في خضم التوترات الدائرة في منطقة الشرق الأوسط وتصاعد المخاطر الجيوسياسية، تتجه الأنظار إلى اجتماع منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" المقبل في الأسبوع الأول من يوليو (تموز) بالعاصمة النمساوية (فيينا)، ومدى انعكاس الأحداث الحالية على قراراتها بشأن تمديد خفض الإنتاج.
وكانت أوبك وحلفاؤها اتفقوا العام الماضي على خفض الإنتاج بداية من يناير (كانون الثاني) تجنباً لحدوث وفرة في المعروض، وكان الاتفاق على خفض الإنتاج لستة أشهر بواقع 1.2 مليون برميل يومياً على أن يكون إنتاج شهر أكتوبر (تشرين الأول) هو خط الأساس.
وفي معرض حديثهم مع "اندبندنت عربية"، قال خبراء ومحللون نفطيون، إن "التوقعات والمؤشرات ترجّح تمديد خفض الإنتاج بين أوبك وحلفائها مثل روسيا، فيما يُعرف باسم (أوبك +)، إلى نهاية العام الحالي مع بقاء معطيات السوق الحالية دون تغيير".
وفي هذا الصدد، قال خالد الفالح وزير الطاقة السعودي، في تصريحات "من المرجّح أن تجتمع (أوبك) في الأسبوع الأول من يوليو (تموز) بفيينا، ونأمل توصل المنظمة إلى توافق بشأن تمديد اتفاقها على خفض إنتاج النفط".
وكان من المقرر أن يعقد الاجتماع الوزاري الـ176 للمنظمة في 25 يونيو (حزيران)، على أن تعقب ذلك محادثات مع حلفائها بقيادة روسيا في 26 يونيو (حزيران)، إلا أن روسيا اقترحت تعديل الموعد إلى الثالث والرابع من يوليو (تموز).
وأضاف الفالح للصحافيين على هامش اجتماع لوزراء الطاقة والبيئة في مجموعة العشرين شمال غربي طوكيو، "الطلب على النفط يرتفع عادة في النصف الثاني من العام مع عودة المصافي إلى العمل بعد توقفها بسبب أعمال صيانة وزيادة الطلب الموسمي"، مشيراً إلى "أن الاتفاق الجديد سيسهم في إعادة التوازن إلى السوق".
وتابع، "أثق تماماً بأن العوامل الأساسية تسير في الاتجاه الصحيح".
أوبك قريبة من تمديد اتفاق خفض الإنتاج
وعلى الصعيد ذاته، قال سهيل بن محمد المزروعي وزير الطاقة الإماراتي، "إن أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) قريبون من الاتفاق على تمديد تخفيضات الإنتاج".
وشدد المزروعي، في المنتدى الاقتصادي الدولي للأميركتين الأسبوع الماضي، على ضرورة أن "تظل قيود الإنتاج قائمة أو تمديدها على الأقل لنهاية العام، نظراً إلى مخزونات النفط الحالية"، مشيراً إلى أن "القرار الصحيح هو التمديد".
السعر المثالي لبرميل النفط
ومن جهته قال د. محمد الصبان، المستشار الاقتصادي والنفطي الدولي، إن "الاجتماع المقبل لـ(أوبك) والمنتجين من خارجها يعتمد على عدة عوامل، الأول النظرة إلى السعر المثالي لبرميل النفط تختلف من دول المنظمة وخارجها، فبينما تعتبر روسيا أن سعر 60 - 65 مثالياً ترى دول أوبك سعراً أعلى من ذلك، أمَّا العامل الثاني فإن هناك ضغوطاً من الشركات الروسية على حكومة بلادها بعدم تمديد الاتفاق لكثير من المبررات، ومنها إمكانية حصول الولايات المتحدة على حصص هذه الشركات في الأسواق العالمية، بينما ترى السعودية أن هناك فائضاً في الأسواق، وبالتالي هذا الفائض لا يمكن التخلص منه إلا بتمديد الاتفاق".
