"الأردن ليست عمان فقط"، مقولة يرددها كثير من الأردنيين عند الشكوى من غياب الخدمات والبنى التحتية عن بقية مناطق المملكة وتمركز معظمها في العاصمة فقط.
تلك الشكوى المريرة تحولت لاحقاً إلى مبرر لهجرة عكسية لا يزال يفعلها كثير من قاطني القرى والمحافظات الأخرى إلى العاصمة، إما بداعي العمل أو القرب من مراكز الخدمات والتجمعات الحضرية.
عمان التي تأسست في نهاية القرن التاسع عشر مع وصول طلائع المهاجرين الشركس، كانت في بدايتها قرية نشأت بين الوديان، ثم ضاقت على سكانها، فاتسعت أطرافها فوق 20 جبلاً، لتصبح عاصمة الأردنيين، ونقطة استقطاب لكثير من الجاليات العربية والسياحة العلاجية والطبية.
اليوم يزيد عدد سكان العاصمة على 4.5 مليون نسمة، من أصل نحو 11 مليوناً يقطنون في المملكة، من بينهم 4 ملايين من غير الأردنيين، ما يشكّل عبئاً على الخدمات والبنى التحتية وحتى الشوارع التي باتت تشهد أزمة خانقة على مدار الساعة، فتفتّقت أذهان المسؤولين في الحكومة الأردنية عن مشروع لبناء عاصمة جديدة تستوعب جزءاً من الكثافة السكانية المتنامية يوماً بعد آخر.
اللجوء السوري
يعزو مراقبون الانفجار السكاني الذي تشهده العاصمة الأردنية إلى الأزمة السورية، فقد شهد عام 2012 تدفق مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى الأردن عبر الحدود الشمالية بطريقة مشروعة، أو غير مشروعة، وعلى الرغم من أن اللاجئين يقطنون في مناطق عدة من المملكة، إلا أن حصة الأسد كانت للعاصمة، حيث ناهز عددهم فيها ربع مليون لاجئ، يشكلون ضغطاً مضاعفاً على البنى التحتية والخدمات العامة.
ويحتاج الأردن إلى 2.4 مليار دولار لتلبية حاجات اللاجئين السوريين الموجودين على أراضي المملكة، والذين يقارب عددهم المليون لاجئ.
تقول دائرة الإحصاءات العامة إن أحد أسباب التنامي السكّاني في العاصمة عمان، هي الهجرة من الريف إلى المدن، ونظراً إلى دمج بعض البلديات والتجمعات السكانية، فإن ذلك انعكس على انخفاض عدد القرى، بالتالي توجه الأردنيون المقيمون فيها إلى العاصمة، التي أصبحت تفيض جنباتها بالسكان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتحتل عمان مرتبة الصدارة بفارق كبير عن المدن الأخرى من حيث الكثافة السكانية، وبعد أعوام من غياب التخطيط والتنظيم، تحوّلت كثير من الأحياء إلى عشوائيات وكتل إسمنتية.
تمدّن متزايد
وفقاً للإحصاءات العامة، تمدّن سكان الأردن وتحضروا بشكل كبير وبنسبة زادت على 90 في المئة، بسبب الهجرة من الريف، ووصول موجات من اللاجئين والنازحين الفلسطينيين الذين توجهوا بشكل أساسي نحو التجمعات السكانية الكبرى كالعاصمة.
وفي بداية التسعينيات، وصل نصف مليون أردني من أصل فلسطيني، أجبروا على مغادرة دول الخليج، فتضاعف عدد سكان مدينة عمان ثلاث مرات.
منذ ذلك الوقت، تحوّلت عمان إلى ورشة بناء ضخمة، بمعدل تزايد سنوي أعلى من 10 في المئة، وأصبح الاكتظاظ سمة العاصمة على الرغم من توسعها وامتدادها.
صبري ربيحات، وزير الثقافة السابق، قال إن الأردنيين يتطلعون بكثير من الأمل والتفاؤل إلى مدينة خالية من المنغصات، ومن الكتل الإسمنتية الصمّاء. ويضيف "لا أحد في الأردن يمانع أو يعترض على التفكير في بناء عاصمة جديدة يجري التخطيط لها على أسس علمية، تخلّصنا من محددات الطبوغرافيا التي أعاقت كثيراً من محاولات التحديث للبنى التحتية المتدهورة بشكل أصبح من الصعب تجديدها أو التعديل عليها".
لكن المشكلة برأي الوزير الأردني ألا تبتلع المدينة الجديدة مزيداً من أراضي البلاد الصالحة للزراعة أو الأشجار النادرة وأن تكون في مكان يناسب الجميع، وأن ترتبط بشبكة مواصلات حديثة ومتطورة.
عاصمة جديدة ضرورة
ويشير مراقبون إلى أن الحاجة إلى عاصمة أردنية جديدة باتت ضرورة لأسباب عدة، أولها الازدحام المروري الشديد، وما ينتج منه من هدر للوقت وللمال وتلوث للبيئة، بسبب ضعف البنية التحتية وشبكة المواصلات العامة والتخطيط الشمولي والاستراتيجي، إلى جانب ازدياد عدد السكان بصورة غير مسبوقة.
فيما يرى آخرون، من بينهم الخبير السكاني أكرم عبد القادر أن إعادة التوزيع الديموغرافي والاستغلال الأمثل للموارد المادية والبشرية، يتطلبان عاصمة جديدة، مع وجود أعداد هائلة من المواطنين في العاصمة عمان، وتمركز التنمية والموارد المالية والخدمات في منطقة واحدة على حساب المناطق الأخرى.
وفي رأي ثالث، يقول خبراء إن ديمومة التنمية المستدامة، تتطلب عاصمة جديدة تتوافر فيها مرافق خدمية وترفيهية تجذب المستثمرين الأجانب لتنفيذ مشاريع عملاقة تحدّ من البطالة، وتحرك الاقتصاد من خلال ضخ مليارات الدولارات من دون أن تتكلف الدولة أية مبالغ من خلال تفعيل برامج B O T.