بدأت نتائج محاولة رئيس الحكومة الليبية المكلف، فتحي باشاغا، لدخول طرابلس تظهر سريعاً على مستويات عدة سياسية وأمنية، بعد أن سلطت الضوء على التحالفات الخفية في الغرب الليبي، وبينت موقف أغلب الأطراف من النزاع الدائر على السلطة بين حكومتي الاستقرار والوحدة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة.
أول تداعيات الأحداث الساخنة التي شهدتها العاصمة، الثلاثاء 17 مايو (أيار)، كانت تغييرات في القيادات الأمنية التابعة لحكومة الوحدة، أسقط فيها عبد الحميد الدبيبة رؤوساً كبيرة لأسباب لم يعلنها، وربطها محللون بتسهيل عملية دخول باشاغا إلى طرابلس.
كما تسبب فشل محاولة رئيس الوزراء الجديد في استلام المقرات الحكومية ومباشرة مهام حكومته من طرابلس، في استقرار رأيه على الخيار السابق في مدينة سرت كمقر حكومي مؤقت، قد يصبح دائماً ويفتح الباب من جديد للانقسام بين حكومتين يدير كل منهما نصف البلاد.
فتح تحقيق
خاطب رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، النائب العام لفتح تحقيق في الأحداث التي شهدتها طرابلس، الثلاثاء، مطالباً بـ"اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال المتسببين في حدوث أضرار لعدد من الأحياء السكنية والإدارية وبعض الفنادق، وزعزعة الأمن والاستقرار فيها".
وعلقت الحكومة في بيان لها على هذه الأحداث، قائلة إن "ما شهدته العاصمة في ساعات الصباح الأولى من يوم الثلاثاء، هو تسلل مجموعة خارجة عن القانون للمدينة في جنح الظلام في محاولة بائسة لإثارة الرعب والفوضى بين سكانها، مستخدمين الأسلحة والعنف".
وأكدت الحكومة أن "الأجهزة الأمنية والعسكرية تعاملت بمهنية وحزم مع هذا الاختراق الأمني، حتى تمكنت من إطفاء الفتنة والمحافظة على استقرار العاصمة وأمن مواطنيها".
وأشارت إلى أن "هذه الحادثة تسببت في خسائر بشرية ومادية ما زالت أجهزة الأمن والإدارة المحلية تعمل على حصرها ومعالجتها".
تغيير في القيادات الأمنية
وعلى خلفية هذه الأحداث، أعفى رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، بصفته وزيراً للدفاع، مدير إدارة الاستخبارات العسكرية اللواء، أسامة جويلي، من مهامه، وكلف المعاون بالمهام المنوطة بمدير الإدارة إلى حين تعيين مدير جديد.
وعين الدبيبة جويلي مديراً لإدارة الاستخبارات العسكرية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، وقبل القرار كان يشغل منصب آمر غرفة العمليات المشتركة المنطقة الغربية، كما شغل سابقاً، منصب وزير الدفاع في الحكومة الانتقالية برئاسة الراحل عبد الرحيم الكيب عام 2012 .
العودة إلى سرت
في المقابل، قال رئيس الحكومة الليبية المكلف فتحي باشاغا، إن "دخول حكومته للعاصمة كان سلمياً، لكنه تفاجأ بالتصعيد العسكري الخطير الذي أقدمت عليه مجموعات مسلحة تابعة لحكومة الدبيبة".
وأضاف في خطاب تلفزيوني، أنه "غادر العاصمة طرابلس حفاظاً على دماء الليبيين داخلها"، مشيراً إلى أن "الحكومة الليبية ستبدأ أعمالها من داخل سرت، بشكل مؤقت".
واتهم باشاغا جهة مالية ليبية كبيرة جداً، لم يسمها، بأنها هي من حركت الميليشيات، فجر الثلاثاء، ضده بعد دخوله إلى طرابلس، قائلاً: "على الليبيين الانتباه إلى تلك المؤسسة الليبية المالية الكبيرة التي تعمل على إفساد الأوضاع في الخفاء، ودخولنا للعاصمة كان عبر سيارات مدنية بلا أي قطعة سلاح، وهناك ثلاثة تشكيلات مسلحة هي من تسببت في اندلاع الاشتباكات بالأسلحة الثقيلة".
اصطفاف متزايد
وعلى الرغم من الأحداث الساخنة التي عاشتها طرابلس مرت بسلام، فإن تداعياتها من المتوقع أن تعقد المشهد أكثر بزيادة حالة الانقسام والاصطفاف في الغرب الليبي تحديداً، بين الداعمين للحكومة الجديدة برئاسة فتحي باشاغا، والمناصرين لنظيرتها بقيادة عبد الحميد الدبيبة.
