على امتداد الجغرافيا اللبنانية، محميات ومواقع طبيعية تذكّر بهوية هذه البلاد ومكانتها في إطار الحفاظ على التنوع البيولوجي والبيئي. وبحسب نشرة لوزارة البيئة اللبنانية، فإن 18 منطقة محمية تستعد لتفتح أبوابها أمام الجميع في 10 مارس (آذار)، ضمن فعاليات اليوم الوطني للمحميات. وهي جزر النخيل في الميناء طرابلس، حرج إهدن في منطقة زغرتا، أرز تنورين في البترون، اليمونة في البقاع الشمالي، بتناعل، مشاع شننعير في جبل لبنان، أرز الشوف، وادي الحجير في الجنوب، شاطئ مدينة صور، إضافة إلى سلسلة محميات دبل ورامية وبيت ليف كفرا والعباسية والنميرية في الجنوب، أرز جاج في منطقة جبيل، كرم شباط في عكار وجبل حرمون.
تقدّم الفرق المخولة إدارة هذه المحميات مجموعة من الخدمات ضمن أنشطة السياحة البيئية للزائرين اللبنانيين والسياح الأجانب على حد سواء. وتشكل هذه المساحات ذات الطبيعة الخلابة دخلاً للقاطنين في محيطها. في المقابل، تفتقر مجموعة كبيرة من المناطق الطبيعية إلى ميزة إعلانها مناطق محمية، أو وضعها تحت إدارة لجان متخصصة.
أماكن مفتوحة للجميع
تدعو لارا سماحة، رئيسة الدائرة الإيكولوجية في وزارة البيئة اللبنانية، المواطنين إلى زيارة المحميات والمواقع الطبيعية، والحفاظ عليها. وتشير إلى وجود 18 محمية موزعة على الأراضي اللبنانية، إضافة إلى 20 موقعاً طبيعياً تحتاج إلى حماية.
تميّز سماحة بين فئات من المناطق المحمية، هناك المحميات الطبيعية التي تديرها لجان معينة بقرار من وزير البيئة، وتتمثل فيها 3 جهات هي البلديات والجمعيات البيئية والخبراء البيئيون. يعمل هؤلاء كمتطوعين، ويمكن للجنة قبول الهبات والمنح من جانب الأفراد والمؤسسات من أجل تغطية تكاليف الإدارة والحماية، وتتقاضى رسوماً رمزية. وتقول سماحة إن "اللجنة تتعاقد مع فريق حماية ميدانية، وتتكون من مدير محمية ومرشدين وحراس".
تضع اللجان خططاً خمسية، وتقدم إلى وزير البيئة لإقرارها. وتتضمن الأنشطة الترفيهية والتوعوية التي ستقوم بها، إضافة إلى التربية والمسح البيئي والسياحة البيئية.
في مقابل المحميات، هناك مواقع طبيعية محمية من وزارة البيئة، منها جبل المكمل في القرنة السوداء وغابة القموعة في عكار. وتُقرّ سماحة بأن الحماية في هذه المناطق أقل مما هي عليه في المحميات، بسبب غياب الفرق الإدارية والميدانية، ولا تحظى بهبات ومداخيل تؤهلها للقيام بأنشطة حمائية، وذلك على خلاف محمية جبل موسى التي تقوم الجمعية الراعية بمهمة إدارتها على غرار المحميات القانونية.
وتؤكد سماحة أن القموعة موقع طبيعي في غاية الأهمية، وقد تم اقتراح تحويلها إلى محمية طبيعية، إلا أن القرار لم يُتخذ بعد بسبب الخلاف على الملكية بين أهالي فنيدق وعكار العتيقة.
وتنبّه سماحة إلى أن البناء في المواقع الطبيعية يفترض تقديم الرخصة الممنوحة للمالكين إلى وزارة البيئة لوضع شروط بيئية محددة، سواء كانت الرخصة من البلدية أو التنظيم المدني. وتأسف لعدم تقيّد كثيرين بهذه الإجراءات. ولا تعلم الوزارة بالمخالفات إلا عن طريق الشكاوى.
