تتضارب تصريحات القيادات العليا لطرفَي القتال جنوب العاصمة طرابلس فيما تسيطر المراوحة العسكرية على محاور القتال منذ قرابة الشهر، من دون أن تتكشف أسباب الجمود الميداني للمعركة. "اندبندنت عربية" رصدت أن أصوات الانفجارات والأسلحة لم تعد تسمع بشكل واضح من قلب العاصمة كالسابق، ما يشير إلى تراجع نسبي في مواقع قوات الجيش الوطني، ويتركز القتال تحديداً على بوابة المطار القديم في محور طريق المطار، حيث فشلت قوات حكومة الوفاق في السيطرة على الموقع أكثر من مرة. ويمثل محور طريق المطار أهمية إستراتيجية بالنسبة إلى الطرفين، فهو الأسهل للوصول إلى قلب العاصمة، بالنسبة إلى قوات "الجيش الوطني"، بينما تعتبره حكومة الوفاق الموقع الأفضل للالتفاف على قوات الجيش في قصر بن غشير حيث تنتشر أغلب المقرات العسكرية المهمة جنوب العاصمة.
قوات الحكومة
أما في المحاور الأخرى فمنطقة السواني العزيزية، جنوب غربي العاصمة، في يد قوات الحكومة في أغلب الأوقات، وتسيطر القوتان على مناطق قصر بن غشير، ووادي الربيع، وعين زاره مناصفة، بينما تمكنت قوات الجيش من السيطرة على منطقة الرملة جنوب المطار، ما جعل من المطار ساحة كرّ وفرّ بين القوتين من دون أن يسيطر عليه أي منهما. وأكد مدير إدارة التوجيه المعنوي بالقيادة العامة للجيش الوطني، العميد خالد المحجوب، خلال تصريحات صحافية، أن معركة طرابلس في نهايتها، معلناً أن "قوات الجيش دمّرت القدرات اللوجستية للعصابات المسلحة" في إشارة إلى قوات الحكومة، ويضيف اللواء فوزي المنصوري، آمر محور عين زاره جنوب شرقي طرابلس، إن قوات الحكومة "بدأت في التراجع وبناء سواتر ترابية عالية للتغطية على انسحابها"، من دون أن يحدد موقع هذه الانسحابات أو يدلي بأي تفاصيل أخرى لـ "اندبندنت عربية"، بحجة أنها "أسرار الميدان والمعركة".
قوات حكومة الوفاق
ينفي المتحدث باسم قوات حكومة الوفاق، مصطفى المجعي من جانبه، حديث المنصوري، قائلاً في حديث إلى "اندبندنت عربية" إن "دفاعاتنا قوية ولم تنهَرْ وما يصرح به قادة القوات الغازية تبرير لفشلهم في التقدم داخل العاصمة طيلة شهرين"، لكنه يعترف بأن التراجع جاء فقط عند محور قصر بن غشير، ويصفه بــ "تراجع نسبي لظروف المعركة". فشلُ طرفيّ القتال في حسم المعركة لا تخفيه مصادر مطلعة في كواليس قيادات الطرفين، ففيما تدخّلت الحكومة لحجز شحنتَي سلاح كانتا قد وصلتا عبر ميناء مصراته، (200 كم شرق العاصمة)، الشهر الماضي، بسبب اندلاع خلافات حادة بين قادة محاور القتال، مقابل سلسلة تغييرات تجريها القيادة العامة للجيش في صفوف قادة وحداتها العسكرية وتوزيعاً جديداً لانتشارها في مناطق جديدة خلفية بعيدة من مواقع القتال جنوب العاصمة. ويقول مصدران متطابقان من جانب قوات حكومة الوفاق إن كتائب مصراته ترى الأحقية في حصولها على أكبر نصيب من المدرعات التي وصلت إلى ميناء المدينة، كون أحد قادتها، والذي يتولى منصباً وزارياً بارزاً، كان الواسطة مع دولتَي تركيا وإيران، ويعمل حالياً على جلب أسلحة بوساطة إيرانية من أحد مصانع بلغاريا، ما جعل مكوّنات أخرى لقوات الحكومة تهدّد بالانسحاب وترك مواقعها "إذا لم تُقسم بالتساوي"، ومنهم آمر ميليشيا أبوسليم "عبد الغني الكللي"، الذي يتولى قيادة محور مهم جنوب العاصمة، ولوَّح بترك موقعه في منطقة الخلاطات وطريق المطار، ثم انضم إليه قائد ميليشيا ثوار طرابلس "هيثم التاجوري"، و"بشير خلف الله" قائد ميليشيا تاجوراء، ويتولى كلاهما محاور مهمة شرق العاصمة.