بوادر هذا الانقسام في الشطر الغربي من ليبيا، ظهرت بوضوح في ردود فعل الأطراف البارزة من محاولة فتحي باشاغا للسيطرة على العاصمة، وكان المفاجئ فيها هو انقسام الأجسام والشخصيات التي تمثل الإسلام السياسي بشأنها، بداية ببيان "حزب العدالة والبناء" الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين.
ووصف البيان محاولة دخول فتحي باشاغا إلى طرابلس، بـ"المفاجأة غير المعلنة في خضم الجدل السياسي والقانوني حول الحكومة المكلفة من مجلس النواب، وما تبعه من ارتباك بين سلطتين تنفيذيتين بسبب ذلك، في محاولة لتسلم السلطة في العاصمة من دون أي ترتيبات قانونية وميدانية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر البيان أن "هذا الدخول تم من دون الأخذ بعين الاعتبار المآلات الخطيرة له، ما أدى إلى اشتباكات عنيفة في الشوارع كادت تتحول إلى حرب طاحنة بين أبناء الوطن، وجر العاصمة طرابلس إلى مربع الاقتتال والعنف، ما أعاد خلط الأوراق وتسبب في اضطراب المشهد السياسي".
أما الحزب الديمقراطي الذي يقوده رئيس حزب الإخوان المسلمين في ليبيا سابقاً، محمد صوان، فأصدر بياناً مغايراً تماماً في مضمونه، ودعم كلياً رئيس الحكومة الجديدة فتحي باشاغا.
وقال الحزب، في بيان، إنه "تابع بقلق شديد ما حدث، صباح الثلاثاء، في العاصمة طرابلس، من إصرار الحكومة منتهية الولاية على اللجوء إلى العنف، واستخدام القوة للاستمرار في فرض الأمر الواقع، والامتناع عن تسليم السلطة للحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب، وتحريضها واستخدامها للمجموعات المسلحة في إشعال الأوضاع وجر الأطراف إلى المواجهة المسلحة".
وأكد أن "الحل في ليبيا لن يكون إلا سياسياً، وعبر التوافق الذي تأسست بوادره بين مجلسي النواب والأعلى للدولة بإرادة ليبية خالصة، ونتج عنه إصدار التعديل الدستوري الثاني عشر وتكليف الحكومة الليبية".
الموقف الثالث البارز، الصادر عن شخصية قيادية في تيار الإسلام السياسي حاول فيه رئيس مجلس الدولة الاستشاري، خالد المشري، أن يمسك العصا من المنتصف، قائلاً إنه "ينصح باشاغا بتقديم استقالته والدبيبة بقبول التغيير لحل الأزمة الحالية".
ودعا المشري إلى "التوافق على قاعدة دستورية وحكومة مصغرة هدفها إجراء الانتخابات فقط، لأن حكومتي باشاغا والدبيبة لا تريدان الذهاب للانتخابات حتى بعد 5 سنوات".
تهديد من مصراتة
وفي موقف لافت آخر في الغرب الليبي، ومؤشر جديد على تأزم المشهدين السياسي والأمني، أكد المجلس العسكري بمصراتة، أنه "لن يقف مكتوف الأيدي في حال لم يلتزم عبد الحميد الدبيبة بسحب قواته من شوارع العاصمة".
وعبر المجلس عن "دعمه مبادرات وقرارات حكومة باشاغا، التي كان آخرها الانسحاب من طرابلس حماية لحقوق المواطنين ومنعاً لنشوب القتال، على الرغم من أن قوة تابعة لحكومة الوحدة الوطنية بدأت الرماية بالأسلحة الثقيلة وسط العاصمة. وعليه نؤكد أننا لن نقف مكتوفي الأيدي في حال لم يلتزم عبد الحميد الدبيبة بسحب قواته من شوارع طرابلس".
تعليق الجيش
وفي الشرق، علق الجيش الليبي على التطورات الأخيرة على الساحة السياسية، وقال مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الليبي، اللواء خالد المحجوب، الثلاثاء، إن "دخول رئيس الوزراء الليبي المكلف من قبل البرلمان، فتحي باشاغا، إلى طرابلس كان سلمياً"، مشيراً إلى أن "وجود المجموعات المسلحة في عدد من المناطق الليبية يعد مشكلة أمنية مستمرة".
وشدد على أن "الجيش يدرك خطورة المرحلة، ولهذا يتفادى التدخل المباشر في العاصمة من أجل مصلحة ليبيا العليا ومصلحة الليبيين، ونحن ندعم الجسم الشرعي مجلس النواب وقراراته، من دون أن نتدخل أو نكون مع أي طرف للحفاظ على المؤسسة العسكرية".