مرت حوالى تسعة أشهر على قرارات 25 يوليو (تموز) 2021، من دون أن يلوح في أفق المشهد السياسي في تونس أي مشروع بديل لما يطرحه الرئيس قيس سعيد في مشروعه السياسي وسط تعمق الأزمة السياسية وتدهور الوضع المالي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
الرئيس التونسي ماض في مشروعه السياسي حتى وإن لم يجد المقبولية الضرورية من كل مكونات المشهد السياسي والمدني في تونس، بينما تكتفي النخب السياسية والمدنية في البلاد بالتنديد بخطوات سعيد تحت غطاء الإجراءات الاستثنائية.
فلماذا فشلت النخب السياسية والمدنية في صياغة مشروع حقيقي بديل قادر على تجميع التونسيين وتقديمه كعرض سياسي مناهض لمشروع قيس سعيد؟
عائلات سياسية مشتتة
اتسمت الساحة السياسية في تونس بعد 2011 بالتشتت رغم وجود عائلات سياسية جامعة لتيارات واضحة المعالم بينها "الدستوريون" و"اليسار" و"الإسلاميون" و"الديمقراطيون الحداثيون"، وبقية الأحزاب ذات التوجهات العروبية والاجتماعية.
في الظاهر، هناك عائلات سياسية لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، تشكل المشهد السياسي، إلا أن الواقع يخفي انقسامات عميقة داخل كل عائلة سياسية، ما جعل المشهد يغص بالأحزاب التي يتجاوز عددها اليوم 200 حزب، بينما لا تحتمل الساحة السياسية كل هذا الزخم الحزبي.
يؤكد عصام الشابي، الأمين العام للحزب الجمهوري، في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن "المعارضة متفقة على أن نهج الانقلاب على الدستور يهدد مقومات الدولة المدنية الديمقراطية"، مضيفاً أن ذلك "يتزامن مع أزمة اقتصادية واجتماعية لم يعد رئيس الجمهورية قيس سعيد قادراً على التعاطي معها أو تقديم حلول بشأنها، وهو ما بات يهدد استقرار البلاد والسلم الأهلي".
ويقول الشابي، إن "ما يعيق هذه المعارضة هو عدم اهتدائها إلى صياغة أرضية مشتركة بهدف وضع برنامج للتحرك من أجل فرض الإصلاحات الضرورية، وبقيت حبيسة خلافاتها، وهو ما أثر على فرص التقائها في الحاضر لمعالجة قضايا تونس الراهنة".
المعارضة فشلت في التصدي لسعيد
ويضيف الأمين العام للحزب الجمهوري أن "المعارضة لم تدفع قيس سعيد إلى التراجع عن مشروعه السياسي والقبول بالبحث عن حلول وطنية تشاركية مع القوى الحية والسياسية والمدنية ما منحه أريحية رغم عدم تحقيق أي منجز سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي".
ويدعو الشابي الجبهة المعارضة إلى "تهيئة المناخ من أجل برنامج مشترك وصياغة أهداف واضحة لتعبئة الرأي العام، وفرض إصلاح الأوضاع قبل انهيارها"، محذراً من احتمال "فرض قيس سعيد لدستور جديد قد يدخل البلاد في منعرج خطير"، مقراً بأن "المعارضة أضاعت كثيراً من الوقت أمام القضايا المطروحة لفرض معطيات سياسية بديلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشدد الشابي على أن "الحل هو بيد التونسيين، وهو حل تشاركي بين مختلف مكونات المشهد السياسي، ويتمثل في الذهاب إلى المفاوضات والحوار، والاتفاق على خريطة طريق، وحكومة إنقاذ قادرة على مباشرة عملية الإصلاح والاتفاق على العملية السياسية من خلال أجندة وطنية متفق عليها لتنقية المناخ السياسي".
تنقية الحياة السياسية بالمحاسبة
في المقابل، يقلل زهير حمدي، الأمين العام للتيار الشعبي من احتمال "التقاء المعارضة على خطة موحدة لإنقاذ تونس"، معتبراً أن "الطبقة السياسية التي تشكلت في تونس بعد 2011، هي طبقة فاسدة عملت على توظيف المشهد السياسي في صراعات أيديولوجية خربت العملية السياسية، من خلال ديمقراطية مغشوشة وتوافقات ذات مصلحة ضيقة، من أجل تأبيد الوضع من خلال نمط سياسي يحافظ على مواقعهم ومكاسبهم".
ويحمل حمدي الطبقة السياسية التي حكمت تونس طيلة العشر سنوات الماضية مسؤولية "تصحر الحياة السياسية وتجريم القيم السياسة النبيلة وإرساء منظومات مرتبطة بالفساد والتهريب والإرهاب".
واستبعد الأمين العام للتيار الشعبي أن "تتشكل جبهة سياسية قادرة على الفعل"، معتبراً أن "ما يحكم الحياة السياسية في تونس اليوم، هو توازن الضعف"، داعياً إلى "تنقية الحياة السياسية، وتطهيرها عبر فتح باب المحاسبة السياسية والقضائية لكل من أجرم في حق تونس، ثم بناء حياة سياسية سليمة على أسس ديمقراطية حديثة، وبنُخب جديدة، وأطر دستورية وقانونية جديدة من أجل فرز طبقة سياسية نقية وقادرة على الذهاب بتونس إلى مستقبل أفضل".
ودعا حمدي إلى "إيجاد صيغة تجمع بين برنامج رئيس الجمهورية، وتصور معارضيه، من أجل صياغة رؤية تونسية مشتركة، من خلال تعميق النقاش مع القوى الوطنية المؤمنة بضرورة القطع مع سياسات ما قبل 25 يوليو 2021".
جبهة الخلاص الوطني
في الأثناء، عرض رئيس الهيئة السياسية لحزب "الأمل" أحمد نجيب الشابي، الإثنين 18 أبريل (نيسان) 2022، على حركة "النهضة" مبادرته لـ"تشكيل جبهة للخلاص الوطني" لمعالجة الأزمة الراهنة في البلاد.
وفي تعقيبه على هذه المبادرة يقول أحمد نجيب الشابي في تصريح خاص، إن "تونس تعيش محنة كبيرة اقتصادية واجتماعية، وتتطلب الإنقاذ"، معتبراً أن "قيس سعيد يكتفي بمهاجمة خصومه السياسيين وتقسيم التونسيين، بينما يزداد الوضع الاقتصادي والاجتماعي سوءاً".
ويضيف الشابي، أن "قيس سعيد استغل تلك الأزمة من أجل مشروعه السياسي الخاص عوض الذهاب إلى حوار من أجل توافقات سياسية في إطار الدستور والديمقراطية".
وبخصوص تقربه من حركة "النهضة" واللقاء مع رئيسها، راشد الغنوشي، يقول الشابي، إن "حركة النهضة رقم صعب في معارضة قيس سعيد، وهي تدفع نحو عودة الديمقراطية في البلاد".
بينما يمضي سعيد في مشروعه السياسي تنشغل المعارضة بقضايا جانبية وخلافات داخلية، وهو ما حال دون تشكيل جبهة سياسية قوية تدفع رئيس الجمهورية إلى التراجع، أو فتح باب الحوار مع المنظمات والأحزاب من أجل مشروع سياسي للتعايش المشترك.