محاكاة الخيال
الجولة ضمن المحميات الطبيعية في لبنان عبارة عن محاكاة الخيال للواقع. وإن اقتصرت على مجموعة من الأماكن المحمية، إلا أنها تعكس جمالية ممتدة على الأراضي اللبنانية كلها، ويستمر الخبراء في دراساتهم وتوثيقهم سلالاتها النباتية والحيوانية النادرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا السياق، يمكن التطرق الى جهود هيئة الحفاظ على البيئة في بشري. فقد أسهمت برفع التعديات عن الثروة الحرجية في المنطقة، وساعدت في اكتشاف مرض الأرز في غابة حدث الجبة وتوفير العلاج. وكانت لها مساهمات في إنتاج شجيرات الأرز والشوح واللزاب، إلى جانب أنشطة أخرى في مجال مكافحة التلوث والنفايات الخطيرة وحماية التربة والمياه الجوفية. ويتحدث يوسف طوق عن دور الهيئة في مجال المحافظة على البيئة وتشجيع الرياضة والفن وإحياء الفولكلور، إضافة إلى تنظيم سلسلة من مشاريع التحريج في منطقة الأرز منذ عام 1992. وتعاونت الهيئة مع خبراء بيئيين في توثيق النباتات النادرة.
من جهتها، تشير المتخصصة في الشأن البيئي ميرنا الهبر إلى الخصائص الفريدة لأعلى قمم لبنان. فمن خلال مسحها الميداني لمدة ثلاثة أعوام، في منطقة القرنة السوداء في جبل المكمل (في أعلى جبال الضنية)، عثرت على حيوانات ونباتات نادرة مستوطنة، ما يُعدّ مسوّغاً لتحويل المنطقة إلى محمية. وتذكر منها ثوم لبنان، ثوم المكمل، قلقيلة لبنان، قتاد القرنة السوداء، رملية لبنان، أوبريسية لبنان، وهذه السلالات لا بد من حمايتها والحفاظ عليها لأنها "فخر للبنانيين".
جزر النخيل أيقونة بحر الميناء
على بعد 30 كيلومتراً من شاطئ الميناء في طرابلس، تقع واحدة من أجمل الجزر في البحر المتوسط هي جزر النخيل، التي باتت الوجهة السياحية الصيفية المفضلة لعدد كبير من اللبنانيين، وتجذب السياح الأجانب، نظراً إلى ما تتمتع به من جمال ونظافة وخدمات مجانية. وتتألف المحمية من ثلاث جزر هي النخل والسنن والرامكين، وتضم مجموعة كبيرة من الحيوانات البحرية والسلاحف، إضافة إلى النباتات كحشيشة البحر والخشخاش الأصفر، وهي سلالة نادرة في مناطق شرق البحر الأبيض المتوسط.
وخلال أشهر الصيف، تشهد المحمية إقبالاً من هواة السباحة والغطس والرياضات البحرية. وتتحوّل إلى واحة للاستجمام المنخفض التكلفة.
شاطئ صور والبحر النظيف
في الجانب الآخر من الخريطة اللبنانية، يقع شاطئ صور، هذه المدينة التاريخية. ويشتهر هذا الشاطئ بنظافة رماله ونقاء مياهه، فهو وجهة فريدة لمحبّي السياحة. وفي الأعوام الماضية، بدأ هذا الشاطئ يشهد كثافة حضور من المناطق اللبنانية، نظراً إلى السمعة الجيدة التي حظي بها.
عام 1998، أعلن هذا الشاطئ محمية طبيعية تمتد على مساحة 380 هكتاراً، وتضم منظومة بيئية متكاملة ومتنوعة على مستوى النباتات والتربة والمياه والأسماك والطيور.
محمية كرم شباط حاضنة النباتات النادرة
بالانتقال نحو المناطق الحرجية، يمكن البدء من محمية كرم شباط في مرتفعات القبيات في أقصى عكار التي تأسست عام 1995. إضافة إلى كثافة أشجارها المعمرة، تتضمن المحمية التي تمتد على مساحة 520 هكتاراً آلاف الطيور والحيوانات البرية والنباتات. وتشكل حاضنة للأشجار التي تقاوم عوامل الزمن والفصول من الأرز واللزاب والشوح الكيليكي والكوكلان والعذر وخوخ الدب.
