يقول الخبراء الاستراتيجيون الذين يفهمون مثل هذه المسائل، إن أفضل طريقة للتنبؤ بأنواع الأسلحة التي يوشك الروس أن يستعملوها تتمثل في معرفة ما يتهمون أعداءهم بفعله، هذا هو "كتاب قواعد اللعب" الروسي، كما يشار إليه حالياً في الغرب، وهو مصدر الخوف من احتمال أن يكون الروس على وشك إطلاق العنان لهجمات بالأسلحة الكيماوية، أو بأسلحة مماثلة غير تقليدية محظورة أيضاً، ضد القوات والمدنيين في أوكرانيا.
يدعي الروس بكل تأكيد وبشكل صريح أن الأوكرانيين أو الأميركيين كانوا يطورون فقط، أو يطورون ويخزنون، أسلحة كيماوية وبيولوجية من نوع غازات الأعصاب. ومن شأن هذا الادعاء الذي نفته السلطات الغربية والأوكرانية، أن يخدم غايتين، إذ يبرر استخدام أسلحة من هذا النوع من أجل الانتقام والحماية المفترضة (وهو تبرير زائف على أي حال) ، كما يفسر سبب وجود مواد من هذا النوع في المنطقة.
ويشير المراقبون أيضاً إلى استخدام الأسلحة الكيماوية في مناسبات أخيرة تم تحميل المسؤولية عنه لروسيا أو لأولئك المرتبطين بها. استعمل نوفيتشوك، على سبيل المثال ضد اثنين من آل سكريبال [ضابط الاستخبارات الروسية السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا] على التراب البريطاني، وكذلك ضد أليكسي نافالني، وهو زعيم المعارضة الروسية، وآخرين. ودأب الكرملين دائماً على إصدار نفي لأي علاقة له [بتلك الهجمات]. ومن المعتقد أنها قد استعملت كسلاح حربي من قبل نظام بشار الأسد في سوريا الذي كان الروس متحالفين معه. وكانت هناك تقديرات بأن العديد من الهجمات قد شنت بين عامي 2012 و2019، ولم تحظَ من الغرب سوى بأدنى رد ممكن، أو بعدم الرد نهائياً، ما عدا العقوبات والضربات الجوية العرضية على القوات الحكومية السورية (التي تم التخطيط لها بعناية من أجل تجنب إيقاع خسائر بشرية في صفوف الروس).
وأوضح حلف شمال الأطلسي (ناتو) وآخرون أن الروس قد استعملوا في أوكرانيا القنابل العنقودية التي تحظرها معظم الدول، وقصفوا مستشفيات كما استهدفوا منشآت طاقة نووية هناك، ما يوحي بعدم وجود وازع لديهم وبأنهم باتوا يبذلون جهوداً يائسة للتغلب على المقاومة الأوكرانية القوية. ولم يقابل أي من هذه الأعمال بأكثر من الكلمات، وبإرسال بعض الشحنات الإضافية من الأسلحة الدفاعية (كالمدافع المضادة للدبابات على سبيل المثال) إلى أوكرانيا، وبمجموعة أخرى من العقوبات. يبدو الغرب موحداً أكثر في هذه الأيام، غير أن ضعف الإرادة الطويل الأمد الذي يعانيه ما زال مستمراً.
