عاد فرقاء ليبيا إلى طاولات الحوار في عواصم دول الجوار لاستئناف المفاوضات بهدف الوصول إلى حل توافقي ينهي أزمات البلاد الكثيرة على المستويين السياسي والأمني والدستوري، وسط تململ شعبي من توتر الأوضاع على جميع المستويات، وعودة الانقسام الحكومي الذي بدأت آثاره تظهر على حياة المواطن على المستويين الخدمي والاقتصادي.
وفي الوقت الذي يتجهز مجلسا النواب والدولة لاستئناف المفاوضات خلال الجولة الحاسمة بالمسار الدستوري في القاهرة، التي ستناقش النقاط الخلافية التي رُحلت من الجولة السابقة، استأنفت اللجنة العسكرية اجتماعاتها في تونس بعد انقطاع لأشهر عدة، لمناقشة الترتيبات الخاصة بتنفيذ الاتفاقات المعلقة منذ عامين وعلى رأسها اتفاق خروج القوات الأجنبية وتوحيد الجيش، بينما ذهب رئيس الوزراء ووزير الدفاع بحكومة الوحدة في طرابلس عبد الحميد الدبيبة وعدد من قادته العسكريين إلى مدينة أزمير التركية للمشاركة في مناورات عسكرية.
استئناف المسار العسكري
واستضافت تونس الجلسة العامة لمجموعة العمل الأمنية من أجل ليبيا بحضور جميع أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة "5+5" ورؤساء المجموعة المشاركين عن المملكة المتحدة وتركيا وإيطاليا وفرنسا والاتحاد الأفريقي،
وناقشت الجلسة مسألة مراقبة وقف إطلاق النار ونزع السلاح وتوحيد الجيش وحل الميليشيات المسلحة وخروج القوات الأجنبية، والمضي قدماً في تنفيذ كل الاتفاقات المعلقة منذ بداية العام الماضي.
وقالت مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة في شأن ليبيا ستيفاني وليامز إن "الاجتماع شدد على أهمية ضمان الحفاظ على الاستقرار والهدوء في ليبيا".
وأضافت، "أجرينا نقاشات قيمة في شأن مراقبة وقف إطلاق النار ونزع السلاح والتسريح وسبل المضي قدماً بالنسبة إلى عمل لجنة (5+5) بحضور ممثلين عن حكومات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا وألمانيا ومصر وتركيا، لمناقشة آخر التطورات في ليبيا".
وبينت أنه "تم الاتفاق خلال اللقاء على الدعم والدفع لتنظيم الانتخابات في أقرب فرصة ممكنة على أساس متين وإطار دستوري توافقي، في سبيل تحقيق تطلعات الشعب الليبي في انتخاب من يمثله".
وكان الفريق الممثل للجيش في بنغازي باللجنة العسكرية جمد مشاركته فيها بداية العام الحالي احتجاجاً على وقف مرتبات منتسبي المؤسسة العسكرية في المنطقة الشرقية من قبل حكومة الوحدة التي يقودها عبدالحميد الدبيبة.
من تونس إلى القبة
وقبل أيام قليلة من استئناف المفاوضات في المسار الدستوري بالقاهرة بين ممثلين عن مجلسي النواب والدولة، وساعات من لقائها اللجنة العسكرية في تونس، حطت المبعوثة الدولية الأميركية ستيفاني ويليامز في مدينة القبة شرق بنغازي للقاء رئيس البرلمان عقيلة صالح وبحث كل هذه المستجدات المتسارعة.
وأوضح رئيس المركز الإعلامي لرئيس مجلس النواب عبدالحميد الصافي أن "اللقاء بحث المسار الدستوري ومساعي الوصول إلى تعديل النقاط الخلافية بمسودة الدستور ضمن اجتماعات القاهرة، وأكد خلالها رئيس مجلس النواب دعمه الكامل للمسار الدستوري والتوافق الحاصل بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة للوصول إلى انتخابات وطنية شاملة في أقرب وقت".
وبحسب الصافي فقد تمسك صالح خلال اللقاء بموقفه من النزاع الحكومي الحالي، قائلاً إن "رئيس البرلمان أكد للمستشارة الأممية أن الحكومة الليبية برئاسة فتحي باشاغا هي الحكومة الشرعية المنبثقة من مجلس النواب، وأنه دعا النواب إلى عقد جلسة رسمية خلال الفترة المقبلة في مدينة سرت دعماً لعمل الحكومة من هناك، لتتمكن من ممارسة مهماتها بحرية بعيداً من أي ضغط".