تُعتبر هذه المحمية وجهة مميزة لمحبّي رياضة المشي و"الهايكنغ" خلال فصول السنة. وهي من أكبر المحميات الطبيعية مساحة في لبنان ولا بد من المحافظة عليها.
حرج إهدن أرض الشوح
نتجه نحو جرود قضاء زغرتا، حيث محمية حرج إهدن. تقع هذه المحمية ضمن السلسلة الغربية لجبال لبنان، وتُعتبر من المحميات الذائعة الصيت، وتمتد على مساحة ألف هكتار، وتشتهر بكثافة غاباتها وبأشجار الشوح النادرة، إضافة إلى إحصاء حوالى 1058 نوعاً من النباتات المحمية.
منذ تأسيسها عام 1992، تحتضن المحمية عشرات الأنشطة البيئية والرياضية، وهي تقع على أطراف بلدة إهدن التي تُعتبر مركز الاصطياف لسكان منطقة زغرتا.
أرز تنورين رهبة الطبيعة
ليس بعيداً من زغرتا، تحتضن جرود البترون محمية غابة أرز تنورين. تبعد هذه الغابة 90 كيلومتراً من العاصمة اللبنانية بيروت، وتمتد على مساحة 620 هكتاراً. وتُعتبر من أكثر الغابات كثافةً في لبنان، إذ تشكّل أشجار الأرز المعمرة المساحة الأكبر من المحمية.
تقع هذه المحمية في منطقة جبلية وعرة، على ارتفاع يتراوح بين 1400 و1850 متراً عن سطح البحر، وتشهد الأخاديد الصخرية على صلابة أهالي المنطقة. ويمكن اعتبار هذه المنطقة امتداداً للمنطقة الجبلية بين جبل لبنان وشماله.
مشاع شننعير رئة جبل لبنان
إذا ما انتقلنا نحو منطقة كسروان الفتوح، نجد واحدة من أحدث المحميات تأسيساً في لبنان، "مشاع شننعير" تأسست عام 2010. وتقع في المنطقة المحاذية لبلدات غزير ودلبتا ومعراب وغوسطا وجونية. تضم المحمية ممرات للمشاة، إضافة إلى عدد كبير من الأشجار المعمرة والحرجية.
محمية أرز الشوف الأكبر في لبنان
عام 1996، أُنشئت أكبر محمية طبيعية في لبنان ضمن نطاق الشوف في جبل لبنان. تُعتبر محمية أرز الشوف آخر امتدادات الأرز في لبنان، وحاضنة آلاف الطيور المهاجرة التي تعبر لبنان سنوياً. وتمتد مساحتها على قرابة 160 كيلومتراً مربعاً من الأراضي الحرجية، وتمتاز بأنها تضم ثلث غابات الأرز المتبقية في لبنان.
تشمل هذه المحمية ثلاث غابات، هي: غابة أرز عين زحلتا - بمهريه، غابة أرز الباروك وغابة أرز معاصر الشوف. عام 2005، صنفتها منظمة "أونيسكو" إضافة إلى 22 قرية محيطة بها "محمية محيط حيوي"، إذ تغطي مساحة 500 كيلومتر مربع.
محمية جبل حرمون امتداد جبل الشيخ
عام 2018، أُعلنت محمية جبل حرمون الطبيعية، وتقع ضمن سلسلة جبال لبنان الشرقية، فيما تقع غالبية المناطق المحمية في البلاد ضمن سلسلة جبال لبنان الغربية الرطبة. ويعرف جبل حرمون بجبل الشيخ الذي تغطيه الثلوج في معظم أشهر السنة. ويعتبر الجبل من المناطق الغنية بخزانات المياه الجوفية، إضافة إلى أشجار السنديان والملول المعمرة وأشجار الزعرور واللوز البري وخوخ الدب والإيجاص البري، وهي من الأشجار النادرة في لبنان. ويعتبر حاضنة لعدد كبير من النباتات البرية والحيوانات المهددة بالانقراض كالذئاب والضباع والهررة البرية، إلى جانب كونه ممراً للطيور المهاجرة كالعقاب والباشق واللقلق الأسود والبجع الأبيض وعشرات أنواع الطيور الصغيرة.