فيما كان يترقب ملايين اليمنيين المعذبين بالحرب ما ستنبثق عنه المشاورات "اليمنية - اليمنية" التي تشهدها أروقة الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي بمقره في العاصمة السعودية الرياض، للتوصل لإيجاد صيغة سياسية جديدة تمنع اللجوء للعنف وتُعلي قيمة التعايش في بلد كبير بمساحته، ومحدود بخيارات التعايش بين أبنائه، فإن الحوثيين قابلوا دعوات تحكيم لغة الحوار بخيار التصعيد المسلح.
وعلى مدى اليومين الماضيين، حرصت الميليشيات المدعومة من إيران على إيصال رسائل عدة توحي بأنها لا تفكر في خيارات السلام ووضع نهاية للحرب المأساوية التي أنهكت معظم السكان في البلد الفقير عبرت عنه في بيانات وأحاديث قيادتها وإعلامها التي علتها لغة أكثر حدية عند الحديث عن السلام.
مأرب بدلاً عن طاولة الحوار
وإزاء تكرار دعوات المشاركة في مؤتمر المشاورات، سواء من أمانة مجلس التعاون، أو من المجتمع الدولي، ردت الجماعة المتشددة على تلك الدعوات بمزيد من التصعيد المسلح، وتحديداً نحو التخوم الجنوبية، والجنوبية الشرقية لمحافظة مأرب (شرق البلاد) الغنية بالنفط، فضلاً عن تصعيدها الأخير خلال الأيام الماضية من خلال هجماتها المتكررة التي تستهدف الأعيان المدنية والمنشآت النفطية في السعودية.
كما أعلنوا أمس انتهاء الهدنة العسكرية التي سبق وأعلنت عنها يوم السبت الماضي من جانب واحد والمحددة بثلاثة أيام، دون الإعلان عن تمديدها، في إشارة لعزمها استئناف عملياتها العسكرية مستغلة قرار التحالف بوقف عملياته العسكرية في اليمن الذي دخل حيز التنفيذ فجر الأربعاء الماضي.
الإعلان عن هدنة لشهرين
وفي تطور لافت، أعلنت الأمم المتحدة، اليوم، الجمعة أن "القوات الموالية للحكومة اليمنية المدعومة من تحالف عسكري تقوده السعودية والمتمردين الحوثيين، توافقوا على هدنة لمدة شهرين في اليمن تبدأ السبت مع احتمال تجديدها".
وقال المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ في بيان إن "أطراف النِّزاع تجاوبوا بإيجابية مع مقترح للأمم المتحدة لإعلان هدنة مدتها شهران تدخل حيِّز التنفيذ غداً (السبت) الثاني من نيسان (أبريل) في الساعة السابعة مساءً بتوقيت اليمن"، مضيفًا أن "الهدنة قابلة للتجديد بعد مدة الشهرين بموافقة الأطراف".
من جهتها، رحبت الحكومة اليمنية بالقرار، وقالت "إنها تدعم وقف إطلاق النار"، الذي اقترحته الأمم المتحدة والذي من شأنه أيضا أن يخفف القيود البحرية والجوية المفروضة على المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي للمساعدة في تخفيف أزمة إنسانية حادة.
هجوم متجدد
وفيما كان الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربي يناشد قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن وكافة الأطراف بإيقاف العمليات العسكرية في الداخل لتهيئة الأجواء أمام مشاورات الرياض، ويقابله التحالف بالاستجابة، لم تمضِ سوى ساعات على تلك الدعوة ليعلن موقع الجيش اليمني عن صده هجوماً كبيراً لميليشيات الحوثي بمديرية الجوبة جنوب مأرب (شرقي البلاد) وهجوم مماثل في محافظة حجة (شمال غرب)، وهو ما اعتبره مراقبون استغلالاً واضحاً للهدنة العسكرية التي أعلنها التحالف العربي.
أتبع الحوثيون هجومهم العنيف نحو مواقع الجيش في مأرب وحجة ببيان أعلنوا خلاله انتهاء هدنة أعلنوا سريانها الأحد الماضي، واستمرت 3 أيام، وبثت بياناً جديداً لإعلان الحرب في تصعيد يعكس موقفها من الهدنة الرمضانية التي دعا لها المبعوث الأممي لليمن وانشغال الشرعية والتحالف بإنجاح المشاورات الجارية في الرياض.
وفي بيانها، برزت لغة جديدة أكثر حدية، إذ رفعت سقف مطالبها المعتادة التي تتلخص كما جرت العادة في فتح المنافذ البرية والجوية بقولها إنه "لا سلام دون تنفيذ اشتراطها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب مواقع تابعة للجيش اليمني، فقد شنت ميليشيات الحوثي مساء الأربعاء هجوماً استهدف مواقع عسكرية مختلفة للجيش في محافظة حجة المطلة على البحر الأحمر دارت إثرها معارك ليلية دامية شهدتها أطراف مناطق "بني حسن" التابعة لمديرية عبس الساحلية غرب المحافظة، لكن الجيش اليمني "نجح في كسر هجوم ميليشيات الحوثي وكبدتها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، موضحاً أن الانقلابيين ما زالوا يدفعون بتعزيزات عسكرية ومن المتوقع أن تشتد المعارك الساعات المقبلة".
