تم في المملكة المتحدة إطلاق أول منظمة وطنية تستهدف حماية الحقوق المدنية للأفراد السود وتعزيز العدالة والإنصاف لهم.
المؤسسة التي أطلقت عليها تسمية "منظمة العدالة للسود" Black Equity Organisation (BEO) أسهمت في تأسيسها شخصيات ذات أصول أفريقية، هي من الأكثر نفوذاً في البلاد في عالم الأعمال والقانون والفنون والعدالة الاجتماعية، بمن فيها وزير الخارجية في حكومة الظل "العمالية" المعارضة ديفيد لامي، والنائب والأكاديمي ديفيد أولوسوغا، والمديرة التنفيذية كارين بلاكيت، ورائدة الأعمال فيفيان هانت (تحمل لقب "دام") والمخرج الفني كوامي كوي أرماه.
ويؤمل أن تحظى هذه المنظمة بالمستوى نفسه من الأهمية التي اكتسبتها "الجمعية الوطنية لتقدم الملونين" National Association for the Advancement of Coloured People (NAACP) في الولايات المتحدة، التي كان قد أسسها تقدميون من أصول أفريقية في عام 1909.
ديفيد لامي الذي عمل سابقاً في مجال المحاماة قال لـ"اندبندنت": "نحن بحاجة لمنظمة وطنية للحقوق المدنية، تكرس نفسها للنضال في الأوقات الجيدة والسيئة".
وأضاف: "في سن الشباب، كانت مرحلة نشوئي في السبعينيات والثمانينيات كفرد أسود، مسألة صعبة، فقد كنت أعاني يومياً من العنصرية سواء في المدرسة، أو من جانب الشرطة، أو على شاشات التلفزيون. وشهدت بنفسي على نشأة "الجبهة الوطنية" National Front (حزب سياسي يميني متطرف في المملكة المتحدة)".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتابع العضو في البرلمان عن دائرة توتنهام قائلاً: "على الرغم من اليأس، كنت دائماً آمل أن يتحسن مستقبل السود في بريطانيا. فإنه بعد "فضيحة ويندراش" (مجموعات من المهاجرين أتوا من دول أفريقية وكاريبية إلى بريطانيا على متن سفينة تحمل الاسم نفسه، وتعرضوا للاحتجاز والحرمان من حقوق أساسية، وتم ترحيلهم على الرغم من امتلاكهم الحق في المكوث بصورة شرعية في المملكة المتحدة)، وحريق "برج غرينفل" (غرب العاصمة البريطانية، التهمت النيران نحو 200 مسكن فيه، وتسببت في وفاة 72 شخصاً فيما بقي مئات الأفراد من سكانه بلا مأوى)، ومآس أخرى لا نهاية لها، بات من الواضح أن التقدم كان بطيئاً للغاية".
وأشار إلى أنه "بعد وفاة جورج فلويد (أميركي من أصل أفريقي قتل على يد شرطي في مدينة مينيابوليس في ولاية مينيسوتا الأميركية)، التقى بريطانيون سود وبيض معاً للتعبير عن شعورهم بالإحباط من أوجه التقصير المختلفة في المملكة المتحدة، في التعامل مع مشكلة العنصرية. وقد حان الوقت الآن للانتقال من الاحتجاج إلى العمل".
وأضاف ديفيد لامي: "أفخر بأن أكون جزءاً من منظمة ستكون رائدة في الكفاح من أجل العدالة والمساواة بين الأعراق. وستكون ’منظمة العدالة للسود’، رمزاً للنضال والأمل بالنسبة إليهم وإلى حلفائهم في مختلف أنحاء هذه البلاد، في الوقت الذي نخطو فيه الخطوة التالية في النضال ضد حال عدم المساواة العرقية".
يشار إلى أن "منظمة العدالة للسود" تحظى منذ الآن بدعم بعض الشركات الرائدة بما فيها "سكاي" Sky التلفزيونية، وعدد من شركات المحاماة الرائدة في البلاد.
يأتي إطلاق المنظمة بعد نحو عام من نشر "لجنة العرق والتفاوتات الإثنية" Commission on Race and Ethnic Disparities (CRED)، المدعومة من الحكومة البريطانية، تقريراً لقي استنكارا على نطاق واسع، بعد أن أشار إلى أن العنصرية المؤسسية غير موجودة في المملكة المتحدة.
وفي تناقض واضح مع خلاصات اللجنة، جرى تأسيس "منظمة العدالة للسود" على خلفية أن العنصرية في النظام ليست موجودة فحسب، بل تصيب ببلاياها ملايين الأشخاص في مختلف أنحاء بريطانيا.
العنصرية المنهجية في النظام البريطاني، وإرث السياسات المتعاقبة، والمواقف التاريخية، تترجم في معاناة نحو 50 في المئة من الأطفال السود في بريطانيا من حال فقر، وفي واقع أن الأمهات السود هن أكثر عرضة للوفاة أثناء الولادة بأربعة أضعاف عن غيرهن، وفي أن السكان من أصول سوداء كانوا في ذروة تفشي وباء "كوفيد-19"، 4 مرات أكثر احتمالاً لأن يموتوا بـ"كورونا" من أقرانهم البيض.