وأضاف، "وأطلعت المستشارة الأممية رئيس مجلس النواب على نتائج سلسلة الاجتماعات التي عقدت في تونس، بما في ذلك اجتماعات مجموعة العمل الأمنية الدولية في شأن ليبيا التي تضمنت نقاشات مع اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) وممثلين عن المجتمع الدولي، والذين أعربوا عن دعمهم الموحد لاستكمال العمل على المسار الدستوري".
من جهتها، قالت وليامز في بيان "التقيت رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في مدينة القبة لمناقشة خطط الجولة الأخيرة من محادثات اللجنة المشتركة لمجلسي النواب والدولة في القاهرة الأسبوع المقبل، والتي تهدف إلى وضع الإطار الدستوري اللازم لنقل البلاد إلى انتخابات وطنية شاملة في أقرب وقت ممكن".
وتابعت، "كان اللقاء فرصة لاطلاع رئيس البرلمان على ما جرى في سلسلة الاجتماعات التي عقدت في تونس، وشددت على الدعم الكامل لاستكمال العمل على المسار الدستوري".
تركيا تستضيف الدبيبة
وفي زيارة حملت كثيراً من الدلالات التي خضعت لنقاش كبير في ليبيا، وصل رئيس الوزراء ووزير الدفاع بحكومة الوحدة في طرابلس عبدالحميد الدبيبة وعدد من قادته العسكريين إلى مدينة أزمير التركية للمشاركة في المناورات العسكرية التركية (EFES2022) بمشاركة ما يزيد على 25 دولة من بينها ليبيا.
وبحسب المكتب الإعلامي لحكومة الوحدة في طرابلس، "عقد الدبيبة اجتماعاً فنياً مع وزير الدفاع التركي خلوصي آكار بحضور رئيس الأركان العامة الفريق محمد الحداد، وتركز الاجتماع على دعم برامج التدريب والتطوير للجيش الليبي ومناقشة التعاون بين البلدين بحضور رؤساء الأركان الجوية والبحرية والجوية وآمري المناطق العسكرية وعدد من مديري الإدارات بوزارة الدفاع".
وخضعت الزيارة لكثير من التحليل لدلالاتها في ليبيا، واستشراف الموقف التركي الذي بدا مبهماً تجاه التطورات السياسية الأخيرة، خصوصاً موقفها من النزاع على رئاسة الحكومة بين الدبيبة ورئيس الوزراء المكلف من البرلمان فتحي باشاغا.
واعتبر المرشح البرلماني محمد بزازة أن "توجيه الدعوة إلى عبدالحميد الدبيبة لحضور هذا الحدث العسكري في تركيا بهذا التوقيت لم تأت من فراغ، بل فيه تلميح لأي طرف تميل أنقرة بين الرجلين المتنازعين على السلطة في ليبيا حالياً".
وقال بزازة لـ "اندبندنت عربية" إن "الدلالات التي تحملها الزيارة لا تتركز فقط في الشخص الذي وجهت إليه الدعوة، بل في طبيعة الوفد الذي رافقه إلى تركيا وضم كبار القادة العسكريين". مستدركاً، "أعتقد أن في ذلك إشارة واضحة بأن تركيا لن تقف متفرجة إذا سعى أي طرف إلى محاولة دخول طرابلس بالقوة العسكرية من جديد، كما فعل باشاغا أخيراً، خصوصاً مع استمرار وجودها العسكري في العاصمة الليبية".
تهويل في التأويل
الناشطة السياسية رحاب الغرياني رأت أن "التأويلات التي فسرت بها زيارة الدبيبة وقادته العسكريين إلى تركيا غلب عليها التهويل كما تعودنا في كثير من الأحداث المماثلة خلال السنوات الماضية، بسبب حدة الاصطفاف بين الفرقاء السياسيين والموالين لهم".
وأشارت الغرياني إلى أن "الدعوة التي خصت بها تركيا الدبيبة أمر طبيعي باعتباره ما زال رئيس الحكومة الليبية التي يعترف بها العالم، مع عدم حسم النزاع على رئاسة الحكومة مع منافسه فتحي باشاغا، ولا تعبر عن انحياز تركي له كما يحاول أن يصور بعضهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع استمرار الفوضى السياسية والأمنية في ليبيا وعودة التوتر بين أطراف النزاع خلال الأشهر الأخيرة، حثت وزارة الخارجية الأميركية رعاياها على تجنب السفر إلى ليبيا ضمن بلدان عدة أخرى لدواع أمنية، وأعلنت في بيان صحافي لها تحديث إرشادات السفر لنحو 10 دول مختلفة، وصنفت ليبيا في المستوى الرابع للدول المعرضة للخطر. وأشارت إلى أن" الجريمة والإرهاب والاضطرابات المدنية والاختطاف والنزاع المسلح في ليبيا من بين الأسباب الرئيسة لتجنب السفر إليها".