في عام 2020، كانت نسبة البطالة في قطاع غزة 46 في المئة، وفق بيانات جهاز الإحصاء الفلسطيني، بينما في عام 2022 وصلت إلى 75 في المئة، وكذلك ارتفعت مؤشرات الفقر لتصل إلى 60 في المئة بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية. ومن بين الأسباب الرئيسة التي شكلت ذلك، تراجع التمويل الدولي وتقليص حصص المنح المالية للمؤسسات والجهات الحكومية في الأراضي الفلسطينية.
في الواقع، بدأ تراجع التمويل الدولي عام 2019، عندما أوقفت الولايات المتحدة الأميركية دعمها المالي عن الفلسطينيين والمؤسسات (سواء الحكومية أو المجتمع المدني) التي تمولها في قطاع غزة والضفة الغربية على حد سواء. وبعد ذلك، توقف أو تراجع دعم عدد من الدول المانحة مشاريع ومؤسسات فلسطينية.
أشكال تراجع التمويل الدولي
وأخذ تراجع التمويل الدولي عن الفلسطينيين وخصوصاً في غزة ثلاثة أشكال، أولها تراجع عمل المؤسسات الأممية بسبب نقص التمويل، وكانت هيئة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" أكبر المتضررين، وثانيها تقليص وتوقيف دول عدة تبرعاتها للحكومة الفلسطينية، وثالث الأشكال تقليص وإيقاف المساهمات والمنح المالية عن مؤسسات المجتمع المدني العاملة في قطاع غزة سواء الإغاثية أو التنموية أو الخدماتية.
وبسبب تراجع التمويل الدولي بات مئات آلاف الأطفال وأسرهم في غزة مهددين بعدم تلقي المساعدات الإغاثية والإنسانية، وكذلك تعرض قطاعي الزراعة والصيد لتوقف كامل للمشاريع الإغاثية والتطويرية، وانخفضت نسبة فرص التشغيل المؤقت للخريجين والعاطلين من العمل.
وفي تفاصيل تراجع التمويل الدولي، يعمل في غزة نحو 25 مؤسسة دولية وتابعة لهيئة الأمم المتحدة، معظمها بات يتلقى نصف الميزانية المالية السنوية المخصصة له، وكان أبرزها "أونروا" التي بدأت تصارع أزمة خانقة تهدد طبيعة عملها.
انعكاسات على مؤسسات الأمم المتحدة
وأعلنت الأمم المتحدة، في بيان، عن تراجع الدعم الدولي لمؤسساتها العاملة في قطاع غزة. ما يهدد غالبية اللاجئين هناك الذين يعانون الفقر. وأظهر مسح أجرته الهيئة أخيراً أن نسبة فقر العائلات في القطاع تبلغ 82 في المئة. ما يعني أن 1.2 مليون شخص في غزة يعيشون تحت خط الفقر.
وبحسب المعلومات المتوافرة، فإن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) قلص مشاريعه في غزة بنسبة 35 في المئة، وسرح عدداً من عامليه خلال العامين الماضيين. وهذا ينطبق على معظم المؤسسات الأممية العاملة في الأراضي الفلسطينية.
وفي ما يتعلق بالـ"أونروا"، يقول مديرها في قطاع غزة، ثوماس وايت، إن "المؤسسة الأممية تحظى بالدعم السياسي لكن ينقص التمويل، إذ لم تعد الدول المانحة تتبرع كما كانت في السابق. ما أدى إلى أزمة عميقة. ودفع ذلك في اتجاه إجراءات داخلية تقشفية لجميع البرامج". ويشير وايت إلى أن "نسبة تراجع التمويل وصلت إلى 90 في المئة، ويعد هذا التقليص خطيراً جداً".
تراجع تمويل الحكومة أثر في فقراء غزة
لا يقتصر الأمر على تراجع الدعم الدولي لمؤسسات الأمم المتحدة، إذ قلصت دول عدة تمويلها الحكومة الفلسطينية. ومن بين الدول تلك السويد وهولندا، فيما لم يرسل الاتحاد الأوروبي أي دفعات مالية إلى السلطة الفلسطينية منذ عامين، وكذلك الولايات المتحدة الأميركية التي خفضت مساهماتها المالية.