"منظمة العدالة للسود" التي أعلن عن إطلاقها عشية الذكرى الثانية لمقتل الأميركي جورج فلويد (25 مايو)، والموجة العالمية من الاحتجاجات المناهضة للعنصرية التي تلت ذلك، ستركز على المجالات الرئيسة التي يواجه فيها السود أكبر مقدار من عدم المساواة، بما فيها الاقتصاد والتعليم والسياسة والعدالة الجنائية والرعاية الصحية والإسكان.
وفي المستقبل، تخطط المنظمة للعمل والتكامل مع أنشطة منظمات شعبية ومؤسسات المجتمع المحلي وجمعيات خيرية أخرى، سبق أن تعاملت مع هذه القضايا على مدى عقود من الزمن، بهدف "إحداث التغيير المنشود".
وستعمل على استخدام مختلف الأدوات المتاحة لضمان مساواة السود مع غيرهم، بما في ذلك اللجوء إلى المقاضاة عند الحاجة لمواجهة العنصرية في النظام، أمام المحاكم ومن خلال موظفين معينين مثل "مدير العدل" (مسؤول عن القانون المدني والجنائي والمحاكم والخدمات القانونية)، المكلف مساعدة الأشخاص السود في الحصول على المشورة القانونية والتمثيل.
رئيسة أمناء "منظمة العدالة للسود" الـ"دايم" فيفيان هانت قالت: "نحن فخورون بإطلاق منظمة BEO، التي تعد أول منظمة بريطانية وطنية تدافع عن الحقوق المدنية للسود في المملكة المتحدة".
وأضافت هانت: "نحن ملتزمون التصدي لمجموعة كاملة من التحديات في النظام التي تواجه السكان البريطانيين من أصول سوداء، وسنساعد كلاً من السود وجميع البريطانيين على تحقيق كامل إمكاناتهم. إننا نحترم وندعم المنظمات الشعبية والوطنية والحليفة في جميع أنحاء البلاد، ونعمل في شراكة معها لإحداث تغيير حقيقي".
ويتوقع أعضاء مجلس إدارة "منظمة العدالة للسود" أن تكون هناك تحديات أمامهم، لكن أحد أعضاء المجلس كوامي كوي أرماه قال لـ"اندبندنت"، إن حقيقة إطلاق المنظمة، تشير في حد ذاتها "إلى حدوث تبدل نحو الأفضل".
ويضيف المدير الفني لمسرح فنون الأداء "يونغ فيك" Young Vic أن "هذه اللحظة تتعلق بجيل من الناس، وسيسجل التاريخ أن أفراداً وقفوا وعملوا على تفكيك العنصرية في النظام. سنتعاون مع منظمات المجتمع والناشطين والأشخاص خارج المجتمع، لتحقيق ذلك".
وتابع قائلاً: "أظهر التاريخ ثانياً أن المسؤولين في السلطة غالباً ما يتخلفون عن الركب عندما يرتبط الموضوع بتغيير اجتماعي، ولا يختلف الوضع عندما يتعلق الأمر بإنصاف السود، لكنني لست قلقاً. فحقيقة وجودنا هنا تشكل دليلاً على أن الرياح آخذة في التحول".
وقال كوي أرماه، إنه "في ما يتعلق بالتحديات الأخرى، فإننا ندرك أن التغيير يحدث عندما نعمل معاً، على نقيض أولئك الذين يرغبون وسط المناخ الاجتماعي الراهن، في بث الفرقة ونشر الخوف. وتعرف منظمتنا أنه عندما نحقق أهدافنا وننجح، فإن الفائدة ستعم على الجميع. من هنا، فإننا سنعمل في شراكة مع الآخرين لتحقيق أهداف مشتركة، بما في ذلك التعاون مع الحكومة حيثما أمكن، لمعالجة المشكلات التي تؤثر على مجتمعات السود. فنحن على يقين من أننا سنكون أقوى إذا ما تحركنا معا".
إضافة إلى الأسماء المذكورة أعلاه، يضم أيضاً مجلس أمناء "منظمة العدالة للسود" رائد الأعمال ريك لويس، والمحامية المرافعة في العدالة الاجتماعية مارسيا ويليس ستيورات (تحمل لقب "كيو سي" QC القانوني أو مستشارة الملكة)، والناشطة في مجال الإعاقة ميشيل دالي، ورائدة الأعمال الاجتماعية إيفون فيلد، والمحامية ميراندا غريل، والمؤسس المشارك لمنظمة "محافظون ضد العنصرية ومن أجل المساواة" Conservatives Against Racism for Equality شيفان آرونز. أما العضو الأصغر سناً في مجلس الأمناء فهو النائب الشاب السابق أيثيان أكيتش البالغ من العمر 19 عاماً.
© The Independent