كشف مصرف ليبيا المركزي عن حجم النفقات العامة في الربع الأول من العام الحالي، في إطار سياسة الإفصاح والشفافية الجديدة التي تبناها أخيراً، بضغط دولي، وأثارت الأرقام الخاصة بنفقات المؤسسة السياسية في الدولة جدلاً كبيراً، بسبب توسعها على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة، التي تمر بها البلاد.
وبحسب تقرير المركزي، فإن حجم الإيرادات بلغ 37.4 مليار دينار (7.7 مليار دولار) والنفقات 22.9 مليار (5 مليارات دولار)، بإجمالي 52.9 مليار (11 مليار دولار تقريباً)، فيما كانت استخدامات النقد الأجنبي 10.286 مليار دولار، كما بلغت قيمة مبيعات النقد الأجنبي للمصارف أكثر من خمسة مليارات دولار، مع سرد تفاصيل الإنفاق للمؤسسات الحكومية والجهات التابعة لها كافة.
اعتماد كلي على النفط
وكشف بيان مصرف ليبيا المركزي، الذي شمل الفترة من الأول من يناير (كانون الثاني) 2022 إلى 30 أبريل (نيسان)، أن إيرادات مبيعات النفط، التي بلغت 37.4 مليار، شكلت المصدر الرئيس لدعم الخزينة العامة.
وكان الجزء الأكثر إثارة للجدل في التقرير هو المتعلق بمصاريف المؤسسات العامة، حيث بلغت مصروفات مجلس النواب والجهات التابعة له 250.4 مليون دينار، والمجلس الأعلى للدولة 14.2 مليون دينار، والرئاسي والجهات التابعة له 131.354 مليون، ومجلس الوزراء والجهات التابعة له 222.6 مليون، والمالية والجهات التابعة لها 7.165 مليار، ووزارة الدفاع والجهات التابعة لها 1.082 مليار.
وتسببت هذه الأرقام في انتقادات شعبية كبيرة، ظهرت جلياً في تعليقات رواد مواقع التواصل، التي اعتبرت هذه النفقات مبالغ فيها، خصوصاً في ظل الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي يكابدها المواطن.
محل استغراب
وكانت الجهة الرسمية الوحيدة، التي علقت على تقرير المصرف المركزي بشأن مصروفاتها في الربع الأول من العام الحالي، هو المجلس الرئاسي، الذي فند حقيقة الأرقام التي وردت فيه.
وقالت الناطقة باسم المجلس الرئاسي، نجوى وهيبة، إن "الأرقام المتعلقة بالمجلس الرئاسي في بيان المصرف المركزي، والبالغة نحو 151 مليون دينار، بالنسبة لنا محل استغراب".
وأضافت، "بالنسبة للمجلس الرئاسي المؤسسة التي يحدد قيمة مصروفاتها هي مؤسسة ديوان الرئاسة، وبالنسبة لهذه المؤسسة النقاط المسجلة لدينا والمعروفة والموثقة هي نفقات من الباب الأول المرتبات البالغة نحو 3 ملايين، والباب الثاني نحو 16 مليوناً".
وطالبت وهيبة المصرف المركزي بـ"توضيح تفاصيل الرقم المعلن عنه في ما يتعلق بنفقات المجلس، وعبرنا عن ذلك في الاجتماع الذي حضره محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير ورئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك، ومجموعة من الشخصيات السياسية الأخرى".
توسع في زمن الضيق
أستاذ الاقتصاد، علي جمعة، وصف بيانات الإنفاق، التي كشف عنها المصرف المركزي، بـ"الصادمة"، معتبراً ما صرفته المؤسسة العامة "توسعاً مبالغاً فيه في زمن الضيق الذي يعيشه الليبيون".
واعتبر جمعة أن "صرف 5 مليارات دولار تقريباً في أربعة أشهر على مؤسسات سياسية عاجزة عن حل أي أزمة تمر بها البلاد، بل هي سبب رئيس في هذه الأزمات، أمر يدعو للسخرية".
وتساءل قائلاً، "ماذا قدم المجلس الرئاسي مثلاً لليبيين لكي يصرف عليه 150 مليون دينار في ربع عام، وكيف يسمح بذهاب أكثر من نصف الإيرادات المحصلة على هذه الأجسام التي لا يقدم وجودها ولا يؤخر شيئاً".
تقليل المؤسسات السياسية
من جهته، طالب الصحافي الليبي، محمد الكواش، بـ"ضرورة الإسراع بتقليل عدد المؤسسات السياسية في البلاد، وحل مشكلة الانقسام الحكومي، لأنها تضاعف النفقات بلا عائد ملموس على حال المواطن والبلاد".