ووفق تقرير "الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة" (مؤسسة تتابع عمل الحكومات الفلسطينية)، فإن نسبة التمويل الخارجي للحكومة الفلسطينية انخفض خلال العامين الماضيين إلى نسبة 37 في المئة. ما يهدد بانهيار السلطة الفلسطينية إذا ما استمرت الأزمة الخانقة التي تعيشها الحكومة الحالية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول المتحدث باسم الحكومة الفلسطينية، إبراهيم ملحم، إن "الدعم الخارجي من الدول المانحة الأجنبية والعربية تراجع كثيراً، مما تسبّب بعجز في ميزانية الحكومة"، مبيناً أن "هذه المنح كانت تقدر بـ1.3 مليار دولار، وتراجعت هذه النسبة حتى وصلت خلال عام 2019 إلى 700 مليون دولار. ما دفع بالسلطة إلى اتباع سياسة تقشف في نفقاتها على حساب مشاريع التنمية والبنى التحتية. لذلك، أقر مجلس الوزراء حزمة من الإجراءات المالية والإدارية لتقليص النفقات".
وبحسب ملحم، فإن "تراجع التمويل انعكس على غزة، وباتت الحكومة غير قادرة على الالتزام بما تقدمه للقطاع من فاتورة رواتب الموظفين، وصرف مستحقات المستفيدين من خدمات الشؤون الاجتماعية وتغطية نفقات العلاج وغيرها من الخدمات"، مشيراً إلى أن "عدداً من الدول المانحة اشترط في التمويل أن يكون للمناطق في الضفة الغربية لكن السلطة رفضت ذلك".
80 في المئة يعتمدون على المساعدات الخارجية
أما المؤسسات العاملة في قطاع غزة، التي تتلقى تمويلاً من الدول المانحة بعيداً من الحكومات، فإنها الأخرى تواجه نقصاً في المنح المالية. ويظهر مؤشر الريادة في حاضنات الأعمال الفلسطينية أن التمويل الخارجي ما زال هو الأكبر، إذ تعتمد 80 في المئة من هذه المؤسسات على التمويل والمنح الخارجية.
ووفق البيانات، فإنه خلال العامين الماضيين، توقفت 15 مؤسسة في غزة عن العمل بعد تجميد تمويلها الأوروبي. ومن بين تلك المؤسسات "اتحاد لجان العمل الزراعي" (مؤسسة إغاثية)، يقول مدير المشاريع فيها، مؤيد بشارات، إن الحكومة الهولندية أوقفت التمويل، فيما كان الاتحاد يخدم قطاع الزراعة والصيد في غزة، وتسبب ذلك في إنهاء عقد 100 موظف وتوقيف نحو 20 ألف مزارع عن العمل.
العمل الإغاثي مهدد
ومنذ مطلع أبريل (نيسان) الحالي، يواجه العمل الإغاثي في قطاع غزة تحدياً كبيراً، وذلك بعد تلقي العديد من المؤسسات الإغاثية إشعاراً من الممولين بالتوقف عن دعم العديد من برامج الإغاثة. ويقول الناطق باسم "تجمع المؤسسات الإغاثية" في قطاع غزة، وائل أبو محسن، إن "جزءاً كبيراً من برامج الإغاثة التي تنفذها المؤسسات الإغاثية يأتي عبر تمويل تقدمه مؤسسات وهيئات مانحة من دول في القارة الأوروبية والشرق الأوسط، لكن هؤلاء المانحين علّقوا تمويلهم بسبب التطورات العالمية".
ويضيف "في غزة 250 جمعية إغاثية، تتلقى تمويلها بشكل مباشر على هيئة تبرعات من بريطانيا والسعودية والولايات المتحدة وفرنسا ودول أميركا اللاتينية، وتخدم هذه الجمعيات، نصف مليون طفل، و37 ألف أسرة، وتلك الجهات أوقفت أو قلصت الدعم الإغاثي".
من جانبه، يقول رئيس "شبكة المنظمات الأهلية" في قطاع غزة، أمجد الشوا، إن "مؤسسات المجتمع المدني تعمل في إطار القانون الدولي والفلسطيني، لكن الدول المانحة تعمل على إيقاف تمويلها بضغط سياسي، لذلك نعمل على الاعتراض قانونياً فحسب، لعل هذه المساهمات تعود".