تعتزم الحكومة العراقية الاستغناء عن إرسال المرضى من مواطنيها للاستشفاء في الخارج لأول مرة منذ عقود، والاستيعاض عن ذلك باستقطاب فرق طبية أجنبية لعلاجهم داخل البلاد، بعد أن كان العراق يُرسل العشرات من مرضاه إلى دول أجنبية بعد انهيار قطاعه الصحي وتراجع الخدمات الصحية المقدمة، لا سيما المستشفيات المملوكة للدولة.
وتحاول بغداد استغلال الاستقرار الأمني النسبي الذي تشهده أغلب المدن العراقية لجلب وفود طبية دولية مختلفة الاختصاصات، خصوصاً بعد نجاح التجربة في مستشفيات تابعة للقطاع الخاص في مدن بغداد وكربلاء وأربيل ودهوك والسليمانية والبصرة، حيث أسهمت في تقديم خدمات صحية لشريحة واسعة من المجتمع العراقي.
ومنذ فرض العقوبات الاقتصادية الدولية على العراق في أغسطس (آب) 1990 تراجعت خدمة المستشفيات الحكومية إلى حد كبير بسبب نقص الأدوية والمعدات على الرغم من استمرارها في العمل لتقدم خدمات محدودة، تحسنت بشكل ملحوظ بعد تطبيق برنامج "النفط مقابل الغذاء" في عام 1996، لكنها تعرضت لمشاكل كبيرة بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003 تمثلت بنهب معداتها وتدخل الأحزاب والجماعات المسلحة في اختيار الكادر الإداري الذي يعمل فيها إلى حد الإشراف على تعيين الموظفين وفق محاصصة حزبية، مما جعلها تشهد فوضى إدارية وتراجع كبير في الخدمات التي تقدمها.
وعلى الرغم من تخصيص أموال طائلة طوال الأعوام الماضية لتحسين الخدمات المقدمة في المستشفيات الحكومية، فإنها لم تشهد تطوراً واضحاً في عملها من ناحية المباني أو زيادة عدد الأسرّة لاستقبال المرضى، ما جعلها عاجزة عن التعامل مع الزخم الكبير الناتج عن ارتفاع عدد سكان العراق بنحو أكثر من الضعف، منذ بُنيت هذه المستشفيات في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
خفض الإخلاء الطبي
وقال المتحدث باسم وزارة الصحة، سيف البدر، إن "وزارة الصحة تتجه نحو تقليل الإخلاء مقابل زيادة الاستقدام للوفود الطبية"، مبيناً أن "الخطة الأبعد هي الاستغناء عن الإخلاء الطبي"، بسبب "الصعوبات التي تواجه إرسال المريض الى الخارج والمتمثلة بالجانب النفسي والاجتماعي، خصوصاً عندما يكون المريض طفلاً والمحددات الاجتماعية التي تواجه والدته عند السفر معه، والتي تتطلب اجتماعياً وجود أفراد آخرين من الأسرة أيضاً".
أقل تكلفة
وأوضح البدر، أن "الوزارة اتجهت نحو الاستقدام الطبي إلى داخل العراق، وستكون التكلفة أقل وأسهل للمريض، كونه يتعالج داخل البلاد". وأضاف أن "هناك فرقاً طبية أجنبية تعمل في بابل، وفي كربلاء في مستشفى ابن سينا". ولفت إلى أن "الاستقدام أسهل وأقل تكلفة، لتدريب الكوادر المحلية وجعلها قادرة على تطوير قدراتها في مختلف الاختصاصات الصحية، ومن ثم الاستغناء عن الفرق الطبية الأجنبية بعد اكتساب الكوادر العراقية الخبرات اللازمة"، موضحاً أن "استراتيجية الوزارة هي تقليل الإخلاء مقابل زيادة الاستقدام، ومن ثم الاستغناء عن الاستقدام والإخلاء بالتدريج".
