادها. وإذا بلغ متوسط درجة الحرارة العالمية 2 درجة مئوية [فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي]، يتهدد الانقراض 7 إلى 18 في المئة من الأنواع الحية، كذلك يتوقع أن يواجه أكثر من 90 في المئة من الشعاب المرجانية في شرق أفريقيا تدهوراً شديداً بسبب ظاهرة "التبيض" Coral Bleaching.
علماء أوكرانيون انسحبوا مكرهين من القمة المناخية بعد الغزو الروسي لبلادهم
نتيجة الغزو الروسي لبلادهم، لم يستطع العلماء الأوكرانيون الذين كانوا يشاركون في إعداد التقرير من إتمام عملهم على التفاصيل النهائية [وضع اللمسات الأخيرة]. وخلال إحاطة إعلامية أقيمت الأحد الماضي، أدلت البروفيسورة دانييلا شميدت، واحدة من فريق الباحثين الرئيسي في "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" من "جامعة بريستول"، ببيان مؤثر حول الصراع.
وقالت البروفيسورة شميت إن "الوفد الأوكراني طلب منا جميعاً متابعة العمل، معرباً عن مدى استيائه من أن موقفه هذا سيصرف الانتباه عن الأهمية التي يكتسيها التقرير" المناخي.
وأضافت البروفيسورة شميت في إشارة إلى غزو أوكرانيا أن "رئيس الوفد الروسي في الجلسة أعرب بوضوح شديد أن [الحرب على أوكرانيا] ليست رغبة الشعب الروسي كله، وأنه لم يُسأل عن رأيه" في هذه الخطوة.
في تطور متصل شهده يوم الثلاثاء، نشر علماء وصحافيون روس متخصصون بالعلوم خطاباً مفتوحاً يحتجون فيه بشدة على الهجمات على أوكرانيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"لدى كثير منا أقارب وأصدقاء وزملاء في حقل العلوم يعيشون في أوكرانيا. قاتل آباؤنا وأجدادنا وأجداد أجدادنا معاً ضد النازية"، كتب هؤلاء مشيرين إلى أن الحرب ستحول روسيا إلى دولة "منبوذة"، وأن النهوض بالبحوث العلمية لن "يكون وارداً" من دون وجود تعاون دولي.
مساء الأحد الماضي، تحدث رئيس الوفد الأوكراني في الجلسة الختامية لاجتماع "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" الذي استمر أسبوعين، فتطرق إلى الأهمية التي ينطوي عليها بناء مستقبل قادر على الصمود في وجه أزمة المناخ. في الواقع، "تغير المناخ الناتج من أنشطة الإنسان من جهة والحرب على أوكرانيا من جهة أخرى ينبعان من الجذور نفسها، ألا وهي أنواع الوقود الأحفوري، واعتمادنا عليها"، كما قال.
حرائق الغابات تتصاعد وتسبب سلسلة متتابعة من الآثار المرتدة
حرائق الغابات مسؤولة فعلاً عن ثلث الانبعاثات الكربونية التي يطلقها النظام الأيكولوجي، ولكن هذه الكميات ستواصل ارتفاعها، ما يتسبب بسلسلة متتابعة من الآثار المرتدة مع إطلاق المزيد من الكربون. في سيناريو ارتفاع متوسط درجة الحرارة 4 درجات مئوية [فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي]، ستزداد وتيرة اندلاع حرائق الغابات بنسبة 30 في المئة.
حالات الانقراض في أستراليا
يترك تغير المناخ نظماً طبيعية كثيرة في مواجهة تأثيرات كبيرة، إذ يعاني بعضها تغيراً لا رجعة فيه أو يتهدده هذا الخطر. مثلاً، انقرضت فئران "برامبل كاي ميلومي" Bramble Cay melomys، أحد الأنواع المتوطنة من الثدييات، نتيجة فقدان الموائل الناتج من ارتفاع مستوى سطح البحر وموجات المد العاصفي في مضيق "توريس"، علماً أنه جسم مائي يقع بين أستراليا وغينيا الجديدة. كذلك طرأت حوادث واسعة النطاق شملت تبيض الشعاب المرجانية وفقدان غابات عشب البحر التي تنمو في المياه المعتدلة الحرارة، وذلك كله مرده إلى ارتفاع درجة حرارة المحيطات وموجات الحرارة البحرية. وللأسف، تركت مواسم الجفاف عبئاً مالياً ونفسياً ثقيلاً على كاهل الأسر العاملة في المزارع، والمجتمعات الريفية.
