حراك دبلوماسي، هو الوصف الذي يمكن إطلاقه على ما يجري في الجزائر، سواء ما تعلق بتنقلات وزراء نحو الخارج، أو وصول مسؤولين عرب وأجانب إلى البلاد، ما فتح أبواب التساؤل حول ما يتم التحضير له جزائرياً في ظل التطورات الدولية الحاصلة.
وفي وقت ربطت فيه وزارة الخارجية الجزائرية جولة مسؤولها الأول رمطان لعمامرة، إلى الشرق الأوسط، بتحضير القمة العربية المقرر تنظيمها في بلاده، والتي سيتم الكشف عن موعدها بعد التأجيل، في اجتماع وزراء الخارجية العرب المقرر يوم 9 مارس (آذار) الحالي، جاء وصول وزير العدل عبد الرشيد طبي إلى السعودية، ثم لحق به وزير الداخلية كمال جودي ليجعل من التحرك الدبلوماسي الجزائري محط اهتمام واستفهام في آنٍ واحدٍ، بخاصة أن الرئيس عبد المجيد تبون كان قد زار مصر وقطر على رأس وفد وزاري رفيع المستوى، وقبلها التقى السفراء الجزائريون مسؤولين في عدة دول عربية.
وقبل زيارة القاهرة، كان وزير الخارجية لعمامرة، قد وصل إلى بيروت قادماً من عمان، حيث التقى العاهل الأردني عبد الله الثاني، وفي بيروت التقى الرئيس اللبناني ميشال عون، إلى جانب لقاءات مع وزيري الخارجية ومسؤولين في البلدين، حيث كانت الفرصة لبحث سبل توطيد العلاقات وتعزيز وتيرة التشاور الثنائي وتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك وتداعياتها المحتملة على المنطقة العربية، وذلك وفق ما جاء في تصريحات المسؤولين وبيانات وزارات الخارجية.
وبينما يوجد لعمامرة في الشرق الأوسط، حطّ زميله في الحكومة وزير العدل عبد الرشيد طبي في العاصمة السعودية الرياض، ثم لحق به وزير الداخلية كمال جودي، إذ وقّع الأول مذكرة التفاهم حول التعاون القضائي بين البلدين، وأكد أن زيارته تهدف إلى بحث سبل تعزيز التعاون وتبادل الخبرات، بحسب بيان لوزارة العدل.
في المقابل، ذكرت الداخلية الجزائرية أن مسؤولها، كمال بلجود، سيبحث سبل التعاون الثنائي في المجالات ذات الاهتمام المشترك، ويزور معرض الدفاع العالمي الذي تقام فعالياته في العاصمة السعودية.
غير أن مدة الزيارة التي تستمر 3 أيام، أثارت التساؤلات، حيث أبرز مصدر جزائري مطلع رفض الكشف عن هويته، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن زيارة كل من وزيري العدل والداخلية تهدف إلى الاطلاع عن قرب من التجربة السعودية في محاربة الفساد وتسليم المطلوبين. وأشار إلى أن "الجزائر تفكر في إطلاق مصالحة مع رجال المال والأعمال الفاسدين الموجودين في السجون من أجل استرجاع الأموال المنهوبة، أي تخفيف الأحكام إلى حد الإفراج مقابل إعادة الأموال".
"إنزال" دبلوماسي عربي وغربي
من جهة أخرى، تعرف الجزائر "إنزالاً" دبلوماسياً عربياً وغربياً لافتاً، حيث حل وزير الخارجية الايطالي، لويغي دي مايو، بالجزائر في زيارة وصفها بـ"اللحظة التاريخية" بالنسبة للبلدين، وعلى الرغم من أنها تأتي في إطار التطلع إلى رفع إمدادات الطاقة، في ظل الحرب الروسية - الأوكرانية، فإنها فتحت عهداً جديداً في العلاقات بين البلدين.
كما استقبل الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن، السفيرة الأميركية إليزابيث مور أوبين، التي أبرزت أن بلادها تتطلع إلى تعزيز علاقات التعاون في مختلف المجالات مع الجزائر، وأشارت إلى أن المحادثات كانت مثمرة، في حين قال بيان الحكومة إنه تم استعراض واقع وآفاق العلاقات الثنائية، وكذلك سبل ووسائل تعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلى ذلك، قالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان، إن نائبة وزير الخارجية الأميركي، ويندي شيرمان، ستزور الجزائر، الأربعاء المقبل، على رأس وفد هام، حيث ستلتقي الرئيس تبون ووزير الخارجية، وترأس الوفد الأميركي للحوار الاستراتيجي الخامس بين الولايات المتحدة والجزائر.