توفير مبالغ كبيرة
بدوره، قال نقيب الأطباء العراقيين، جاسم العزاوي، إن "استقدام الأطباء سيوفر مبالغ كبيرة على الدولة العراقية في حال جلب أطباء كفؤين لإجراء عمليات معقدة". وأضاف أنه "من الضروري تجهيز المكان المناسب من خلال تخصيص بعض المستشفيات لهذا الغرض"، مؤكداً أن "هناك مستشفيات في بغداد والفرات الأوسط مؤهلة وقادرة على إجراء عمليات كبيرة بعد جلب هؤلاء الأطباء".
العمليات النادرة
وبيّن العزاوي أن "الاختصاصات التي نحتاج إليها هي العمليات النادرة التي لا يستطيع الأطباء العراقيين القيام بها، مثل الجراحات العميقة وقاع الجمجمة والنخاع الشوكي وتعديل إعوجاج الظهر وأمراض القلب الخلقية وجراحة الشرايين"، مبيناً أن "هذه العمليات بحاجة إلى استقدام أطباء أو إخلاء المرضى إلى خارج العراق".
وأشار نقيب الأطباء إلى "استقطاب بعض المستشفيات الأهلية أطباء يجرون عمليات بسيطة مثل، طبيب تجميل وعمليات لوزتين"، مشدداً على "ضرورة إعادة النظر بمواصفات الأطباء الذين يتم استقدامهم مثل اعتراف العراق بشهادتهم الطبية واختصاصاتهم، فضلاً عن أن تكون لهم تجربة وخبرة وشهادة يُدوّن فيها خبرته الطبية".
التعامل بالمثل
ودعا العزاوي السلطات العراقية إلى "التعامل بالمثل وعدم استقطاب أطباء من الدول التي ترفض أن يعمل فيها الأطباء العراقيون"، مشيراً إلى أن "الطبيب المُستقدّم يجب أن يتم التعاقد معه من قبل وزارة الصحة، وأن يكون عضواً في نقابة الأطباء ويحمل إجازة ممارسة من قبلها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
توفير الدولار
وأكد أن "استقدام أطباء على مستوى عالٍ سيوفر عشرات آلاف الدولارات، فضلاً عن أن المريض سيكون قُرب ذويه، وسيكتسب الأطباء العراقيون خبرةً نتيجة تدرُّبهم على إجراء بعض العمليات".
وتُخلي وزارة الصحة سنوياً عشرات المرضى إلى مستشفيات خارج العراق للأمراض التي لا يمكن معالجتها محلياً. وأعلن رياض الرديني، مدير قسم الاستقدام والإخلاء الطبي في وزارة الصحة في مارس (آذار) الماضي، أن "الوزارة استعدّت لإخلاء 80 مسافراً من مرضى تشوهات القلب الولادية والأورام وزراعة النخاع والكبد ومختلف الجراحات، إلى مستشفيات تركية وهندية متعاقَد معها من قبل وزارة الصحة العراقية".
البنية التحتية
من جانبها، دعت عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية السابقة، سهام موسى، إلى "توفير مستشفى في كل محافظة يضم البنى التحتية والأجهزة الطبية اللازمة لاستقطاب الفرق الطبية". وقالت موسى إن "الاخلاء الطبي يكلف وزارة الصحة أموالاً طائلة، فضلاً عن عمليات النصب والاحتيال على المرضى خارج العراق الذين يتعالجون على نفقتهم الخاصة"، مؤكدةً على "ضرورة استقطاب الفرق الطبية الأجنبية إلى العراق بدلاً من إرسال المرضى للعلاج في الخارج".
إلا أنها شددت على أن "هناك عمليات معقدة وكبيرة مثل عمليات الدماغ والقلب والكوادر الطبية المستقدَمة يجب أن تُجرى بمستفشيات متقدمة وأجهزة حديثة".
تجارب ناجحة
وأشارت موسى إلى "نجاح تجربة استقدام الفرق الطبية في بعض المستشفيات مثل مستشفى ابن سينا في بغداد والمستشفى الألماني في النجف وأخرى في البصرة، إلا أن تعميم تلك التجربة يحتاج الى جهد إضافي من الوزارة لتوفير الأجهزة المتقدمة".
ولفتت إلى "إمكانية تخصيص مستشفى في كل محافظة لاستقطاب هذه الكوادر، إذ يصعب العمل في المستشفيات القديمة التي تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، وتفتقد الإمكانات المتطورة".