أحيا آلاف السودانيين، السبت، الذكرى الثالثة لمجزرة فض اعتصام القيادة العامة، التي راح ضحيتها أكثر من 200 قتيل، ومئات الجرحى والمفقودين، وعلى الرغم من تشكيل لجنة مستقلة قبل 30 شهراً لتقصي الحقائق حول هذه المجزرة، ما زالت اللجنة تدور في فلك التحقيقات والتحريات، دون تحديد موعد نهائي لإعلان نتيجة هذا التحقيق، الذي ينتظره المجتمع السوداني بتلهف، لفك طلاسم أكثر القضايا تعقيداً وبشاعة في تاريخ البلاد. فما أسباب بطء عمل هذه اللجنة، وهل من ضغوط تمارس عليها حتى لا تظهر نتائجها بالسرعة المطلوبة؟ وكيف ينظر القانونيون وأسر الضحايا لسير هذه القضية؟.
انعدام الإرادة
يقول رئيس منظمة أسر شهداء فض اعتصام القيادة، فرح عثمان فرح، إن "سير العمل في هذه القضية غير مبشر بتاتاً، من ناحية أن تغيير وتعيين وكلاء نيابة من وقت لآخر أدى إلى العبث بملفات القضية، فضلاً عن غياب الشهود، بالتالي لا أمل في الأجهزة القضائية والعدلية لتقوم بدورها الكامل، إذ تنعدم الإرادة القوية، وما يحدث الآن هو كسب مزيد من الوقت، لكن يجب أن يعرف كل من يريد تعطيل التحقيقات أن مثل هذه القضايا لا تسقط بالتقادم".
وتابع عثمان، لـ"اندبندنت عربية"، "ما يحدث من بطء وتواطؤ جعلنا نبحث عن العدالة في الخارج، وإن كنا نتمنى أن نشهد عدالة في الداخل، وبقدر ما قدمنا من تنازلات، وتأكيدنا المستمر عن ثقتنا في القضاء السوداني، لكن للأسف لم نجد كأسر للضحايا أذناً صاغية، بل اعتبروا ذلك ضعفاً من جانبنا، وحتى القضايا التي تم الفصل فيها من قبل المحاكم السودانية لم يتم إنجاز الحكم، لذلك لا يوجد بصيص أمل في عدالة داخلية، لأننا أمام حكومة تعمل منذ انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) على إعادة نسخة النظام السابق، ما يعني ضرب الثورة في مقتل، على الرغم مما قدمه أبناء هذا الوطن من تضحيات لتغيير ذلك النظام".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت إلى أنهم اتجهوا بهذه القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية بواسطة محامين سودانيين وهولنديين، بعد أن توصلوا إلى عدم وجود الرغبة والإرادة من القضاء السوداني لتحقيق العدالة، كما جرت مخاطبة ممثل حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أداما ديانغ خلال زيارته الأخيرة إلى الخرطوم، مشدداً على أنهم لن يهدأ لهم بال حتى يتوصلوا إلى الجناة الحقيقيين لتنفيذ القصاص بحق كل من قتل المعتصمين في ساحة الاعتصام.
ونوه رئيس منظمة أسر شهداء فض الاعتصام، إلى أن هناك جهات عليا متورطة في هذه القضية تقف سداً منيعاً للحيولة دون سير الإجراءات القانونية وعمل لجنة التحقيق بالصورة الطبيعية والشكل المطلوب.
بلاغات وأطواق نجاة
يرى والد الشهيد عبدالسلام كشة عبد السلام، أحد ضحايا فض الاعتصام، أن هناك تعتيماً للحقيقة بعد ثلاث سنوات من ارتكاب المجزرة، فضلاً عن عدم التحري بصورة جادة في سرد أقوال القضية.
وبين أن حكومة ما بعد الثورة تجاوزت قضايا شهداء الاعتصام، ولم تحرك ساكناً على مدى عام ونصف العام، بل منحت اللجنة الأمنية طوق نجاة بقبولها الشراكة مع المكون العسكري، منوهاً إلى أن التآمر على قصاص شهداء الاعتصام بدأ مع تشكيل لجنة التحقيق المستقلة التي لم تفعل شيئاً حتى اللحظة.
من جانبه، أوضح عضو تحالف المحامين الديمقراطيين السودانيين، المعز حضرة، أن "حادثة فض اعتصام القيادة تمثل مأساة حزينة للشعب السوداني، الذي كان يأمل طوال هذه السنوات الثلاث تحقيق العدالة الناجزة، لكن للأسف لم تفعل لجنة التحقيق في هذه الحادثة شيئاً، ونحن منذ البداية كان لدينا رأي في القائمين على هذه اللجنة بأنهم غير مناسبين لتولي المسؤولية، وليس بمقدورهم الوصول إلى الحقيقة، بل إن هذه اللجنة كانت أحد أسباب فشل حكومة الفترة الانتقالية، مما أدى إلى التمادي في جرائم القتل، وأصبح الإفلات من العقاب هو السائد".
