بعد أكثر من 3 عقود على صدورها، يودع قراء "ليبرتي" في الجزائر جريدتهم الورقية اليومية، التي تُنسب إلى "صحافة التسعينيات"، إذ نشأت مباشرة عقب إقرار التعددية السياسية والإعلامية التي تمخضت عن دستور 1989، وصدر أول عدد منها في عز العشرية السوداء، 27 يونيو (حزيران) 1992، وتبنت خطاً تقدمياً طالما أثار حفيظة السلطة في البلاد التي اعتبرته "راديكالياً".
وفي خطوة مفاجئة وغير متوقعة، لا تزال تثير كثيراً من النقاشات في الأوساط الإعلامية والسياسية، قرر يسعد ربراب، أحد أغنياء الجزائر، وقف صحيفته "ليبرتي" واسعة الانتشار في الأوساط الفرانكوفونية، من دون أخذ رأي عمال الشركة وصحافييها، إذ يُعد ربراب، صاحب مجمع "سيفيتال"، المساهم الأكبر في الشركة الناشرة.
ضربة موجعة للصحافين
يوم الأربعاء 6 أبريل (نيسان) الحالي، قرر مجلس إدارة الشركة المصدرة لجريدة "ليبرتي"، حل الشركة وغلق الجريدة، ولم يهضم صحافيوها الذين عبروا عن دهشتهم لغلق صحيفتهم بدعوى أنها تواجه صعوبات مالية، القرار، وذكروا، في بيان، أنهم لم يفهموا الأسباب الحقيقية التي دفعت إلى إغلاق الصحيفة.
ويأتي القرار غير المتوقع في وقت بدأت الصحيفة سلسلة من الإجراءات تهدف إلى إصلاح الوضع الاقتصادي للشركة. وقال مصدر إنه "تم تنفيذ خطة اجتماعية وافتتاح موقع إلكتروني جديد. علاوة على ذلك، لا تزال لدى شركة النشر موارد مالية كافية لتمكينها من الاستمرار".
ورفض ربراب مناقشة حلول إنقاذ الصحيفة، إذ أشار الصحافيون إلى أنهم طلبوا مقابلة المالك لعرض بدائل له، لكن من دون جدوى، ما يعرض الجريدة اليومية للاختفاء من الأكشاك في غضون أيام قليلة، مؤكدين أن "ليبرتي" لا تزال كشركة وكصحيفة قابلة للحياة. واعتبروا أنه "بالنسبة إلى البلد ولقوى التقدم، فإن بقاء هذه الصحيفة ضروري".
المثير في الأمر أنه في خضم جدل مستعر حول إقفال جريدة "ليبرتي"، ذكرت مجلة "فوربس" في قائمتها السنوية لأثرياء عام 2022، أن ثروة الملياردير الجزائري يسعد ربراب زادت بـ300 مليون دولار في سنة واحدة، ليحل بالمركز الثاني في قائمة أثرياء العرب، بثروة تقدر بنحو 5.1 مليار دولار، بعد رجل الأعمال المصري، ناصف ساويرس، الذي تصدر القائمة بصافي ثروة قدرها 7.7 مليار دولار.
ما علاقة خطها الافتتاحي؟
يقول مراقبون للشأن الإعلامي والسياسي في البلاد، إن أسباب غلق الجريدة يعود لخطها الافتتاحي المعارض الذي تراه السلطة استهدافاً لها، إذ ظلت من العناوين القليلة جداً التي يكتب صحافيوها مقالات منتقدة للوضع العام في البلاد، في وقت تنتهج أغلب وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة وحتى المواقع الإلكترونية خطاً مهادناً، بدليل توجيه الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في مناسبات عدة، انتقادات حادة إلى "ليبرتي" بسبب تقارير وصور نشرتها، اعتبرها تبون "تحريضاً وتضليلاً".
وتضاعفت متاعب "ليبرتي" مع رفع شركة "سونطراك" النفطية (حكومية) دعوى قضائية ضد الجريدة الناطقة بالفرنسية، بتهمة "التلاعب والتحريف"، إذ وضعت عنواناً في حوار مع مديرها العام، توفيق حكار، يقول إن "الجزائر مستعدة لتزويد الأوروبيين بالغاز"، بما قد يفهم منه أن الجزائر تطرح نفسها كبديل للغاز الروسي، ما أثار حفيظة السلطات العمومية، التي تتعامل بحساسية كبيرة مع هذا الملف، إذ تعد الجزائر حليفاً عسكرياً تقليدياً لموسكو وشريكاً تجارياً لأوروبا.