وبالفعل، يمكن القول إن إخفاق الرئيس أوباما في القيام بالكثير لمعاقبة السوريين والروس في أعقاب إعلانه أن الحرب الكيماوية كانت "خطاً أحمر" بالنسبة إليه، كان السبب الذي جعل فلاديمير بوتين أكثر جرأة في تهديداته باستعمال أسلحة من هذا النوع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كان ذلك حدثاً محزناً ومؤثراً. تهجم الغرب على النظام السوري في أغسطس (آب) 2013 بسبب شن هجوم كيماوي على منطقة قريبة من دمشق، ذكرت الولايات المتحدة أنه أوقع نحو 1400 قتيلاً، بمن فيهم 426 طفلاً. وللرد على ذلك، تعهد تحالف مؤلف من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا بشن غارات جوية على سوريا. إلا أن مجلس العموم البريطاني رفض دعم ديفيد كاميرون والمصادقة على هذه الضربات، وكان حزب العمال المعارض عقبة أساسية [في وجه إقرارها]. ونظراً لخشيته من تنفير مجلس الكونغرس، تراجع الرئيس أوباما أيضاً، ثم حذا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند حذوه. ووصف هولاند، وهو رئيس اشتراكي، ذلك بأنه كان "فرصة ضائعة كان من الممكن أن تغير مجرى الحرب". هكذا تعلم بوتين، بحسب ما يفيد الجدل الدائر، بأن بوسعه، ولا سيما بوصفه يملك قوة نووية، أن يستعمل الأسلحة الكيماوية من دون رادع، وبأن بمقدوره فعلاً أن يتدخل ويضم أراضي من دول مجاورة (شبه جزيرة القرم) ويفلت بشكل مشابه من أي عقوبة جدية.
تعد الحرب الكيماوية، أو حتى احتمال شنها، عاملاً مؤثراً للغاية في إضعاف معنويات السكان وترهيبهم. ليس من الواضح ما إذا كان الأوكرانيون يستطيعون الوصول إلى أقنعة واقية من الغاز. وقد يمكن ردع بوتين عن استعمال أسلحة من هذا النوع إذا هدد حلف "الناتو" باتخاذ إجراءات فعلية مباشرة للدفاع عن الحياة البشرية في أوكرانيا، بيد أن التصريحات الغربية في الموضوع كانت في أحسن الأحوال ملتبسة. ولم يترك بوريس جونسون في آخر مقابلاته مع بيث ريجبي على شاشة "سكاي نيوز" مجالاً للشك في ذهن أي شخص، بمن فيهم أولئك الموجودون في الكرملين، بأن أسوأ ما يمكن أن تواجهه روسيا في المقابل كان "الحرب الاقتصادية". قال رئيس الوزراء: "ينبغي لنا ألا نستبعد أي شيء. ويجب ألا يكون لديه شك بشأن نوايانا".
لكن، ليس ذلك القدر من الشك. وأضاف قائلاً: "سأقترح أن يوقف الاتحاد الأوروبي على الفور كل مشترياته من النفط والغاز من روسيا. أعتقد أنه يتوجب علينا أن نتابع التطورات عن كثب وإذا واصلت روسيا استهداف المدنيين كما رأينا، فإنني سأعتبر ذلك بمرتبة تجاوز خط أحمر".
وعندما سُئل ما إذا كان هذا سيؤدي إلى عمل عسكري، قال جونسون: "علينا بطبيعة الحال أن نفكر بذلك بشكل دقيق لأن منطقة حظر للطيران قد تضر أكثر مما ستنفع من خلال التوسع إلى ما وراء حدود أوكرانيا. إن الخيار المفضل لديّ هو إعلان حرب اقتصادية شاملة ضد روسيا. يمكننا أن نتعامل مع الأمر اقتصادياً، وسيكون ذلك صعباً، بيد أن الثمن سيكون منخفضاً جداً وثمناً بسيطاً بالمقارنة مع ضياع الحرية إذا لم نشأ أن نبادر إلى العمل الآن".
ولعل هناك خطوطاً حمراء على طريقة أوباما، سيرسمها الغرب في الأيام المقبلة، غير أن هذه الخطوط ستبدو حقاً أشبه بأضواء خضراء. ستكون تهديدات حلف "الناتو" سياسية واقتصادية، الأمر الذي يعني أنها ستسغرق بعض الوقت حتى تبدأ بالتأثير في روسيا. وبحلول تلك المرحلة، سيكون الأوان قد فات.
© The Independent