حشد لاجتياح مأرب
وعلى الأطراف الجنوبية، والجنوبية الشرقية لمحافظة مأرب، التي تُعد أهم محافظة يمنية بالنسبة للشرعية، استبق الحوثيون إعلان تحالف دعم الشرعية بدفع المئات من عناصرهم مزودين بتعزيزات كبيرة من العربات والآليات القتالية إلى الخطوط الأمامية في تلك الجبهات في محاولة مستميتة متجددة للسيطرة على المحافظة الغنية بالنفط. في مسعى لاستغلال غياب الغطاء الجوي للتحالف العربي، والذي كان له تأثير كبير في منع تقدم الجماعة الموالية لإيران نحو مزيد من المناطق اليمنية، ومنها مأرب التي تضم مقر وزارة الدفاع اليمنية ومطار صافر ويقع بالقرب منها منفذ الوديعة البري مع السعودية وشركة صافر الوطنية للنفط، وغيرها.
وقال موقع وزارة الدفاع، إن قوات الجيش والمقاومة القبلية تمكنت من صد عدة هجمات متزامنة في أكثر من محور شنتها ميليشيات الحوثي الانقلابية على المحورين الرملي والجبلي شرق وغرب جبل البلق.
العرادة غياب مسبب
وكانت مصاد إعلامية متطابقة قد ذكرت أن قيادة الجيش اليمني وسلطات مأرب وصلت إليها معلومات كافية عن عزم ميليشيات الحوثي تكثيف هجماتها بشكل غير مسبوق على المدينة الاستراتجية والحيوية. وهو ما يفسر اعتذار محافظ مأرب، اللواء سلطان بن علي العرادة عن المشاركة في مشاورات الرياض خشية ترك فراغ قد يكلف "قلعة الجمهورية" الكثير، وفقاً لتعبير سابق للعرادة في وصف محافظته.
آليات ضغط دولية
إلى ذلك، قال رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك، إن شروط السلام في اليمن ليست معقدة، وإنما تتطلب امتثال الحوثيين للقرارات الدولية والإرادة الشعبية، وهو ما يتطلب مزيداً من الضغوط الدولية المؤثرة، بخاصة على داعمي هذه الميليشيات في إيران.
وطالب عبد الملك لدى لقائه المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينج، والقائمة بأعمال السفارة الأميركية لدى اليمن كاثي ويستلي، واشنطن بإعادة تصنيف ميليشيات الحوثي في قائمة الإرهاب الأميركية.
وأشار إلى أهمية الانتقال إلى آليات ضغط دولية أكثر فاعلية، ومواجهة التدخل الإيراني في اليمن ومشروعها المهدد لأمن واستقرار المنطقة والملاحة الدولية والاقتصاد العالمي.
والأربعاء، انطلقت مشاورات السلام اليمنية في مقر مجلس التعاون الخليجي وبرعايته في العاصمة السعودية الرياض التي اختتمت أمس الخميس يومها الثاني تحت عنوان "تقييم الوضع الراهن" على أن تستمر الأحد وحتى الـ7 من شعر أبريل (نيسان) الجاري.
وفي هذا الإطار، يعمل المشاركون في المشاورات على تقييم المشهد اليمني من خلال 6 محاور: تقييم الوضع السياسي الذي تناقش فيه النخب اليمنية المسؤولين السياسيين في الحكومة، إضافة إلى الوضع الاقتصادي والتنموي مع مسؤولي الحقائب ذات الاختصاص، والوضع الأمني ومكافحة الإرهاب، والمحور الإغاثي والإنساني، والمحور الاجتماعي، وأخيراً الإعلامي، بحضور جميع الأطراف اليمنية، باستثناء ميليشيات الحوثي، على الرغم من الإجماع الدولي والإقليمي على ضرورة الجلوس إلى طاولة المفاوضات لوقف نزيف الدم اليمني في الحرب التي دخلت عامها الثامن.
عرض في وضح الحرب
وعلى غير العادة، وفقاً لما تقتضيه محاذير الحرب، نظم الحوثيون الخميس، عرضاً عسكرياً كبيراً في العاصمة صنعاء استغلالاً للهدنة التي أعلنها التحالف العربي الداعم للشرعية.
وقالت وسائل إعلام حوثية، إنهم احتفوا بتخرج دفعة "قادمون بجحافل جيشنا" من طلاب الكليات العسكرية الحربية، البحرية، الطيران والدفاع الجوي في رسالة تكشف عن عزم الجماعة نحو استمرار الخيار المسلح وانتهاج القوة سبيلاً لفرض مشروعها السياسي والفكري.
وحضر العروض العسكرية، التي أقيمت بميدان السبعين بصنعاء، قيادات حوثية عليا، بينهم عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي ووزير دفاع الجماعة محمد العاطفي والقيادي "عبد الكريم الغمري" وعشرات آخرون.