في ظل الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية والتوترات الجيوسياسية التي تدفع إلى ضبابية الموقف في أسواق النفط العالمية، حذرت منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" من التوترات التجارية العالمية كونها تضرّ الطلب على الخام، وذلك بالتزامن مع تقليص تقديرات الاستهلاك للعام الحالي.
وأوضحت المنظمة، في تقريرها الشهري، أن الطلب على النفط زاد بأقل من مليون برميل يومياً خلال الربع الأول من العام الحالي، مشيرة إلى أن الاقتصاد العالمي يتجه نحو أضعف وتيرة نمو في نحو 10 سنوات، متضرراً من معركة التعريفات الجمركية الطويلة بين الولايات المتحدة والصين.
ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنحو 3.2% خلال العام الحالي مقابل تقديرات العام الماضي والبالغة 3.6%.
كما حذرت "أوبك" من المخاطر الجيوسياسية في العديد من المناطق الرئيسة، والتي تسهم في إبطاء وتيرة الأنشطة الاقتصادية العالمية، وبالتالي نمو أضعف في الطلب العالمي على الخام.
وذكرت أنه خلال النصف الأول من العام الحالي تزايدت التوترات التجارية العالمية، ما تسبب في نمو أضعف في الطلب العالمي على النفط.
دعم قوي من تصفير صادرات نفط إيران
وقال خبير النفط، الدكتور رمضان أبو العلا، إن "الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية التي تعدّ أحد أهم إمدادات أسواق الطاقة العالمية، تشير إلى أن السوق سوف تواجه ضغوطاً صعبة خلال الفترة المقبلة، بخاصة مع تعرض ناقلات نفط لهجوم وذلك لأكثر من مرة خلال الفترة الماضية".
وأشار في اتصال مع "اندبندنت عربية"، إلى أن "تحركات (أوبك) التي بدأتها قبل سنوات أسهمت في تقليص خسائر النفط الذي هوى من مستويات تتجاوز 150 دولاراً للبرميل في منتصف 2014 إلى حدود الـ30 دولارا أو أقل من ذلك خلال الفترات الماضية، لكن تحركات (أوبك) وتحديد سقف للإنتاج أسهم بشكل مباشر في تعزيز الأسعار".
وأضاف "في الوقت الحالي ومع تطور الأحداث التي تشهدها المنطقة، التوقعات تبقى سلبية، لكن في الوقت نفسه هناك عوامل إيجابية ربما تسهم في تهدئة السوق، أهمها العقوبات الأميركية واتجاه أميركا إلى تصفير صادرات النفط الإيراني، وإعلان السعودية والإمارات تعويض إمدادات النفط التي يفقدها السوق بعد هبوط صادرات إيران إلى أقل من 400 ألف برميل خلال الفترة الماضية".
وأعلنت "أوبك"، في تقريرها الشهري، خفض تقديرات نمو الطلب العالمي على النفط بنحو 70 ألف برميل يومياً لتصبح 1.14 مليون برميل يومياً خلال العام الحالي، مشيرة إلى أن التباطؤ الملحوظ في الاقتصاد العالمي خلال النصف الأول من العام سيترجم إلى صعوبات إضافية بالنصف الثاني من 2019.
الأسعار تتراجع 20%
وكانت أسعار النفط قد دخلت في نطاق السوق الهابطة خلال الأسبوع الماضي، وذلك بانخفاض يتجاوز 20% مقارنة مع القمة الأخيرة المسجلة في نهاية أبريل (نيسان) الماضي.
وتراجع إنتاج منظمة "أوبك" عن شهر مايو (أيار) الماضي بنحو 236 ألف برميل يومياً ليسجل 29.87 مليون برميل يومياً، وهو أدنى مستوى منذ يونيو (حزيران) عام 2014.
وأشار التقرير إلى أنه إذا حافظت "أوبك" على إنتاج النفط عند المستويات الحالية، فمن المفترض أن يؤدي ذلك إلى تشديد الأسواق العالمية بشكل كبير خلال الربع الثالث من العام الحالي، مشيرة إلى أن المعروض النفطي من خارج "أوبك" يواصل الزيادة بوتيرة متسارعة.
ومن المقرر أن تعقد "أوبك" ومنتجي الخام من غير الأعضاء بالمنظمة اجتماعاً في الأيام القليلة المقبلة من أجل تحديد مستويات الإنتاج خلال النصف الثاني من العام الحالي.
وتتبع "أوبك" وأعضاء آخرون من خارجها اتفاقية لخفض مستويات الإنتاج بنحو 1.2 مليون برميل يومياً خلال الستة أشهر الأولى من عام 2019.
من التفاؤل القوي إلى التشاؤم الحاد
وبخلاف تحذيرات "أوبك"، يبدو أن الفترة المقبلة تحمل ضغوطاً صعبة تواجهها أسواق النفط، حيث أشار تقرير نشره موقع "أويل برايس"، إلى أن الأمور تتغير على نحو سريع داخل سوق النفط، وفي أقل من شهرين تحوّلت التوقعات من التفاؤل القوي إلى التشاؤم الحاد.
وأوضح أنه منذ 6 أسابيع مضت توقعت شريحة عريضة من المحللين أن تبقى أسعار النفط مرتفعة خلال باقي العام بدعم تشديد أوبك المتوقع للمعروض، والاضطرابات الجيوسياسية في مناطق إمدادات رئيسة.
