تواجه هيئة الانتخابات في تونس، التي عين رئيس الجمهورية قيس سعيد، أعضاءها الجدد في التاسع من مايو (أيار) الماضي، جملة من الضغوط من أجل استكمال الاستعدادات اللوجيستية والفنية، ومن أجل نشر مشروع نص الدستور وطرحه على التونسيين للاطلاع عليه، ولتمكين مكونات المجتمع المدني والأحزاب ووسائل الإعلام من مناقشته والتداول بشأنه.
وبينما تتعرض الهيئة لنقد عدد من المنظمات والجمعيات الناشطة في المجال الانتخابي، بسبب تأخر نشر القوائم الانتخابية وعدم جاهزية المراكز الفرعية للتسجيل، التي تفتقر إلى المواد الأساسية، تؤكد الهيئة استكمال استعداداتها لهذه المحطة الانتخابية المهمة في تاريخ تونس المعاصر.
الهيئة غير جاهزة
رئيس الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات (عتيد) بسام معطر، أكد في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "هيئة الانتخابات غير جاهزة لموعد الاستفتاء، على الرغم من المراسيم الصادرة في هذا الشأن"، وقال إن "إضراب القضاة ودعوتهم لعدم المشاركة والترشح لعضوية الهيئات الانتخابية الفرعية سيخلق إرباكاً بالنسبة إلى الهيئة في إدارة الاستفتاء".
وأضاف معطر أن "عمليات تسجيل الناخبين تواجه صعوبات بسب نقص المعدات، إذ يتم التسجيل على الأوراق من دون اعتماد الوسائل التكنولوجية الحديثة".
ويعتبر رئيس جمعية "عتيد" أن "المسار الانتخابي لا يحترم المعايير الدولية، فإن تغيير تركيبة هيئة الانتخابات في سنة انتخابية، وتعيين أعضائها من قبل رئيس الجمهورية، يفقدهم استقلاليتهم"، مشدداً على "وجود إرادة سياسية قوية لإنجاح موعد 25 يوليو (تموز)".
وأشار معطر إلى أن "الجدول الزمني مضغوط، ولا يسمح للأحزاب السياسية والمنظمات وبقية مكونات الشعب التونسي التداول في مشروع الدستور الجديد، قبل اتخاذ قرار القبول أو الرفض"، محذراً من أن يكون "الاستفتاء غطاء لتزكية الدستور الجديد".
المحافظة على الاستقلالية
ومن جهته، اعتبر مرصد "شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية" (منظمة رقابية)، في بيان أمس الاثنين 6 يونيو (حزيران) 2022، أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات غير جاهزة لإنجاز مسار الاستفتاء في 25 يوليو 2022"، إضافة إلى "غياب أي معلومات عن سير عملية التسجيل".
وأشار المرصد إلى أنه لاحظ "عدم جاهزية غالبية مراكز التسجيل، علاوة على غياب المعدات اللازمة والضرورية وغياب اللافتات الدالة على وجود مراكز التسجيل وضعف تكوين الأعوان في عملية التسجيل، إضافة إلى عدم امتلاكهم أي معلومات عن الاستفتاء".
وأكد المرصد أن "تدخل السلطة التنفيذية ذات المصلحة في الاستفتاء، واعتمادها في التشريع الانتخابي ولو بصفة ’المشرع الاستثنائي‘، في ظل وجود قانون انتخابي ساري المفعول، يجعلان مسار الاستفتاء خارج المعايير الدولية".
ودعا إلى "تفعيل سلطة الهيئة الترتيبية في المجال الانتخابي، وأن تحافظ على استقلاليتها، وعلى الحد الأدنى من الممارسات الفضلى الانتخابية، وألا تتوسع في طلب التدخلات التشريعية، من سلطة التشريع الاستثنائية، التي هي في الوقت ذاته سلطة تنفيذية لديها مصلحة في الاستفتاء".
كما أوصت شبكة "مراقبون" في بيان، الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، "بنشر قائمة مراكز تسجيل الناخبين بشكل نهائي للعموم وبإيقاف عمليات التسجيل اليدوي للناخبين وبضرورة توفير المعدات اللازمة لحسن سير عملية تسجيل الناخبين وصحتها".