وتابع الصبان، "في تصوري، العامل الثالث يرتبط بالطلب العالمي على النفط، وفرص انخفاض نموه في العامين الحالي والمقبل كبيرة في ظل الأرقام التي تنبئ بإمكانية تباطؤ الاقتصاد العالمي نتيجة أسباب عديدة، وعلى رأسها الحرب التجارية بين أميركا والصين والحروب التجارية الأخرى، ولذلك هناك احتمالية لضعف نمو الطلب، في وقت تتزايد فيه معدلات إنتاج دول من خارج (أوبك) مقابل التراجع الكبير في صادرات فنزويلا وإيران بسبب العقوبات، وأيضا ليبيا، إلى حد ما، رغم محاولاتها تجاوز انخفاض إنتاجها".
وذكر، "العوامل السابقة ربما تصاحبها توترات إضافية في منطقة الخليج، لا سيما بعد حادث خليج عُمان، الذي أصاب ناقلتي نفط، وبطبيعة الحالة تسبب هلعاً في الأسعار نتيجة إمكانية قطع الإمدادات من مضيق هرمز ما يؤثر في الأسعار ارتفاعاً".
وقال الاقتصادي والنفطي السعودي إن "الصورة ضبابية والشكوك عديدة، فمن الصعب توقّع سيناريو بعد أسبوعين، لكن في حال استمرار الوضع كما هو عليه دون توترات إضافية فإن هناك فرصة لتمديد اتفاقية لتمديد اتفاق (أوبك +)، حتى لو انضمت إليه روسيا (اسمياً)، كما هو حالها في الاتفاق الحالي، الذي بدأ منذ عام 2017".
السيناريو الأقرب هو تمديد الاتفاق
في المقابل، يرى خبير النفط الكويتي كامل الحرمي، أن "التوقعات والمؤشرات الحالية تشير إلى أن السيناريو الأقرب هو تمديد اتفاق (أوبك +) لخفض إنتاج النفط حتى نهاية العام الحالي"، مشيراً إلى أن "أسواق النفط العالمية بحاجة إلى مزيد من المراقبة، كي يتسنى اتخاذ قرار متوازن في يوليو (تموز) المقبل".
وقال الحرمي، "سيناريو تمديد اتفاق خفض الإنتاج (أوبك +) سيسهم في إعادة التوازن إلى السوق"، لكنّه توقّع أن "تشهد أسعار النفط هبوطاً إلى ما دون 60 دولاراً للبرميل، مع اعتراض متوقع من جانب روسيا على تمديد خفض الإنتاج إلى ما بعد نهاية عام 2019".
المضاربة كبيرة قبل اجتماع أوبك
من جانبه، قال محمد زيدان، خبير الأسواق النفطية وكبير استراتيجيي الأسواق في شركة ثينك ماركت، إن "المضاربة ستكون كبيرة بأسواق النفط مع اقتراب اجتماع (أوبك) المقبل، وسط ما تشهده الأسواق من تقلبات بسبب تصاعد المخاطر الجيوسياسية وحوادث ناقلات النفط بالخليج العربي".
وأضاف، "عدم استقرار أسعار النفط في مستويات معينة سيجعل الرؤية غير واضحة للمتداولين في الأسواق حول قرار أعضاء (أوبك) في الاجتماع المقبل، كما أن روسيا موقفها حتى الآن غير واضح بشأن تمديد اتفاق خفض الإنتاج".
ورجَّح زيدان أنه "في ظل الظروف الحالية المستدامة، وتداول أسعار النفط عند المستويات الحالية سيكون هناك تمديد باتفاق خفض الإنتاج، وإلا فأعضاء (أوبك) والمنتجون ليسوا أصحاب القرار بالوقت الراهن، وسيكون التأثير الأكبر للسوق والتقلبات للتحكم في حركة الأسعار".
وتابع الخبير النفطي، "هناك نبرة إيجابية لتمديد اتفاق خفض الإنتاج حتى نهاية الصيف المقبل في ظل العوامل الحالية، وبشكل اقتصادي هناك سقف للأسعار لا يقبل تدخل الدول برفع الإنتاج كخام تكساس عند سعر 60 دولاراً للبرميل وبرنت 70 دولاراً، لأن أسعار النفط تكون مقبولة عند تلك المستويات، وليست لديها محفزات لتجاوزها مع تزايد مخاوف الحرب التجارية، وما يتبعها من تراجع الطلب، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وبالتالي ضغوط سلبية على أسعار النفط".
