لم تلق المبادرة السياسية التي أطلقها رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج الأحد لحل الأزمة في ليبيا، أي ردود فعل رسمية أو اهتمام القيادة العامة لــ"الجيش الوطني" بقيادة المشير خليفة حفتر أو مجلس النواب (مقره مدينة البيضاء، شرق ليبيا) الذي يرأسه عقيلة صالح. وطرح السراج ظهر الأحد، مبادرةً سياسية لحل الأزمة من ست نقاط، أهمها الدعوة إلى ملتقى ليبي بالتنسيق مع بعثة الأمم المتحدة، وتُمثَل فيها جميع مكونات الشعب الليبي، ويجري خلاله الاتفاق على القاعدة الدستورية المناسبة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة قبل نهاية العام الجاري.
آراء متباينة
لكن تصريحات فردية لمسؤولين في الحكومة المؤقتة (شرق) وبعض النواب، عبرت عن رفضها لــ "المبادرة"، فيما وصفها رئيس الحكومة المؤقتة عبد الله الثني بــ "مبادرة الوقت الضائع"، بينما قوبلت بترحيب من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في إطار تشجيع المجتمع الدولي ليبيا على اعتماد "الحل السياسي".
كما تباينت آراء المهتمين بالشأن الليبي حيال المبادرة، ففي وقت اعتبرها يوسف المشري، أحد قياديي حراك "لا للحرب الأهلية"، "خطوةً جيدة في ظل استمرار نزيف الدم في صفوف شبابنا ما يدفع إلى القبول بأي تنازل"، لم يرَ منصور سلامة، رئيس الجمعية الليبية لدراسة السياسات (أهلية)، أنها مبادرة بالمعنى الصحيح فــ "هي تسجيل موقف فقط ومحاولة من السراج لتأكيد مزاعمه بأنه رجل سلام ووفاق"، و"ربما أراد أن يقصي من خلالها المشير حفتر بالدعوة إلى تعدد المشاركين من دون أن يشير حتى ضمناً إلى موقع الجيش الذي لا يبعد عن مكان السراج سوى بضع كيلومترات".
وتساءل سلامة "كيف تكون مبادرة للحل وخلت تماماً من حل للاشتباك جنوب طرابلس، بل خلت حتى من الإشارة إليه، فهل سيتم وقف النار والمعارك؟ وما هي التنازلات التي قدمتها الحكومة لقبول الجيش بذلك؟"، واصفاً المبادرة بــ "العقيمة ولن تنجب شيئاً سوى محاولة كسب الوقت فقط ورهان على تغيّر نسبي في الموقف الدولي الذي يمكن أن يكون طوقاً لنجاتها".
ورجّح سلامة أيضاً أن يكون السراج مدفوعاً بــ "المأزق العسكري الذي تعانيه قوات جنوب طرابلس، فأعلن عن مبادرته وهي في حقيقة الأمر محاولةً لإيجاد مخرج له".
"لا علاقة بالميدان"
لكن المتحدث الرسمي باسم قوات "حكومة الوفاق" مصطفى المجعي نفى أن يكون للمبادرة أي علاقة بالميدان. وصرح المجعي لـ" اندبندنت عربية" أن "السراج اقترح حلاً للأزمة من جانب سياسي ولكن الاقتراح لا علاقة له بسير المعركة على الأرض فهي مستمرة"، مشيراً إلى أن "الأوامر صدرت بالتوقف لساعات في انتظار أي ردة فعل من الطرف الآخر بالموافقة مثلاً وعندها ستكون لنا شروط أهمها انسحاب القوات الغازية من جنوب طرابلس وعودتها إلى مواقعها الأصلية".
ولفت المجعي خلال حديثه إلى أن "الاقتراح الحكومي لم يشمل وقف النار، لذلك فهو متعلق بالشأن السياسي وقبول حفتر به يرتب عليه الحديث عن شروط وقف إطلاق النار في ما بعد".
أما المشري، فأكد تفاؤله بشأن المبادرة، قائلاً "أعتقد أن توصيفها الحقيقي بخريطة طريق، جاءت محدَدة المعالم والملامح وفق نصها، أفضل من تسميتها بالمبادرة. والحكومة تمتلك شرعية دولية لوضع خريطة مثل هذه كونها حكومة وفاق وطني". وأشار إلى أن طرفي القتال تورطا في مأزق عسكري يؤكده الجمود الميداني، "وبالتالي يتوجب على الجيش والبرلمان قبول المبادرة ومناقشتها وطلب تعديلها لتسجيل موقف وطني، أما المضي في المراهنة على الحل العسكري، فهو أمر مكلف جداً ولا يؤكده الواقع المستمر منذ شهرين جنوب العاصمة من دون أن يتمكن الجيش من التقدم خطوة واحدة". لكن جملة من التساؤلات رُصدت حول بنود المبادرة منها عن طبيعة الجهة المخولة اختيار المشاركين في الملتقى المقترح، كما أنها لم تحدد آلية "توفير الشروط الأمنية لإجراء الانتخابات" على الرغم من أنه لا تفصلنا عن تنظيمها سوى ستة أشهر، في وقت لم تتحدث المبادرة عن شروط الحكومة لوقف النار كخطوة أولى لتهيئة المناخ العام للانتخابات.
ونشر المكتب الإعلامي لحكومة الوفاق قبل إعلان السراج عن مبادرته، خبراً عن لقائه قادة محاور القتال جنوب العاصمة لــ "اعتماد المرحلة الجديدة من خطة مواجهة القوات المعتدية على العاصمة". كما نقل المكتب الإعلامي لحكومة الوفاق لوكالة "رويترز" بعد إعلان السراج مبادرته بساعات نقيض مضمونها، تأكيده رفضه السابق لــ"حفتر شريكاً سياسياً"، مشدداً "لن أجلس مع حفتر مرة أخرى". كما حمل نص المبادرة، عبارات يمكن وصفها بــ"الاستفزازية" كنعته "الجيش الوطني" بـــ "ميليشيات حفتر".
وكان مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة أكد قبل يومين ضرورة إطلاق مبادرات من طرفي الصراع. وأضاف خلال مؤتمر صحافي مشترك في تونس مع وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي أنه التقى "السيد حفتر منذ 10 أيام مطولاً وأمضيت الأسبوع الماضي أتحاور مع أركان حكومة الوفاق وقلت لهم: آن الأوان كي يعلن الطرفان المتخاصمان ليس فقط وقفاً لإطلاق النار بل إطلاق المبادرات"، وأكد "أستطيع أن أقول لكم إنكم قد تسمعون من الطرفين خلال الأيام المقبلة تنفيذاً لما طلبته منهم". إلا أن تصريحات رئيس مجلس النواب عقيلة صالح عكست تراجعاً عن قبول العودة إلى المسار السياسي الذي أشار إليه رئيس الحكومة المؤقتة عبد الله الثني، خلال لقاء أجرته معه قناة الحرة الأميركية في منتصف مايو (أيار) الماضي. وشدد صالح على "عدم إمكانية إجراء محادثات سلام قبل السيطرة على العاصمة"، رافضاً خلال لقاء صحافي الأسبوع الماضي، أي اقتراح بانسحاب الجيش الوطني أو الموافقة على وقف إطلاق النار. واعتبر أن "الحل السياسي يجب أن يكون في كل الأحوال بعد تحرير العاصمة".