اكتساب الخبرة
في المقابل، أكد عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات محمد التليلي المنصري في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن الهيئة راكمت من التجربة في الانتخابات السابقة ما يؤهلها لإجراء الاستفتاء في موعده وفي أحسن الظروف".
واعتبر أن "الاستفتاء يتطلب كلفة أقل في الموارد البشرية والمالية وإدارته أسهل من الانتخابات التشريعية أو الرئاسية".
وشدد على أن "القرارات الترتيبية جاهزة وعمليات التسجيل في الانتخابات على الرغم من بعض الصعوبات باتت ممكنة بشكل آلي، وتعمل الهيئة على إضافة مليونين وثلاثمئة ناخب ليبلغ السجل الانتخابي تسعة ملايين ونصف المليون ناخب"، مضيفاً أن "الهيئة ستعمل على اعتماد الملاحظين في غالبية مراكز الاقتراع لمتابعة ومراقبة سير الانتخابات".
وأشار المنصري إلى أن "قرارات ومداولات مجلس الهيئة تنشر بشكل دوري، ومن حق المجتمع المدني نقد الهيئة التي تتفاعل مع كل الملاحظات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الاستفتاء في موعده
وخلص عضو هيئة الانتخابات إلى أن "الاستفتاء سيكون في موعده 25 يوليو 2022، والهيئة تأمل في مشاركة واسعة في هذا الموعد الانتخابي بعد حملة كبرى للتنبيه لأهمية المشاركة".
ومن جهته، يرى أستاذ القانون العام رابح الخرايفي في تصريح خاص أن "جميع شروط إجراء الاستفتاء متوافرة، على غرار التسجيل والاطلاع على قائمات الناخبين، علاوة على أن الهيئة اكتسبت خبرة كافية لإدارة الانتخابات، لأن أعضاءها سبق أن أداروا الانتخابات السابقة التشريعية والرئاسية والبلدية".
وقال إنه "لا وجود لأي موانع لإجراء الاستفتاء، الذي سيكون في موعده"، مضيفاً أن "الهيئة ستكون مسنودة بأجهزة الدولة، من خلال توفير الاعتمادات وتأمين عمليات الاقتراع من قبل قوات الأمن، وستتولى الوحدات العسكرية نقل المواد الانتخابية".
ولفت الخرايفي إلى أن "المدة المتاحة لمناقشة مشروع الدستور، قبل يوم الاستفتاء من قبل وسائل الإعلام ومكونات المجتمع المدني كافية لتفسير الدستور الجديد وتقديمه للتونسيين".
المرجعية الإسلامية
وكان منسق الهيئة الوطنية الاستشارية لإعداد دستور "الجمهورية الجديدة" الصادق بالعيد أعلن في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية أنه "سيعرض على الرئيس قيس سعيد، مسودة لدستور لن تتضمن ذكر الإسلام كدين للدولة، بهدف التصدي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية على غرار حركة النهضة".
وينص الفصل الأول من الباب الأول للمبادئ العامة لدستور 2014 على أن "تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها".
وأكد بلعيد، وهو أستاذ جامعي ومتخصص في القانون الدستوري (83 سنة) عيّنه سعيد في 20 مايو 2022، للإشراف على هيئة لإعداد مسودة من أجل تنقيح الدستور، أن "80 في المئة من التونسيين ضد التطرف، وضد توظيف الدين من أجل أهداف سياسية، وهذا ما سنفعله تحديداً وسنقوم بكل بساطة بتعديل الصيغة الحالية للفصل الأول".
ويرى أن الهدف من عدم ذكر الإسلام هو "التصدي للأحزاب السياسية، التي تتخذ الدين مرجعية، على غرار حركة النهضة التي كانت لها أكبر الكتل البرلمانية قبل قرار سعيد حل البرلمان".
وقال "لدينا أحزاب سياسية أياديها متسخة، أيها الديمقراطيون الفرنسيون والأوروبيون شئتم أم أبيتم، فنحن لا نقبل بأشخاص وسخين في ديمقراطيتنا".
وأوضح أن "النهضة وأحزاباً أخرى تخدم كثيراً من القوى أو الدول أو الدويلات الأجنبية التي تمتلك أموالاً كثيرة، وتريد إنفاقها كما يحلو لها وتوظفها للتدخل في شؤون الدول. هذه خيانة".