انتقادات سياسية لربراب
وعبرت قوى سياسية عن قلقها من قرار إغلاق الصحيفة، إذ انتقد رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، محسن بلعباس، ربراب، وقال في منشور على حسابه في موقع "فيسبوك"، إن "قراره بغلق جريدة ليبيرتي هو بمثابة قربان للنظام لحمله على التراجع عن قرار منع تصدير المنتوجات التي يستورد بلدنا موادها الأولية، الذي يعد قراراً اقتصادياً صائباً"، ومجمع "سيفيتال" من أبرز الموردين لها دولياً.
وطالما ارتبط اسم ربراب بالسكر والزيت، فعندما خرج مواطنون إلى شوارع العاصمة الجزائرية مطلع عام 2011، تزامناً مع ما يسمى بثورات الربيع العربي، وجهت أصابع الاتهام إلى يسعد ربراب باعتباره المسؤول عن استيراد الزيت والسكر، وهما المادتان المدعمتان من الخزينة العمومية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي 13 مارس (آذار) الماضي، أمر الرئيس الجزائري بمنع تصدير كل ما تستورده الجزائر من منتجات استهلاكية، على غرار السكر والعجائن والزيت والسميد وكل مشتقات القمح، مع تكليف وزير العدل بإعداد مشروع قانون يُجرم تصدير تلك المواد غير المُنتجة محلياً، باعتباره عملاً تخريبياً للاقتصاد الوطني.
من جهتها، قالت لويزة حنون، الأمينة العامة لحزب العمال، إن قرار وقف "ليبرتي" عنيف لدرجة أنه لا يصدق، بالنظر لما تمثله من مرجعية جادة وذَات مصداقية على المستويين الوطني والدولي. وذكرت حنون، "من حقنا، ويحق لجميع قراء الصحيفة معرفة الأسباب الحقيقية التي تكمن في أصل التهديد باختفائها. لأن هذه الصحيفة واحدة من الصحف النادرة جداً، كصحيفة جادة وغير زبائنية (تابعة للسلطة)".
في السياق نفسه، استنكرت منظمة "مراسلون بلا حدود" التضحية المفاجئة بـ"ليبرتي" دون سبب وجيه، وسجلت أن مالكها لم يعط أي تفسير أو سبب مقنع. وفي عام 2016، سعى ربراب لشراء أسهم جريدة "الخبر"، وهي من أشهر وأعرق الصحف الناطقة بالعربية، لكنه دخل صراعاً مع وزارة الاتصال، التي كان يرأسها حميد قرين حينها، إذ حرك الأخير دعوى قضائية لإبطال الصفقة التجارية بذريعة أنها تؤسس لاستحواذ الملياردير الشهير على الساحة الإعلامية.
وبشكل سريع، توترت علاقة ربراب مع السلطة، التي اتهمها بعرقلة مشاريعه في البلاد، فيما كان يبدو أن الأمر، وفق ملاحظين، يتعلق بترتيبات رئاسيات العهدة الخامسة، التي ترشح لها الراحل عبد العزيز بوتفليقة، وألغيت بعد خروج مسيرات شعبية مناوئة.
وكان ربراب من رجال الأعمال الذين أودعوا السجن، أبريل (نيسان) 2019، في أعقاب انطلاق الحراك الشعبي، 22 فبراير (شباط) من السنة نفسها، بتهم تتعلق بتضخيم الفواتير واستيراد معدات قديمة على أنها جديدة، كما جاء في التهم الموجهة إليه.
وأُفرج عن ربراب مطلع يناير (كانون الثاني) 2020، بعد الحكم عليه من قبل محكمة "سيدي محمد" في العاصمة بالسجن النافذ 6 أشهر، إضافة إلى عام حبساً موقوف التنفيذ في قضايا فساد مالي. إذ تمت تبرئته من تهمة التصريح الجمركي الخاطئ لمعدات وتجهيزات صناعية استوردها من الخارج. بينما أدين في الشق المتعلق بمخالفة قانون الصرف (تحويل النقد الأجنبي إلى الخارج)، والتزوير، واستعمال المزور. كما جرى تغريمه مليار دينار جزائري (نحو 9 ملايين دولار).