وتَواصَل رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز مع الرئيس الجزائري وعبّر في مكالمة هاتفية عن تطلعه إلى العمل على تطوير وتعزيز التعاون القائم مع الجزائر، وشكر الجزائر كشريك موثوق في مجال الطاقة، مقدماً تعازيه للرئيس تبون إثر وفاة طالب جزائري جراء الأحداث التي تشهدها أوكرانيا.
وفي حين يستقبل رئيس البرلمان إبراهيم بوغالي، وأيضاً وزير الخارجية، عدداً من السفراء العرب يشرع وفد عالي المستوى يضم رجال أعمال قطريين في زيارة إلى الجزائر قريباً، من أجل دراسة مشاريع شراكة مع مؤسسات جزائرية، وفق اتفاق مسؤولي الجزائر والدوحة خلال زيارة تبون إلى قطر.
محورية مسائل الطاقة
في خضم هذا التحرك الداخلي والخارجي، يقول الباحث في الدراسات الأفريقية، محمد آدم مقراني، إن التحولات الجيوسياسية الأخيرة شكّلت عامل دفع للدبلوماسية الجزائرية التي تبحث عن إعادة التموقع في سياق دولي متحول تحكمه التحديات الاقتصادية، وبخاصة في مجال الطاقة، لا سيما إثر الأزمة الروسية - الأوكرانية، مضيفاً أن تأكيد الجزائر إثر الاجتماع الأخير للدول المصدرة للغاز المنعقد بالدوحة، أنها مصدر آمن للمحروقات، جعلها موضع اهتمام من بلدان الاتحاد الأوروبي الذين يبحثون عن تنويع مصادر تزويدهم بالغاز، ما يؤكد محورية مسائل الطاقة في التحركات الدبلوماسية الأخيرة التي تشهدها الجزائر.
ويتابع مقراني أن للجزائر دوراً هاماً في البحر المتوسط بفعل الوزن الذي تكتسبه تدريجاً في الساحة الليبية، والتي ما زالت تشهد عدة صراعات وانقسامات جديدة مع تعثر تنظيم الانتخابات نهاية السنة الماضية، إضافة للعمق الأفريقي للجزائر التي انطلقت أخيراً في تعزيز تحالفاتها في القارة السمراء على المستويين السياسي والاقتصادي حتى تعود لبريقها الدبلوماسي الذي أفل نجمه في الفترة الأخيرة نتيجة أوضاع داخلية متقلبة.
إعادة بعث وإحياء الدبلوماسية
من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، مؤمن عوير، أنه منذ تولي تبون الحكم في البلاد، حاول إعادة بعث وإحياء الدبلوماسية الجزائرية التي عرفت ضعفاً وتراجعاً في العشر سنوات الأخيرة، خصوصاً مع مرض الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة. وقال، "لاحظنا عودة النشاط الدبلوماسي تجاه العديد من الدول والشركاء، خصوصاً في المجالين الاقتصادي والأمني، وتعزيز العلاقات مع الخليج التي عرفت فتوراً في السنوات السابقة"، مبرزاً أن السلطة الحالية تسعى لإعادة الدبلوماسية الجزائرية إلى الواجهة والاهتمام أكثر بالواقع الدولي.
ويعتبر عوير الزيارات الدبلوماسية الأجنبية في الجزائر أمراً طبيعياً تندرج في إطار الزيارات الرسمية المتبادلة، والنقاش المتواصل حول عديد قضايا التعاون الاقتصادي والأمني وقطاع الطاقة، خصوصاً مع إيطاليا وإسبانيا وألمانيا، موضحاً أن الزيارات الأوروبية يمكن تصنيفها في خانة جس نبض السلطة بخصوص استعدادها رفع تدفق الغاز بعد الأزمة الروسية - الأوكرانية.
في المقابل، تعتقد الباحثة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، سلمى تيوسارين، أن الجزائر تحاول إنعاش مسارها الدبلوماسي على المستويين الداخلي والخارجي، وأوضحت أنه بالنسبة لتحركات الدبلوماسية الجزائرية فهي في تزايد مستمر، وهو ما نجد أن له بعداً مهماً، حيث يبدو أن سياستها الخارجية تشق طريقها بقوة نحو الخارج وتعزز مكانتها الإقليمية والدولية من خلال هذه البعثات والتحركات الوزارية، مضيفة أن "الإنزال الدبلوماسي في الجزائر له بُعد مصلحي، إذ إن أوروبا تسعى لتعزيز المكانة الاستثمارية الاقتصادية في المنطقة وفي الجزائر بشكل خاص، التي تعد أحد أهم حلفاء روسيا".