ما إن استبشر اليمنيون بعودة النشاط الجوي لمطار العاصمة اليمنية صنعاء بواقع رحلتين أسبوعياً، إلا وبرزت شكاوى شعبية من نوع آخر تتعلق باقتصار السفر على فئات معينة من الناس، جراء جملة من الاشتراطات التي فرضتها ميليشيات الحوثي على الراغبين بمغادرة البلاد.
وعلاوة على سلسلة من المصاعب التي تقف أمام اليمنيين وحقهم في حرية السفر والتنقل، وبخاصة القادمون من مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران وما تحمله من قيود قانونية دولية، فرضت الميليشيات الحوثية شروطاً على المدنيين الراغبين بالسفر عبر مطار صنعاء تلزمهم بضرورة التسجيل والموافقة المسبقة مما يسمى "اللجنة الطبية العليا"، وهو كيان جديد يتبع الميليشيات.
السفر بشروط
ومع إعلان الحكومة الشرعية والتحالف العربي الداعم التزامهم الهدنة الأممية المعلنة مطلع أبريل (نيسان) الماضي، وبنودها التي تنص على استئناف الرحلات التجارية من وإلى مطار صنعاء، أقرت ميليشيات الحوثي من خلال بيان أصدره رئيس ما يسمى "اللجنة الطبية العليا" مطهر الدرويش، وضع آلية مخصصة للراغبين بالسفر، تتضمن وضع أولوية للجرحى المقاتلين من عناصر الجماعة وقادتها بمعدل 30 في المئة في مقاعد الرحلات المقررة بموجب الهدنة ما يعني، وفقاً لمراقبين، حرمان كثير من الحالات الحرجة للمرضى المدنيين، الذين تلقوا نبأ فتح مطار صنعاء أخيراً، باستبشار عارم.
وبررت "اللجنة الطبية" إجراءاتها إلى كون "عدد الحالات المرضية المسجلة لدى اللجنة يبلغ 35 ألف مريض، وهؤلاء بحاجة للسفر إلى الخارج" من خلال الرحلتين الأسبوعيتين، واللتين من المفترض أن تكون إحداهما إلى القاهرة، والأخرى إلى عمان.
وفي تأكيد لتكريس هذه الإجراءات، قال وزير النقل في حكومة الحوثيين، عبد الوهاب الدرة، إنهم وقعوا محضر اتفاق مع اللجنة الطبية العليا وهيئة الطيران المدني والخطوط الجوية اليمنية لتخصيص 30 في المئة من مقاعد الرحلات المقبلة للحالات المرضية.
وأشار إلى أنه تم التوقيع، الخميس 9 يونيو (حزيران)، على محضر بين اللجنة الطبية العليا وهيئة الطيران المدني والخطوط الجوية اليمنية لتخصيص 30 في المئة من المقاعد في كل الرحلات التجارية خلال الفترة المقبلة للحالات المرضية، و70 في المئة للطلاب والمسافرين والمغتربين.
وأضاف، "لن نقبل بآلية مكتب المبعوث الأممي بصنعاء لاعتماد الرحلات وإعطاء التصاريح، لأنها أدت إلى تعثر الرحلات خلال الهدنة السابقة، ولم ينفذ منها سوى ست رحلات للعاصمة الأردنية عمان، ورحلة واحدة بعد جهود مضنية إلى القاهرة".
وهو ما اعتبره مراقبون تضييقاً على حق المواطنين في السفر على قدم المساواة مع اتهامات للحوثيين بفرض أسماء معينة، والمتاجرة بتذاكر السفر من خلال بيعها في السوق السوداء استغلالاً لحاجة مئات المرضى المضطرين لتلقي العلاج في الخارج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إذ أكد أحد المرضى، الذي فضل عدم ذكر اسمه، كي يتمكن من الحجز من إحدى نقاط البيع التابعة للخطوط اليمنية بصنعاء، اشترطت عليه الميليشيات الحوثية ضرورة الحصول على موافقة طبية أو تقرير مسبق مما يسمى "اللجنة الطبية" التابعة لها، فضلاً عن فرض مبالغ مالية بخلاف رسوم تذكرة السفر المعتمدة من قبل طيران اليمنية التي تعتبر الأغلى، وتبلغ نحو 700 دولار من صنعاء إلى العاصمة الأردنية عمان والعودة".
وأضاف أن "هذه الإجراءات تتم فيما غالبية طالبي السفر من فئة المرضى أو الطلاب ممن حالتهم صعبة للغاية".
وللمرة الأولى منذ أكثر من ست سنوات، أقلعت أول رحلة تجارية من مطار صنعاء في 16 مايو (أيار) الماضي إلى العاصمة الأردنية عمان، بموجب اتفاق الهدنة الأممية بين الأطراف اليمنية التي دخلت حيز التنفيذ في 2 أبريل الماضي، لمدة شهرين، وتم تمديده لشهرين إضافيين في آخر يوم من انتهائها (قبل ستة أيام).
