عند الحديث عن موائد الإفطار في شهر رمضان، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو طبق السمبوسة الذي لا تخلو السفر الرمضانية العربية بوجه العموم والخليجية تحديداً منه، متصدراً الموائد طيلة الثلاثين يوماً بجانب أطباق أخرى.
وعلى الرغم من الاختلاف في أصل ومنشأ السمبوسة، يذكر المؤرخون أن بداية ظهورها يعود إلى القرن العاشر الميلادي، ولكنهم اختلفوا في نشأتها، فالبعض ذهب إلى أنها طبق عربي، وهناك من يقول إنها تركية، إلا أن كثيراً من الروايات أكدت أن السمبوسة نشأت في شبه القارة الهندية تحديداً، كما ورد في كتاب رحلات ابن بطوطة، الذي قال "إنه في زيارة للحاكم محمد بن تغلق في الهند، قدموا له طبقاً يعرف باسم (ساموسا)، وهو عجين محشو باللحم واللوز مقلي بالزيت".
وهذا ما أكده عليه الشيف هيثم بخاري، بالقول "إن جميع المصادر التاريخية تشير إلى أن موطن السمبوسة هو جنوب شرقي آسيا وتحديداً شبه القارة الهندية، التي تضم اليوم عدداً من الدول أهمها الهند وباكستان وبنغلاديش، ودخلت الجزيرة العربية مع قدوم الحجاج من تلك الدول، وانتشرت في بادئ الأمر في منطقة الحجاز غرب السعودية، بحكم وجود المدينتين المقدستين لدى المسلمين مكة المكرمة والمدينة المنورة".
ولفت إلى أن السمبوسة التي وصلت للحجاز في تلك الفترة كانت عبارة عن مثلث من العجين تحشى باللحم واللوز وتقلى في الزيت، ولم تكن كما هي عليه اليوم، إذ تم تعديلها من قبل سكان المنطقة بالحشوات المعروفة حالياً والمتعددة".
ليست هندية!
وعلى الرغم من تعدد المصادر التي تشير إلى الموطن الأصلي لهذا الطبق بوصفه هندياً، يرى المؤرخ سمير برقة خلاف ذلك، "يظن البعض أن السمبوسة أكلة هندية وفدت إلى الحجاز، وهذا غير صحيح، فهي تعود إلى الحجاز في أصولها التي بدأت في القرن الثاني الهجري".
واعتمد في هذا على دراسة قام بها الباحث حاتم العوني، ترى أن الحجاز عرف منذ القرن الهجري الثاني (القرن الثامن الميلادي) أكلة تدعى "السمبوسك" بالكاف وليست بالهاء، كما يلفظها الناس، وأنها عبارة عن عجين يرقق ويحشى باللحم ويطوى عليه العجين ثم يقلى.
واستطرد بالقول "نقلاً عن محمد بن يزيد المبرد في الكامل من اللغة والأدب، فإن أهل الحجاز يعرفون (السنبوسك) منذ القرن الهجري الثاني"، مضيفاً "وجاء أيضاً في أخبار المعتصم العباسي ما نصه (وكان في بكرة كل يوم إذا وقف يتعمم يلقمه خادمه السمبوسك، فعدوا عليه إلى أن فرغ من التعميم مئة وخمسين حبة سمبوسك)"، وبتجاهل العدد ودقته يظهر ورود ذكرها في فترة عربية متقدمة جداً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار المؤرخ التاريخي إلى أصل ونشأة السمبوسة، كما ورد في كتاب "الرتبة الظريفة في طلب الحسبة الشريفة" لمؤلفه جلال الدين العدوي الشيزري الشافعي، الذي أشار فيه إلى أن السمبوسة منها "ما يحشى باللحم ومنها ما يحشى بالسمك المشوى والتوابل".
وأكد أنها "طبق أصيل في منطقة الحجاز ومن الأكلات الشعبية، وإن ظن البعض بتوافدها إلى المنطقة باعتبارها ملتقى الحضارات لتوافد الأمم من جميع أنحاء العالم إليها في موسم الحج والعمرة".
كيف وصلت إلى الرياض؟
وبغض النظر عن أصل ومنشأ طبق السمبوسة وهل هو من ضمن ثقافة سكان غرب السعودية أو قادم إليهم من القارة الهندية، إلا أنه اشتهر وأصبح الطبق الرئيس على موائد السعوديين اليوم باختلاف ثقافتهم، ويرجع الشيف هيثم بخاري السبب إلى اختلاط السعوديين ببعضهم بعضاً في منتصف القرن الماضي الميلادي.
وقال "يمكن القول إن طبق السمبوسة وصلت لمنطقة نجد وبقية المناطق السعودية في منتصف القرن الماضي، وتحديداً في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز، الذي أمر بدمج المناطق ببعضها بعضاً من خلال التعيينات ونقل الوظائف من منطقة إلى أخرى".
ولفت إلى أن الحراك الذي أحدثته تلك الفترة الزمنية من تنقل أبناء المناطق السعودية إلى مناطق أخرى أسهم في خلط الثقافات، مما خلق الهوية السعودية الواحدة، وتأتي من ضمنها الموائد.
وقال "إن الثقافة الغذائية تناقلت بين المناطق السعودية كافة، واليوم أصبح هناك أطباق سعودية ليست مقتصرة على مكان دون الآخر".