حجز أسلحة جديدة
المصدران اللذان تطابقت شهادتهما بأن الحكومة حجزت الأسلحة الجديدة، من مدرّعات تركية وبنادق قنّاصة حديثة، وصواريخ مستنسخة من صواريخ صينية طُوّرت في إيران. يرجحان وجود هذه الأسلحة في مقرات خارج العاصمة، وتحديداً في مقر مصنع اللدائن بالقربولي المحاذية لطرابلس، إضافة إلى مقر تابع لـ"كتيبة الضمان" بتاجوارء سبق أن استهدفه طيران قوات الجيش الوطني من دون أن يدمره. في المقابل تعاني قوات الجيش من عدم التنسيق في العمليات القتالية ما أضعف بعض النقاط على طول خطوط القتال جنوب العاصمة، وتجري القيادة العامة تغييرات مهمة. ويشير مصدر عسكري مقرّب من القيادة العامة للجيش إلى تغييرات مهمة في قيادات بعض الوحدات مثل اللواء106، وسحب جزء كبير من قوات الصاعقة للتمركز في منطقة الهلال النفطي، وسط البلاد، بعيداً من طرابلس. ويشرح المصدر بأن التغييرات جاءت بعد ما اعتبرته القيادة العامة "تقصيراً قد يهدّد المعركة"، وسط خلافات بين قيادة بعض الكتائب، وآمر الغرفة المركزية لعملية تحرير طرابلس، اللواء عبد السلام الحاسي، وأشيعت قبل يومين أنباء عن إقالته من منصبه. ويضيف المصدر أن "مستجدّات أمنية في الجنوب الليبي حتّمت على القيادة نقل جزء من قواتها المهمة، وهي قوات الصاعقة بقيادة اللواء ونيس بوخمادة إلى منطقة الهلال النفطي بعد سلسلة من الاعتداءات التي نفذها تنظيم "داعش" وعصابات مرتبطة به ما يجعل الخطوط الخلفية للجيش في غير مأمن".
التغيرات الدولية
ويرى منصور سلامة رئيس الجمعية الليبية لدراسة السياسات، "أن التغيرات الدولية لها تأثيرها المباشر، وعدم تبلور موقف دوليّ عرقل حسم المعركة. وبكل تأكيد فإن الجولات والزيارات التي يجريها المشير خليفة حفتر، وقيادة قوات الحكومة، وآخرها زيارة نائب المجلس الرئاسي بحكومة الوفاق أحمد معيتيق إلى واشنطن لها تفاصيل في الكواليس لا يعلن عنها لكنها تنبئ بإمكان تبلور موقف دولي لمصلحة الجيش"، ويؤكد سلامة في حديث أن موقف "الجيش الوطني لا يزال قوياً"، موضحاً "كيف ستغفل الجهات الدولية عن طرف يسيطر على ثلاثة أرباع البلاد وحقّق أهدافاً كبيرة على رأسها إضعاف قوة الإرهاب بشكل كبير، وجعله ينفذ عملياته في الظلام بعد ما كان يجاهر بها". يتابع سلامة وصف خلفيّات الموقف الدوليّ الذي يراه مؤثراً بشكل مباشر في المعركة جنوب طرابلس بالقول "اعتقد أن موقف دول الجوار وتحديداً تونس والجزائر يتجه نحو القبول بهدف الجيش".
البعثة الأممية
وهذه الرؤية يعارضها الصحافي الليبي، إبراهيم بوزعنين، الذي يرى أن الموقف الدولي لا يزال منقسماً، وأن دولاً نافذة في الملف الليبي يمكن أن تعلب دوراً لصالح حكومة الوفاق، ويعتقد بوزعنين في حديثه أن "البعثة الأممية مضطرة للميل لصالح حكومة الوفاق، التي جاء بها الاتفاق السياسي الذي رعته، وبالتالي فهي تتحرك باتجاه إعادة الأوضاع إلى طاولة المفاوضات وتسعى إلى إنقاذ موقف الحكومة المتأزم التي تعاني خلافات بين قواتها غير المتجانسة، وإمكان أن تطالب تلك الدول عبر البعثة الأممية بتحديد نقاط فاصلة بين القوتين، ووقف لإطلاق النار، مشيراً إلى أن المشير حفتر كما له أصدقاؤه له أعداؤه أيضاً". يتابع بوزعنين حديثه بالقول إن "القضية الليبية دُوِّلت منذ وقت طويل وكل الأطراف ومنها الجيش خطؤه أنه عوّل على داعميه الدوليين، وارتهنت مواقف كل الأطراف للخارج" ويضيف "حتى فرنسا وروسيا أكبر الفاعلين الدوليين المؤيدين لأهداف الجيش الوطني في حربه على الإرهاب، لا تقدمان دعماً سياسياً مباشراً وتتعاملان مع حكومة الوفاق بحكم أنها شرعية" مؤكداً أن عراقيل حسم المعركة سياسية قبل أن تكون ميدانية.