كشفت دراسة تحليلية جديدة أظهرت حدة تكلفة المعيشة في بريطانيا عن أن العائلات تواجه ارتفاعاً قدره 400 جنيه استرليني (نحو 499 دولاراً) في تكاليف السلع الأساسية كالتدفئة وبدلات الإيجار والطعام.
ووجدت الدراسة بأن العائلات المنخفضة الدخل التي لديها طفلان هي من بين الأكثر تأثراً بهذا الوضع، إذ تواجه ارتفاعاً في تكلفة المعيشة ناهز 13 في المئة سنوياً متخطياً بأشواط المعدل الرسمي البالغ تسعة في المئة.
ويعزى سبب ذلك بشكل أساسي إلى أن هذه العائلات تنفق أكثر من غيرها على الوقود والطعام وهي سلع شهدت أعلى معدل ارتفاع في الأسعار. وأفادت مؤسسة جوزيف راونتري الخيرية (JRF) بأن العائلات المنخفضة الدخل هي الأكثر والأسرع تضرراً مقارنة بالعائلات الأخرى.
ويأتي ذلك بعد أن أدى التضخم المتزايد إلى تراجع قيمة مدفوعات المزايا (مدفوعات المزايا المخصصة للعائلات المتعثرة) إلى أدنى مستوى لها منذ عام 1982. وفي حين يتوقع أن يبلغ التضخم نسبة 10.25 في المئة في وقت لاحق من العام الحالي، ارتفعت مدفوعات المزايا بنسبة 3.1 في المئة وحسب بعد أن رفضت الحكومة إقرار زيادة في مدفوعات الائتمان الشامل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويترافق هذا مع إزالة زيادة قدرها 20 جنيهاً استرلينياً في الأسبوع للائتمان الشامل، وهو قرار تم اعتماده خلال جائحة كورونا ويأتي بعد عقد من تطبيق تخفيضات حقيقية على مدفوعات المزايا.
واحتسبت مؤسسة جوزيف راونتري ما تحتاج إليه العائلات للتوصل إلى "معيار الدخل الأدنى" وهو عبارة عن مقياس طوره الأكاديميون في جامعة لوبورو.
ويرتكز هذا القياس على سلع يعتقد الشعب بشكل عام أنه بحاجة إليها لتحقيق مستوى معيشي مقبول نسبياً. ومن هذا المنطلق، ارتفعت تكلفة السلع الغذائية الأساسية بنسبة 9.3 في المئة وهي نسبة تتخطى بشكل ملحوظ الرقم الرسمي الذي سجل 6.7 في المئة. كما ارتفعت تكلفة رعاية الأطفال 6.7 في المئة بحسب الدراسة.
ومن الناحية النقدية، تقدر مؤسسة جوزيف راونتري بأن العائلات تنفق نحو 120 جنيهاً استرلينياً (نحو 149 دولاراً) إضافية شهرياً على الطاقة و90 جنيهاً استرلينياً (نحو 112 دولاراً) على النقل الذي يشمل الوقود و65 جنيهاً استرلينياً (نحو 81 دولاراً) على حاجات رعاية الأطفال.
فايث أنغويت هي أم لولدين، في الثانية والخامسة من العمر، وهي من بين السكان الذين تأثروا بهذا الوضع. تشارك فايث في دراسة "كوفيد رياليتيز" أو "وقائع كوفيد" (Covid Realities) التي تجريها جامعة يورك لتوثيق حياة ذوي الدخل المنخفض في المملكة المتحدة.
وتقول أنغويت إن الأمر يزداد صعوبة من حيث التكلفة، خصوصاً بعد تقليص المصروف في عدد من المجالات وارتفاع الأسعار بشكل متزايد. وتضيف "إذا قمت بتقطيع القماش لدرجة لم يعد لديك ولا حتى أي خيوط، ما الذي يفترض بك فعله؟".
وتكافح أنغويت لموازنة مسؤوليات رعاية أولادها ودراستها لكي تصبح مساعدة مدرسة. وهي تحصل على مزايا شاملة ولكنها تصف الأمر بالمعاناة لتغطية التكاليف الأساسية كالإيجار والتدفئة. وتتابع قائلة "يذهب القسم الأكبر من المال لدفع الفواتير ومن ثم يكون الأسبوعان الأخيران من كل شهر بغاية الصعوبة. أستخدم طرقاً عديدة لتدبر الأمور. في بعض الأحيان، يذهب الأولاد إلى نوادٍ بعد المدرسة حيث يحصلون على بعض الفاكهة أو ما شابه".
تزور أنغويت حالياً بنوك الطعام لكي تضمن حصول ولديها على ما يكفي من الطعام. وتضيف قائلة "الأمر مرهق للغاية".
وفي سياق متصل، تقول طيبة صديقي، وهي عاملة أساسية في هيئة خدمة الصحة الوطنية (NHS) وأم عازبة وإحدى الناجيات من العنف المنزلي، بأن القسم الأكبر من راتبها ينفد في اليوم الأول من حصولها عليه. "أفكر في نفسي قائلة كيف سيكفي لثلاثين يوماً؟". وتضيف بالقول "أنا أعمل ولا يمكنني تحمل تكاليف الحاجات الضرورية لي ولابني البالغ 11 سنة من العمر. يحتاج إلى حذاء للمدرسة وأنا أحتاج أيضاً إلى حذاء للعمل. ليس بوسعي تحمل تكلفة أي منهما، فأي حذاء هو الأكثر إلحاحاً؟".
وتضيف أن صحتها النفسية تتراجع وتشعر بأنه ليس لديها أحد من أفراد أسرتها في المملكة المتحدة بوسعها اللجوء إليه. "أعتقد بأنني امرأة قوية ولكنني الآن، للمرة الأولى، أشعر أنه لم يعد بوسعي التحمل. لا يمكنني النوم في الليل. لم يرتفع راتبي بعكس تكاليف المعيشة التي ارتفعت وحدها. كان تسوق الأغراض الأساسية يكلفني 20 جنيهاً استرلينياً (نحو 25 دولاراً) وسرعان ما ارتفع فجأة إلى 35 جنيهاً (نحو 43.7 دولار) أو 40 جنيهاً (نحو 50 دولاراً). أتكلم هنا عن الحليب والخبز والأغراض الضرورية وليس عن الكماليات". وتابعت قائلة "بوسع الأولاد أن يشعروا بقلق أهاليهم. يعيش الأهل العازبون معاناة حقيقية وأنا لست الوحيدة في هذا. يجب أن توضع أنظمة دعم خاصة طبقاً لظروف مختلف الأشخاص".
وفي هذا الإطار، يعلق مات بادلي، كبير الباحثين في جامعة لوبورو، قائلاً بأن الأرقام الأخيرة تكشف عن "زيادة دراماتيكية في حاجات الأسر التي لديها أولاد لكي تتمكن من تلبية الحاجات الأساسية والاستمرار في العيش ضمن مجتمعنا". وأضاف قائلاً "تمثلت الزيادة الصارخة في تكلفة الطاقة المنزلية، ومن المتوقع أن يشهد هذا الجانب زيادة إضافية في وقت لاحق من العام الحالي. نتيجة لهذه الزيادات، سيتوجب على عديد من الأسر تقليص إنفاقها واتخاذ قرارات صعبة بشأن الأمور التي يمكنها التخلي عنها والحاجات التي تمنحها الأولوية. لا يجدر بالعائلات في المملكة المتحدة في عام 2022 أن تجبر على اتخاذ قرارات كهذه مطلقاً".
© The Independent