صدرت تصريحات عدة في الآونة الأخيرة عن سياسيين عراقيين، بشأن دخول العراق كوسيط لتهدئة الأجواء المشحونة بين الولايات المتحدة التي تعدّ بمثابة حليف استراتيجي لبغداد، وإيران، التي اتخذت منها معظم "الأحزاب الشيعية" العراقية التي تتشارك حكم البلاد اليوم، مقراً لها لسنوات طويلة قبل سقوط نظام صدام حسين.
"الحياد الصعب"
ويُعرَف أن أهم السمات التي يجب أن يتمتع بها الوسيط السياسي هي الحياد، إذ إن حياد الوسيط الدولي وعدم انحيازه إلى أي طرف من أطراف الصراع يجعل من وساطته أكثر تأثيراً، لكن في حالة العراق يبدو الأمر مختلفاً تماماً، فالولايات المتحدة هي حليف استراتيجي، تربطها ببغداد علاقة وطيدة منذ عام 2003، حين أقدمت على إسقاط نظام صدام حسين وتسليم السلطة للأحزاب الحاكمة حالياً. كما يربط واشنطن اتفاق أمني مع العراق، وتدخلت مراراً لمساعدته في طرد الإرهاب في السنوات الأخيرة، كان آخرها دعمها اللوجستي للجيش العراقي في معاركه الأخيرة ضد تنظيم "داعش" المتشدد.
على الجانب الآخر، تمثل إيران "موطناً" لمعظم الأحزاب الإسلامية العراقية التي استقرت فيها لسنوات طويلة قبل سقوط نظام صدام، حتى أن بعضها تأسس في طهران، مثل "المجلس الأعلى الإسلامي" و"قوات بدر" التي كانت تمثل الجناح العسكري للمجلس قبل انفصالها. لذلك فإن قسماً كبيراً من الطبقة السياسية المشكِّلة للحكومة العراقية مدينة لإيران وبعضها موالٍ لها تماماً. كما توجد عشرات الفصائل المسلحة العراقية المدعومة من طهران والتي تتبع المرشد الإيراني علي خامنئي ومنها "عصائب أهل الحق". وترى هذه الفصائل أن المساس بإيران من قِبل الولايات المتحدة يُعدّ مساساً بمصالحها العليا بشكل مباشر.
ويؤكد أحد المراقبين الأمنيين لـ"اندبندنت عربية"، أنه عند اندلاع أي مواجهة بين الولايات المتحدة وإيران ستدخل هذه الفصائل كطرف في الصراع حتى لو أعلنت الحكومة العراقية رسمياً حيادها، لأن هذه الفصائل تعمل خارج إطار الحكومة. ويبرر هذا المراقب رأيه بأن بوادر التصادم ظهرت فعلاً بين قيس الخزعلي زعيم "عصائب أهل الحق" والرئيس الأميركي دونالد ترمب، لدى زيارة الأخير قاعدة "عين الأسد" قبل أشهر، حينما هدد الأول الرئيس الأميركي بشكل صريح عبر وسائل الإعلام.
"الجيش لأميركا والفصائل لإيران"
في المقابل، لم يكن هناك وجود علني في العراق للفصائل المسلحة القريبة من إيران، عدا الفصائل المسلحة التابعة للأحزاب التي كانت تعمل في طهران. لكن بعد انسحاب القوات الأميركية بدأت تلك الفصائل تظهر بشكل ملحوظ، وساهمت دعوة المرجع الشيعي السيد علي السيستاني إلى تشكيل حشد شعبي لمواجهة "داعش"، في ظهورها العلني، إذ استثمرت تلك الفصائل دعوة السيستاني لتعزيز تسليحها وزيادة عديدها. ثم عملت ضمن قوات "الحشد الشعبي" على قتال "داعش"، واتسمت بعملها الفردي وابتعادها عن التنسيق مع الجيش العراقي في عمليات تحرير المدن، على النقيض من بقية أطراف "الحشد" التي كانت تعمل بشكل متوازٍ مع القوات الأمنية العراقية.
وكان المبرر الذي تقدمه تلك الفصائل عن عدم تعاونها مع الجيش هي أن مرجعيتها تختلف عن بقية الأطراف، فهي تتبع المرشد الإيراني علي خامنئي ولا علاقة لها بالقوات الأمنية العراقية وحكومتها أو بالمرجعيات العراقية. وبذلك برز إلى العلن أن الجيش العراقي يتعامل مع الخبراء الأميركيين ويعمل كقوة تابعة للحكومة فيما تعمل التنظيمات المسلحة التابعة لإيران بشكل مستقل.
طرفا الصراع
حين أعلن الرئيس الأميركي منذ بضعة أشهر أن القوات الأميركية المنسحبة من سوريا ستبقى في العراق لمراقبة إيران، صدرت تصريحات مستنكرة من قادة الفصائل المقربة من إيران ومن جهات في الحكومة العراقية، حتى أن السيستاني قال لبعثة تابعة للأمم المتحدة حينها في النجف، إن "العراق لن يكون منطلقاً للاعتداء على دول الجوار". كما أحرجت تصريحات ترمب آنذاك الحكومة العراقية التي تربطها علاقة جيدة بطرفي الصراع.
ويتفق متابعو الشأن العراقي على حساسية موقف بغداد وإمكان دخولها كطرف في الصراع. كما يتفقون على أن انحياز العراق لأي طرف من أطراف الصراع سيكبده الكثير. وصرح عامر الفياض عميد كلية العلوم السياسية في "جامعة النهرين" في بغداد أنه "حتى في حال صعوبة الدخول كوسيط ينبغي أن يكون موقف العراق الرسمي هو الحياد انطلاقاً من العلاقات المتوازنة مع الولايات المتحدة وإيران". ورأى أن "العراق سيكون ساحة تصادم في حال اندلاع الحرب، وإذا كان لا يستطيع لعب دور الوسيط بين الطرفين فعليه أن يعلن موقفه المحايد، لأن أي حرب بين الولايات المتحدة وإيران ستجري على الساحة العراقية وليس على الأراضي الإيرانية كما يتوقع البعض".
وعن إمكان تغيير الرئيس الأميركي موقفه من إيران، صرح الفياض أن "ترمب رجل اقتصاد وليس رجل حرب ومهمته الأساسية هي امتصاص أموال الدول، ومَن يدفع يسلم، لذا لا نستبعد أن يأخذ زعماء إيران بالأحضان بعد أن يدفعوا ما يتوجب عليهم".