يقترب التصويت السري لنواب حزب المحافظين الحاكم، لاختيار مرشحين اثنين من العشرة المتقدمين بحلول 22 يونيو (حزيران) لخلافة رئيسة الوزراء تيريزا ماي في زعامة الحزب ورئاسة الحكومة، من نهايته.
ويطرح المرشحون على أعضاء الحزب بشكل عام (160 ألف عضو) في أنحاء البلاد لاختيار الفائز الذي يتولى رئاسة الحكومة بنهاية يوليو (تموز).
ويواجه رئيس الحكومة البريطانية الجديد تحديات كبرى تدور كلها حول الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) في الموعد الجديد نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول). وعلى الرغم من الوعود الاقتصادية للمرشحين الرئيسيين، وكذلك موقفهما من البريكست، فإن التوقعات تشير إلى صيف ساخن اقتصاديا في بريطانيا واحتمالات كبيرة باستمرار انكماش اقتصاد البلاد في النصف الثاني من العام الحالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انكماش اقتصادي
مع بدء اختيار خليفة لرئيسة الوزراء، أصدر مكتب الإحصاء الوطني البريطاني أرقام شهر أبريل (نيسان) عن أداء الاقتصاد، وأظهرت انكماشا في النمو أكبر مما توقعه المحللون، إذ بلغت نسبة التراجع في أبريل 0.4% مقارنة بشهر مارس (آذار)، الذي شهد أيضا انكماشا بنسبة 0.1%.
في التفاصيل، تراجع الناتج الصناعي البريطاني في أبريل بنسبة 2.7% بينما تراجع قطاع التصنيع بنسبة 3.9%، هي الأكبر منذ يونيو 2002. لم يشهد قطاع الخدمات نموا ولا انكماشا، لكن قطاع البناء والتشييد تراجع بنسبة طفيفة (0.4%)، وواصلت العملة البريطانية (الجنيه الإسترليني) التراجع أمام الدولار لتفقد 0.4% من قيمتها أمام الدولار الأميركي.
وأرجع المحللون ذلك إلى التراجع الشديد في إنتاج السيارات الذي هبط بنسبة 24% في أبريل نتيجة إغلاق معظم المصانع مبكرا (غالبا ما تغلق سنويا في الصيف) بسبب عدم اليقين بشأن البريكست.
كذلك تباطأ تخزين وتكديس السلع والمنتجات تحسبا لبريكست بدون اتفاق بعد تأجيل موعد الخروج من الاتحاد الأوروبي من 29 مارس إلى 31 أكتوبر، ما أدى إلى تراجع التصنيع.
ومع أن الأرقام الشهرية قابلة للتعديل عند حساب نمو الناتج المحلي الإجمالي ربع السنوي، إلا أن أغلب المحللين يتوقعون استمرار التراجع في الاقتصاد البريطاني في النصف الثاني من العام الحالي. ومعدل النمو الآن لا يتجاوز 0.3% (نمو الربع الأول "يناير (كانون الأول) إلى مارس (آذار) كان 0.5%) والتوقع ألا يزيد نمو الاقتصاد عن 0.2%، بل إن البعض يعتبر ذلك تقديرا متفائلا.
وعود اقتصادية
حين أطلق المرشحون العشرة من حزب المحافظين حملتهم لخلافة ماي تضمّنت وعودا اقتصاديا بخفض الضرائب، وزيادة الإنفاق. وصفها كثيرون بأنها "خيالية"، وفقا لوصف اقتصاديين بريطانيين موثوقين، لا بحسب مرشحين منافسين في إطار حملة دعاية مضادة.
وربما كان وعد المرشح الأوفر حظا، وزير الخارجية السابق وعمدة لندن السابق بوريس جونسون، بخفض الضرائب وعدم دفع التزامات بريطانيا في اتفاق البريكست لأوروبا 39 مليار جنيه إسترليني (نحو 50 مليار دولار) الوعد الاقتصادي الأبرز والأكثر شططا في الوقت نفسه.
وتبدو هذه الوعود مرهونة بما أعلنه كل مرشح من قدرته على إعادة التفاوض مع الأوروبيين على اتفاق البريكست، رغم أن الاتحاد الأوروبي أعلن بحزم أن الاتفاق غير قابل للنقاش. كما يحتاج أي رئيس حكومة جديد لموافقة البرلمان على أي تغييرات ضريبية أو في الإنفاق عبر الاستدانة، ومع الانقسام الذي يشهده مجلس العموم في الأشهر الأخيرة يصعب تصور إمكانية تحقيق أي من تلك الوعود بسهولة.