ويرى زيدان، أن "دعم المنتجين لتحسين الأسعار لا يظهر إلا عند تراجع الأسعار عند مستوى 40 دولاراً لخام تكساس، و50 دولاراً لبرنت"، مشيراً إلى أن "(أوبك) تحتاج إلى مزيد من الوقت والتريث لاتخاذ قرار سواء برفع أو خفض الإنتاج".
الرهان على إقناع روسيا بتمديد الاتفاق
من جانبه، قال أحمد الإمام مؤسس شركة أوراق للدراسات والاستشارات الاقتصادية، "مع تأثر السعودية والإمارات بالتوترات الأخيرة وباقي دول الخليج، التي تملك الحصص الكبرى بالمجموعة، يظل الرهان على إقناع روسيا من خارج (أوبك)، لتصل حصة (أوبك) في تخفيضات الإنتاج إلى 800 ألف برميل يومياً يطبقها 11 من أعضاء المنظمة بعد استثناء إيران وليبيا وفنزويلا من الخفض".
وأضاف، "الضغط الأكبر من المنتجين خارج (أوبك) سوف يجعل إمكانية خفض الإنتاج صعبة، خصوصاً مع زيادة الفرص لديهم مع توترات منطقة الخليج وارتفاع تكلفة النقل منها".
وأشار إلى أن "ذلك يعني تأثير السعودية والإمارات في التفاوض مع روسيا وإقناعها أن استمرار الحصص المخفضة لفترة أخرى أفضل لجميع المنتجين مع اتجاه أسعار النفط إلى الارتفاع 4.5% الفترة الماضية، والأكثر استفادة الدول خارج منطقة الخليج لعدم تحمّلها تكلفة الشحن والتأمين الإضافية المصاحبة للتوتر الحالي".
أسعار النفط ما زالت مقبولة
وعلى الرغم من تطورات الأحداث الحالية، يرى حسام الغايش العضو المنتدب لشركة أسواق لإدارة المحافظ الاستثمارية، أن "أسعار النفط ما زالت مقبولة لكل الأطراف، سواء المنتجين أو المستهلكين، وبالتالي هناك حاجة إلى مد اتفاق الخفض، لأن زيادة الإنتاج ستدفع الأسعار إلى الانخفاض بشدة في ظل حاجة كل الدول المنتجة للحفاظ على هذه المستويات لدعم خطط التنمية الاقتصادية لديها في الأعوام المقبلة"، متوقعاً "أن يحافظ أعضاء (أوبك) على اتفاق خفض الإنتاج في الاجتماع المقبل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف الغايش، "أسعار النفط تأثرت من أحداث التوترات والتعرض لناقلات النفط بخليج عمان وبالقرب من مضيق هرمز، الذي هددت إيران بإغلاقه في وجه الملاحة النفطية بعد العقوبات الأميركية ضدها".
وتعقد منظمة أوبك، التي تتحكم من خلال أعضائها في أكثر من ثلاثة أرباع احتياطي النفط العالمي، اجتماعاتها العامة مرتين في السنة، وتُحدد المنظمة في تلك الاجتماعات الحصص الإنتاجية لكل دولة من الدول الأعضاء.
وحسب ميثاقها، يمكن أن تدعو المنظمة إلى اجتماعات طارئة حال احتياجها إلى مناقشة أمور عاجلة أو استثنائية.
وتؤثر قرارات المنظمة فيما يخص الحصص في توازن العرض والطلب، وبالتبعية الأسعار العالمية، وتنسق المنظمة مع عدد من كبار المنتجين غير الأعضاء، بغرض الإبقاء على المعروض متناسباً مع الطلب وضمان عدم انهيار الأسعار، وتنشر منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) تقارير الأسواق بشكل شهري وسنوي.
تراجع الطلب
وفي التقرير الأخير لـ"أوبك" خفَّضت توقعات ارتفاع الطلب على النفط إلى 1.14 مليون برميل يومياً في 2019، وأوضحت في تقريرها الشهري أنها "قللت توقعات ارتفاع الطلب على النفط بمقدار 70 ألف برميل يومياً في 2019".
وأبقت المنظمة على توقعات نمو الاقتصاد العالمي عند 3.2% خلال العام الحالي، كما خفَّضت توقعات الطلب على خام "أوبك" من 31.6 إلى 30.5 مليون برميل يومياً خلال العام الحالي.