يقع قصر الحير الغربي في الجنوب الغربي من مدينة تدمر، في موقع مهم يمثل التقاء طرق القوافل المارة في البادية. وتذكر المراجع أن منطقته شكلت خلال العصور القديمة والحديثة نقطة جذب دائمة للسكن والاستجمام، بسبب بعدها عن المدينة وجودة تربتها الخصبة القابلة للاستثمار في الزراعة والإنبات على نحو جيد.
تقع واجهة القصر في الجهة الشرقية، تزينها حليات معمارية وزخارف جصية وقطع نحتية، إضافة إلى أعمال فسيفسائية متنوعة المواضيع، نباتية وهندسية ونحتية. وتعتبر هذه الواجهة، التي نقلت في أربعينيات القرن الماضي إلى دمشق وأعيد تركيبها على مدخل متحف دمشق الوطني، شاهداً حياً على جمالية الفن الإسلامي.
وعثر بين أنقاض القصر على مجموعة كبيرة من الزخارف المصنوعة من الجص كانت تزين جدران القصر ونوافذه ومدخله، صممت بأشكال خطوط ودوائر هندسية ورسوم نباتية وصور أشخاص وبهائم، وعثر كذلك على رسوم ملونة يمثل البعض منها صوراً خيالية خرافية وبعضها الآخر حقيقية، وقد نقلت جميع الزخارف إلى متحف دمشق الوطني.
أنقاض دير
بني القصر في عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، على مسقط مربع الشكل تقريباً، وعلى أنقاض دير يعود إلى زمن الغساسنة، تأثرت عمارته بفنون الحضارات السابقة والمعاصرة على حد سواء، إذ تقدم اللوحات الجصية المأخوذة من القصر، والموجودة حالياً في متحف دمشق، دليلاً على التأثر بالفنون الساسانية.
أما أبراج القصر فتمثل بحد ذاتها تطبيقاً دقيقاً للعمارة البيزنطية، وكذلك ينحو تخطيطه المعماري نحو المخططات المنتشرة في بداية القرن الثامن الميلادي، التي تميزت بالتناظر في تقسيم الفراغات وتوزيع التفاصيل المعمارية. كما تأثرت بالعمارة الرافدية التي استخدمت الفراغ المركزي والمدخل الموحد والأسوار المدعمة بالأبراج للحماية.
أبراج مستديرة
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يذكر أن أبراج القصر هذه لم تأتِ مفرغة أو مزودة بفتحات حماية، لأنها لم تشيد لغايات دفاعية كالأبراج الرومانية والبيزنطية، وكانت الغاية من زخرفة السور وأبراجه إعطاء الإحساس بالضخامة والقوة لا أكثر.
الفراغات المتعددة الغرف
تقع واجهة القصر في الجهة الشرقية، وتتوسطها بوابة ضخمة يحيط بها برجان دائريان وتعلوها شرفتان كبيرتان، يلي البوابة الرئيسة رواق مقوس يقود الزائر إلى فناء وسطي مكشوف يتوسطه حوض للماء، تحيط به أروقة مسقفة تستند إلى أعمدة حجرية قديمة، وتقوم هندسة القصر على مبدأ البيوت أو الفراغات المتعددة الغرف، إذ تتوزع قاعات القصر وحجراته على شكل وحدات منفصلة، تتألف من ستة بيوت مستقل بعضها عن بعض، اثنان منها في الجهة الشرقية ومثلهما في الغربية وواحد في الشمال والأخير يقابله في الجنوب.
ويتراوح عدد الغرف والقاعات في البيت الواحد بين 8 و13 قاعة، ليبلغ مجموعها 59 غرفة، يعلو كل منها سقف محمول على قنطرة مدورة تستند إلى دعامتين ويقسم سطحها إلى قسمين، وتحوي كل قاعة مشبكات جصية تسمح بمرور النور والهواء إليها.
زود القصر كذلك بملحقات ومرافق عدة متنوعة الوظائف بنيت بجواره، أبرزها الخان والحمام والبستان والسد والجامع والطاحونة والحوض.
أول خان
على بعد عشرة كيلومترات شمال غربي القصر، بني خان خصص لاستراحة القوافل التجارية وعرض وتبادل البضائع، سمي "خان الملح"، جاء على شكل شبه مربع شيدت جدرانه من الطوب، على أساس من الأحجار المنحوتة بانتظام، تتوسطه فتحة سماوية تتوزع حولها حجرات على شكل أجنحة، يتألف كل جناح من قاعة طولية مزودة بمدخلين، ويتقدم بناء الخان فسحة يقع على شمالها رواق محمول على أعمدة، وعلى جنوبها مسجد، كما يوضع على شرقها حوض للماء.
تشير الكتابات التي دونت على عتبة باب الخان إلى اسم المشرف على بنائه، وهو ثابت بن أبي ثابت، الذي بناه بأمر من الخليفة هشام بن عبد الملك، ويصنف على أنه أول خان بني في العصر الإسلامي، إذ أصبح مثالاً لما بني بعده في العصور اللاحقة من الخانات.
البستان والحمام
أما البستان فجاء على شكل شبه منحرف، يحيط به سور مبني من الطوب على أساس من الحجر الرملي، زودت جدرانه بأبراج صغيرة للدعم، يحوي مدخلين، الرئيس منهما يتموضع في الزاوية الشرقية، ويتألف من دهليزين متتابعين يحتويان على مصاطب جانبية، وقد قسم سطح البستان إلى مربعات عدة لغرض تنظيم سقايتها، حيث تتوزع الأقنية التي تتزود بالماء من القناة الرئيسة الموصولة ببحيرة سد خربقة في أرجاء البستان.
كما تركز على بعد 30 متراً من البرج البيزنطي في الجهة الشمالية للقصر، مرفق رئيس هو الحمام، وقد جاء على شكل غير منتظم أقرب إلى المستطيل، يتألف من قسمين الأول يحوي أربع حجرات في إحداها محراب ويسمى البارد، والثاني هو القسم الحار ويضم ثلاث حجرات قائمة على شبكات التدفئة الفخارية تحت الأرض، بالإضافة إلى حجرتين تحتويان على أجهزة التسخين والماء وحجرة التنظيف، غطيت أرضيات الغرف كلها بألواح من الرخام.
وكما غيره من مرافق القصر زود الحمام بالماء بواسطة قنوات موزعة تحت الأرض، تسحب الماء من القناة الرئيسة لتوزعه على الغرف والمرافق.
السد الشلال