ووصل الأمر بآخرين إلى توقع أن تحسن الاقتصاد والعقوبات الإيرانية قد يتسببان في ارتفاع خام "برنت" إلى 100 دولار للبرميل خلال أشهر.
ولكن مع مرور الوقت وصولاً للوضع الحالي انحدرت أسعار النفط على نحو غير متوقع، ومنذ وقتها يتداول سعر خام "برنت" بتراجع 13% عند 62 دولاراً للبرميل، أما خام "نايمكس" الأميركي فهبط بنحو 16% عند 53 دولاراً للبرميل نتيجة تضافر عدة عومل غير مواتية.
ودخلت أسواق النفط في مرحلة السوق الهابطة، متراجعة بنحو 20% عن مستويات أبريل (نيسان) المرتفعة.
وتشهد التوقعات المتشائمة تسارعاً حثيثاً في الوقت ذاته، وأحد أبرز هؤلاء المتشائمين بنك "مورغان ستانلي"، الذي يرى أن أسعار النفط محبطة نتيجة تصعيد التوترات التجارية وتباطؤ الاقتصاد وضعف الطلب بأكثر من المتوقع.
تراجع الطلب العالمي
وذكر "مورغان ستانلي" أن الطلب الآن يضعف بأسرع من المتوقع، مع تراجع الفجوة بين سعر المنتجات النفطية المكررة وبين النفط الخام، نتيجة لخليط من عوامل الاقتصاد الكلي وأخرى ذات علاقة بسوق النفط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدّد البنك الاستثماري على أن الطلب من جانب بعض المستهلكين الرئيسين، بما فيهم الولايات المتحدة والصين واليابان وكوريا الجنوبية والبرازيل والهند وتايلاند وأستراليا، شهد ضعفاً على نحو ملحوظ، حيث تمثل تلك الدول الثماني نحو 48% من الطلب العالمي على النفط.
وخفّض "مورغان ستانلي" توقعات نمو الطلب العالمي على النفط في 2019 بنحو 17% من 1.2 مليون برميل يومياً إلى مليون برميل يومياً.
كما خفّض تقديراته لسعر خام "برنت" بنحو 10 دولارات للبرميل ليتراوح بين 65 إلى 80 دولاراً للبرميل، مقارنة بنحو 75 إلى 80 دولاراً سابقاً.
في الوقت نفسه، أكد "بنك أوف أمريكا ميريل لنش" أن نمو الطلب على النفط يسير داخل أسوأ مرحلة في 6 سنوات عند مستوى أدنى من مليون برميل يومياً.
وذكر بنك "غولدمان ساكس" أن زيادة عدم اليقين في الاقتصاد الكلي وارتفاع الإنتاج الأميركي قد يعوض أي نقص سببته العقوبات الأميركية على إيران وفنزويلا.
من يتحمل المسؤولية؟
وذكر تقرير "أويل برايس"، أن البعض يلقي اللوم على زيادة الإنتاج الأميركي، وخلال الأسبوع الماضي هبط سعر خام "برنت" و"نايمكس" لأدنى مستوى منذ منتصف يناير (كانون الثاني) عند 59.45 دولار للبرميل و50.60 دولار للبرميل على الترتيب بفعل الارتفاع غير المتوقع في المخزونات الأميركية الذي يشعل المخاوف بشأن تباطؤ الاقتصاد العالمي.
ووفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن مخزونات خام النفط الأميركي والجازولين وجميع نواتج التقطير ارتفعت في الأسبوع الماضي، وذلك وسط اعتبار المحللين أن البنية الشاملة للسوق "هبوطية للغاية".
وكانت مخزونات خام النفط صادمة أكثر من غيرها، حيث ارتفعت بنحو 6.8 مليون برميل مقابل توقعات أن تتراجع بمقدار 849 ألف برميل يومياً.
ويشكل ذلك أكبر مستوى لمخزونات خام النفط منذ يوليو (تموز) 2017، وأعلى بنحو 6% من متوسطها خلال 5 سنوات.
هل هذا ما يبحث عنه "ترمب"؟
ولكن من المحتمل أن يكون ذلك هو ما يريده الرئيس الأميركي دونالد ترمب، حيث دعا مراراً إلى خفض أسعار النفط، كما طالب "أوبك" بزيادة الإنتاج.
وأيضاً من المحتمل أن يحصل ترمب على أمنيته عن طريق الصدفة فقط، حيث أن أسواق النفط محاطة بتصعيد للحرب التجارية مع إضافة الرئيس الأميركي المكسيك والاتحاد الأوروبي إلى قائمة الدول التي يعاديها تجارياً.
ومن الصعب إلقاء اللوم على (أوبك) منذ أن أصبح التكتل يفي تقريباً بمعظم حصصه بخفض الإنتاج منذ البدء في الاتفاق مطلع العام الحالي، كما أنه من المحتمل أن يمدّد الخفض حينما يعقد اجتماعه الدوري هذا الشهر أو في يوليو (تموز) المقبل.
ومن المحتمل أن يكون من الصعب إقناع الجميع بدعم استراتيجية خفض إنتاج النفط هذه المرة مع اعتراض بعض الأطراف بالفعل على تمديد التخفيضات.