وأشار إلى أن "كل دول العالم بها مؤسسات قليلة متعارف عليها هي مؤسسة تشريعية يمثلها البرلمان وحكومة تابعة له، ونحن لدينا إضافة لهما حكومة موازية ومجلس رئاسي ومجلس للدولة، من دون أن تكون هناك حاجة حقيقية لكل هذه الأجسام، التي تستنزف مصروفاتها مليارات الدولارات سنوياً، ومن دون أن تسهم في حل مشكلاتنا السياسية والاقتصادية، بل هي تعقدها حقيقة".
انتقادات للمركزي
لم يسلم مصرف ليبيا المركزي وسياسته الجديدة للشفافية، التي أعلن عنها، من الانتقادات، حيث اعتبر رئيس هيئة الرقابة الإدارية، عبد السلام الحاسي، أن "شفافية مصرف ليبيا المركزي بطرابلس ناقصة، فيما هو لا يزال مستمراً في إيقاف منظومة المقاصة عن المصرف المركزي بنغازي".
وقال الحاسي، "عن أي شفافية يتحدث المركزي في ظل غياب مجلس إدارته عن قيادته ومتابعة عمله، وهل الشفافية والإفصاح تعنيان استمراره في إيقاف المنظومة عن المصرف المركزي بنغازي، وإيقافه المقاصة عن عدد من المصارف التجارية التابعة له؟".
وأضاف، "هل الشفافية والإفصاح تعني عدم عدالته في توزيع السيولة، وعلى تجاوزه لنائبه وإحاطته عن اجتماعاته مع البنك الدولي وغيره من المؤسسات المالية الدولية والبعثات الدولية وسفارات الدول المتدخلة في الشأن الليبي، وهل الشفافية والإفصاح تعنيان الانفراد بالقرارات التي يتخذها مخالفاً بذلك التشريعات المنظمة لعمله، ناهيك بتدخله في السياسات المالية والتجارية للدولة؟".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مخالفات في التقرير
أما المحلل الاقتصادي، محمد الشحاتي، فرأى أن "التقرير من ناحية اقتصادية ينقصه أهم شيء، وهو تقرير مباشر عن السياسات النقدية خلال المدة المحددة، ويأتي في مقدمتها تطورات سعر صرف الدينار الليبي ومحاربة التضخم، وهو حقيقة ما يهم أكثر المواطنين من المصرف المركزي".
وتابع، "من ناحية مالية، فإن البيان يتداخل مع سلطات وزارة المالية، التي يجب أن يأتي منها حجم الإيرادات وحجم الإنفاق، حيث إن المصرف لا يملك من السلطات الإجبارية وفقاً للقانون لتقوم الأجهزة التنفيذية بإعلامه بذلك، باستثناء اطلاعه على حركة حسابات هذه السلطات، فعلى سبيل المثال لا يستطيع المصرف المركزي أن يقرر حجم العوائد النفطية إلا باطلاعه على حركة حسابات المؤسسة الوطنية للنفط في المصرف الخارجي التابع له، وهو أمر يشوبه عديد من الشكوك والحسابات والتسويات ولا يعكس أبداً الصورة الحقيقية".
وخلص إلى أنه "من الناحية القانونية، فإن هذا الإفصاح عن حسابات الحكومة بهذا الشكل يتعارض مع مبدأ سرية الحسابات، ولا يعطي سمعة جيدة عن الحركة المصرفية في ليبيا، ولا يقوم بها أي مصرف مركزي عبر العالم".
اجتماع حاسم في سرت
في شأن آخر، دعا رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إلى اجتماع مرتقب مع المؤسسات المالية والاقتصادية والرقابية، بما فيها المصرف المركزي ومؤسسة النفط وديوان المحاسبة، الثلاثاء، في سرت، يرى مراقبون أنه قد يحدد مسار الأزمة الليبية في المستقبل القريب.
وقال المتحدث باسم مجلس النواب، عبد الله بليحق، إن "الاجتماع سيتم خلاله تدارس مشروع قانون الموازنة الجديدة للدولة". وأوضح، "سيتم خلاله تدارس مشروع قانون الموازنة العامة للدولة المقدم من حكومة الاستقرار برئاسة فتحي باشاغا، قبل البت فيه من مجلس النواب خلال الفترة القريبة المقبلة، وهو اجتماع وليس انعقاد جلسة للمجلس".
وبين أن "الاجتماع سيكون بحضور رئاسة مجلس النواب ولجنة التخطيط والمالية والموازنة العامة بالمجلس ورئيس مجلس الوزراء ووزير التخطيط والمالية وعدد من المؤسسات ذات العلاقة، مثل مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي وهيئة الرقابة الإدارية وديوان المحاسبة ومجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط وهيئة مكافحة الفساد".