أما الوعود باتفاقات تجارية بين بريطانيا وشركائها في العالم، بعيدا عن الاتحاد الأوروبي فمرهونة بالبريكست وكيف سيتحقق: باتفاق أم بدون اتفاق. وربما كان اتفاق للتجارة بين بريطانيا والولايات المتحدة الهدف الأهم لأي مرشح، وإن كان الأميركيون يفضلون برويس جونسون رئيسا للحكومة حسب ما أعلن الرئيس دونالد ترمب صراحة، لكن هذا الاتفاق غير مضمون العائد على الاقتصاد البريطاني في أفضل الأحوال.
مواقف المرشحين
يتفق كل المرشحين على ضرورة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ووعد أغلبهم بإعادة التفاوض مع الاتحاد على اتفاق جديد غير الذي توصلت إليه تيريزا ماي مع بروكسل.
في ظل رفض الأوروبيين لفتح باب التفاوض، يصبح خيار البريكست بدون اتفاق أكثر احتمالا، وبالطبع يتحمس لذلك أنصاره في استفتاء 2016، وفي مقدمتهم بوريس جونسون ومايكل غوف. أما جريمي هنت، وهو من المحافظين الذين صوتوا ضد البريكست، فإنه ملتزم بتنفيذ نتيجة الاستفتاء وإن كان بالطبع يفضل أن يتم ذلك بالتنسيق مع الأوروبيين. لكنه وعد "بأنه إذا لم يكن هناك مفر من بريكست بلا اتفاق فسينفذه على مضض".
ربما كان روري ستيوارت، وزير التنمية الدولية، هو المرشح الذي أعلن بوضوح أن بريكست بدون اتفاق "أمر كارثي، وغير ضروري، وصعب التنفيذ".
إلا أنه مع تصدر جونسون وهنت، واحتمال منافسة غوف ودومينيك راب، يبقى خيار البريكست بدون اتفاق أكثر احتمالا إذا ظل موعد الخروج في نهاية أكتوبر، ولم يتمكن رئيس الوزراء الجديد من تمديد المهلة مرة أخرى.
أما من يتصور أنه بالإمكان استبعاد البريكست بدون اتفاق بشكل ملزم للحكومة، فقد كانت نتيجة التصويت على مقترح حزب العمال المعارض قبل أيام مؤشرا على أن ذلك غير ممكن.
بوريس جونسون
الأكثر تحمسا للبريكست بدون اتفاق، أو موافقة الاتحاد الأوروبي على حذف البند المتعلق باستمرار شكل من أشكال الاتحاد الجمركي لتفادي مشكلة الحدود الجمركية بين أيرلندا الشمالية وبقية المملكة من ناحية ومع جمهورية أيرلندا (الباقية ضمن الاتحاد الأوروبي) من ناحية. وتعرف تلك الفقرة بما يسمى "الباب الخلفي" أو Backstop ولا تستقيم اتفاقية الخروج بدونها كما ترى أوروبا.
ويرى بوريس جونسون أن "أفضل طريقة للوصول لاتفاق جيد هو الاستعداد للخروج بدون اتفاق". لكن من الواضح أنه يقلل من أهمية التأثير السلبي للبريكست بدون اتفاق، الذي يجمع الخبراء على أنه يمكن أن يؤدي إلى تراجع الاقتصاد البريطاني ككل بما يصل إلى 10% في السنوات المقبلة.
كذلك وعد جونسون بعدم دفع التزامات بريطانيا للاتحاد الأوروبي "حتى تتضح الرؤية" حول مستقبل العلاقة بين الطرفين.
ومن شأن ذلك بالطبع أن يعقد أي تفاوض مع الأوروبيين ويجعل مخاطر الخروج بدون اتفاق أشد وطأة على بريطانيا منها على أوروبا.
جريمي هنت
يرى أن خيار البريكست بدون اتفاق ليس الأفضل، لكنه سيفعل ذلك إذا كان الخير الوحيد لتنفيذ نتائج الاستفتاء. مع ذلك، يرى أن بالإمكان التفاوض على تعديل اتفاقية البريكست مع الأوروبيين قبل موعد 31 أكتوبر.
ويقترح جريمي هنت تعديل بند الباب الخلفي الخاص بأيرلندا الشمالية وليس إلغاءه، وقال "إنه إذا أصبح رئيسا للحكومة سيرسل وفدا إلى بروكسل للتفاوض مع الاتحاد الأوروبي". وحسب تصريحاته "ناقش مع عدد من المسؤولين الأوروبيين موضوع الحدود الجمركية مع أيرلندا الشمالية، ولمس تفهما منهم".
ويبدو من المواقف العامة لوزير الخارجية أنه مع خروج يضمن اتفاقا أفضل مع الاتحاد الأوروبي، ويحافظ على حقوق الأوروبيين الموجودين في بريطانيا، ويضمن أيضا استمرار استفادة بريطانيا من كثير من الهيئات الأوروبية في مجالات مختلفة".