وزاد، "في تقديري أنه إذا كان لدى أعضاء لجنة التحقيق كرامة لاستقالوا وأتاحوا الفرصة لأشخاص آخرين يمتلكون الشجاعة والمقدرة والجرأة، فعلى الرغم من توفر البينات والوثائق والشهود، لم تتمكن اللجنة من أن تخطو خطوة واحدة للأمام نحو فك لغز هذه الحادثة"، وأوضح أن القائمين عليها ليست لديهم الرغبة أو القدرة على فتح بلاغات ضد الأشخاص محل الشبهة، لذلك ظلت هذه اللجنة بمثابة الخنجر في قلب الثورة الشعبية التي ما زالت مستمرة لإزاحة الانقلاب وعودة المسار الديمقراطي".
ونوه عضو تحالف المحامين الديمقراطيين السودانيين إلى أنه في ظل السلطة الانقلابية برئاسة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان يصعب تحقيق العدالة، لأن قادتها هم المتهمون الأساس في حادثة فض الاعتصام، مبيناً أن التوجه لطلب العدالة الخارجية يمكن أن يكون مناسباً إذا توفرت ظروف معينة.
3000 شاهد
بحسب رئيس لجنة التحقيق في حادثة فض اعتصام القيادة، نبيل أديب، فقد تم استجواب أكثر من ثلاثة آلاف شاهد غالبيتهم جاءوا طوعاً، ونتيجة التقرير النهائي ستظهر الحقيقة كاملةً، لكنه لم يؤكد أن ما جرى أثناء فض اعتصام القيادة مطابق لوصف "جريمة ضد الإنسانية" أم لا.
وأشار إلى أن القانون الجنائي السوداني يتضمن هذا النوع من الجرائم، على الرغم من أنه لم يسبق أن حُكم على أي شخص بهذه التهمة، مصنفاً ما حدث أثناء فض الاعتصام باعتباره "جرائم عنف مثل القتل والجرح، وجرائم جنسية كالاغتصاب والعنف الجنسي". واعترف بأن اللجنة تضرر عملها من غياب مجلس الوزراء الذي كانت تمده بتقارير دورية ويمدها بمتطلباتها.
وكانت لجنة التحقيق في فض الاعتصام، ذكرت على لسان رئيسها المحامي نبيل أديب، مطلع مارس (آذار)، أن قوة أمنية استولت على مقرها، وسمحت لجهات مدنية بدخوله ومباشرة أعمال صيانة في داخله، ومنعت العاملين في اللجنة من الدخول واستلام أي معدات خاصة بعملهم. كما أمرت بإخلاء المباني التي كان يشغلها طاقم الحراسة الخاص باللجنة، وسلمتها للجهة المدنية المعنية.
وسبق أيضاً أن طلبت وزارة المالية السودانية من اللجنة في فبراير (شباط) إخلاء مقرها، ما اعتبره مقرر اللجنة، صهيب عبد اللطيف، طرداً مباشراً لها من المقر، مؤكداً أن الأوضاع العامة عقب انقلاب 25 أكتوبر أصيبت بالتغبيش. وأوضح، "تملكنا إحساس بأن اللجنة غير مرحب بها من قبل الحكومة، على الرغم من أنها كانت تتعامل مباشرة مع رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك في الجانب المالي، بحسب ما جرى عليه العمل حينذاك، وبمقتضى قرار التكليف".
وتشكلت اللجنة في سبتمبر (أيلول) 2019 بموجب نصوص الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية، ومنحت صلاحيات التحقيق بغرض تحديد الأشخاص المسؤولين عن فض الاعتصام بالتحريض أو المشاركة أو الاتفاق الجنائي أو ارتكاب أي انتهاكات أخرى. وتختص اللجنة بتحديد وحصر عدد الضحايا من القتلى والمصابين والجرحى والمفقودين، وقيمة الخسائر المالية والجهات والأشخاص المضارين من ذلك.
ويحق للجنة استدعاء أي شخص أو مسؤول حكومي أو نظامي أو موظف عام بغرض الإدلاء بشهادته أو التحقيق، فضلاً عن طلب العون الفني من الاتحاد الأفريقي عبر وزارة الخارجية، وكذلك منحها حق تجميد الحصانات القانونية لأداء عملها.