تبعتها في الأول من يونيو الحالي، أول رحلة من مطار القاهرة إلى صنعاء، بعد موافقة السلطات المصرية إثر وساطات أممية ودولية، حيث كانت ترفض القاهرة اعتماد وثائق السفر الصادرة عن الميليشيات الحوثية في صنعاء.
وتفرض شركة "الطيران اليمنية" الناقل الجوي الحصري من وإلى اليمن، جملة من الإجراءات للسفر في رحلات الهدنة، منها الحصول على فيزا مسبقة للحجز إلى الأردن على أن يكون بحوزة المسافر مبلغ 1500 دولار حتى وصوله مطار عمان.
"اليمنية" تلتزم
من جانبه، أقر مدير عام الإعلام في شركة الخطوط الجوية اليمنية، سلام جباري، بالإجراءات التي فرضتها السلطات الحوثية الأخيرة التي تشترط الموافقة المسبقة من اللجنة التابعة للجماعة.
وقال، إنه "وفقاً لاجتماع مع وزير النقل (في حكومة الحوثيين بصنعاء حيث المقر الرئيس للشركة) تم تشكيل لجنة طبية تقرر وضع الأولوية في السفر للحالات المرضية الأشد".
وأضاف في حديث لـ"اندبندنت عربية"، "نحن ملتزمون بهذا الإجراء آملين في زيادة عدد الرحلات في الفترة المقبلة لنتمكن من استيعاب الطلب المتزايد للراغبين بالسفر"، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل.
مكابدات حق السفر
وفي الأول من الشهر الحالي، استبشر مئات المرضى والطلاب بفتح خط صنعاء القاهرة، إلا أنهم أصيبوا بخيبة أمل جراء الاشتراطات الحوثية التي تربط حقهم في السفر بموافقة مسبقة.
ويضطر الراغبون بالسفر خارج اليمن إلى الانتقال براً إلى مدينتي عدن (جنوب) أو سيئون التابعة لمحافظة حضرموت (شرق)، باعتبار أنهما المنفذان الجويان الوحيدان لملايين اليمنيين، بعد قطع مئات الكيلومترات مع ما يحمله السفر البري من إرهاق ومتاعب شديدة، بفعل استحداث طرق بديلة غير ممهدة جراء اشتعال الحرب بالقرب من الطرقات الرسمية الرابطة بين مختلف المحافظات اليمنية، التي تستخدم لمد جبهات القتال بالسلاح والمقاتلين.
من جانبه، دعا مدير مطار صنعاء الخاضع لسلطة الحوثيين، خالد الشايف إلى "الإعلان عن مواعيد رحلات طيران اليمنية من وإلى مطار صنعاء الدولي وجدولتها وانتظامها حتى تتم الاستفادة منها بالشكل الأمثل".
وقال في تصريح صحافي، "بعد تمديد الهدنة شهرين إضافيين، سيكون عدد الرحلات من مطار صنعاء الدولي إلى القاهرة وعمان 25 رحلة، منها تسع رحلات لم تنفذ من الهدنة السابقة".
التذاكر الأغلى
وبمعدل أربع رحلات يومياً من مطاري سيئون وعدن إلى نحو خمس وجهات دولية باتت هي محل الانطلاق والمبيت للناقل اليمني الوحيد، لبلد يبلغ عدد سكانه نحو 30 مليون نسمة، وهو ما يعني أن الطلب كبير يقابله عرض ضعيف للغاية.
وفي ظل الطلب المتزايد مع الحرب، تعمل "الخطوط الجوية اليمنية" بأسطول جوي لا يتعدى الثلاث طائرات، نوع "إيرباص أي 320" وعلاوة على مشكلة تأخير الرحلات واضطراب مواعيدها والأعطال الفنية الطارئة التي ترافق بعضاً من رحلاتها، يشكو عملاؤها من الارتفاع الكبير في أسعار التذاكر التي تضاعفت قيمتها مع الحرب، مع أن غالبية العملاء، بحسب موظف نقطة بيع تجارية، هم من المرضى وجرحى الحرب والطلاب، والبعض ممن اضطرتهم الظروف المعيشية إلى مغادرة البلاد جراء الانقلاب الحوثي، وما فرضوه من مضايقات رهيبة على الناس وتوقف مرتبات موظفي الدولة.
وتبلغ قيمة تذكرة الفرد الواحد من عدن إلى عمان نحو 700 دولار، و770 إلى القاهرة، فيما تشكو الشركة في المقابل جملة من العوائق، قالت إنها السبب الرئيس لكل المشكلات أمام عملائها.
وفي حديث سابق، أشار مدير إعلام "اليمنية" إلى جملة من المشكلات الإضافية التي تتمثل في "فرض المبيت خارج اليمن وارتفاع تكاليف الصيانة وقطع الغيار والوقود، وجميعها عوامل أدت لأن تتحمل الشركة أعباء مالية عالية فيما نعاني من انهيار للعملة المحلية".