انفجارات الأنهار الجليدية
في المناطق الجبلية الآسيوية، تشرح "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" كيف أن "فيضاناً ناجماً عن ثوران البحيرات الجليدية" سيتهدد أمن المجتمعات المحلية في تلك المناطق والمجتمعات التي تعيش عند المصبات. والحال أن احترار "التربة الصقيعية" وازدياد عمق ذوبان الثلوج في المناطق المأهولة بالسكان يتفاقمان جراء الأنشطة البشرية. وبحلول 2050، سيكون 69 في المئة من البنية التحتية البشرية الأساسية في عموم القارة القطبية الشمالية عرضة للخطر على الأرجح، كما يذكر التقرير.
المعلومات المضللة مشكلة رئيسة في الولايات المتحدة
على الرغم من أن مسؤولية الإنسان عن أزمة المناخ حقيقة "لا لبس فيها"، تقول "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ"، إن المعلومات المضللة وتسييس العلوم في مجال تغير المناخ قد "أوجدا حالة من التضارب في الآراء في المجالات العامة والسياسية في أميركا الشمالية". يقول الباحثون الذين نهضوا بالتقرير إن هذا الواقع قد حد من الإجراءات المتعلقة بمواجهة تغير المناخ، وسمح للمصالح الخاصة بتقويض العلم والتقليل من شأن الخطر الذي تنذر به الأزمة وطابعها الملح.
تقول "اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" إن الأفكار الخاطئة لدى الناس بشأن مخاطر تغير المناخ والتضارب في الدعم العام للإجراءات المتعلقة بالمناخ يؤخران التكيف العاجل مع تغير المناخ. علاوة على ذلك، فإن التوزيع المشتت للمسؤولية المتعلقة بالتخطيط، وإدارة الكوارث، وإجراءات التخفيف من آثار أزمة المناخ والتكيف معها، تعوق صياغة سياسات في هذا الشأن.
المدن: مشكلات وحلول
معلوم أن أكثر من نصف سكان المعمورة يقيمون في المدن، ما يجعلها هشة أمام تغير المناخ، إنما أيضاً الموطن المحتمل لتطبيق إجراءات التكيف [مع التغيرات] على نطاق واسع. موجات الحر، والجزر الحرارية في المناطق الحضرية [مناطق مدينية ترتفع فيها الحرارة أكثر من نظيرها في الأرياف جراء الأنشطة البشرية]، وهطول الأمطار الغزيرة، والعواصف، إضافة إلى التوسع الحضري المتسارع والافتقار إلى التخطيط الدقيق للمناخ، كلها تصيب بأضرارها المهمشين من سكان المدن، والبنية التحتية الرئيسة، لا سيما في المدن الساحلية.
أعربت "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" عن ثقة كبيرة [التعويل الكبير] في الجدوى الاقتصادية والبيئية لما يسمى "البنية التحتية الخضراء" [شبكة تجهيزات ومكونات تستخدم لمواجهة التحديات الحضارية والمناخية عبر الاعتماد على الطبيعة قدر الإمكان]، كذلك الإدارة المستدامة للمياه في المناطق الحضرية، التي كانت تواجه ذات يوم حواجز اجتماعية وسياسية. ولكن مع ذلك، يحذر التقرير من أنه مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، ستبرز قيود إضافية تحول دون التكيف مع التغير المناخي في مناطق من بينها مثلاً، المجتمعات الساحلية، ومجالات الأمن المائي والإنتاج الزراعي، وصحة الإنسان.
التطرق إلى الصحة العقلية والنفسية للمرة الأولى
للمرة الأولى، اضطلع التقييم السادس الصادر عن "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" بتقييم للآثار التي يخلفها تغير المناخ على الصحة العقلية والنفسية، وربطه بارتفاع درجات الحرارة والصدمات الناجمة عن الحوادث المناخية الشديدة الوطأة، وفقدان سبل العيش وضياع أثر الثقافة. وبطبيعة الحال، يبقى الأكثر تأثراً الأطفال والمراهقون والمسنون والأشخاص الذين يعانون أصلاً حالات صحية.
© The Independent