كان من المفترض أن يتمتع آيدن أسلين وشون بينر بالحماية في إطار اتفاقية جنيف باعتبارهما عضوين في القوات المسلحة لدولة سيادية هي أوكرانيا.
إنما حُكم عليهما بالإعدام بعد محاكمة صورية في جمهورية دونيتسك الشعبية، "الدولة" التي لا تعترف بها سوى روسيا فلاديمير بوتين.
لا يؤثر كون السيدين أسلين وبينر مواطنين بريطانيين، ومعهما مدعى عليه ثالث في المحاكمة هو المواطن المغربي سعدون إبراهيم، في وضعهما كأسرى حرب.
كرر المدعون العامون في جمهورية دونيتسك الشعبية اتهامهم للرجال الثلاثة بالعمل كمرتزقة أجانب. ولكن الثلاثة التحقوا بالقوات الأوكرانية المسلّحة، بينما تضم العديد من جيوش دول العالم أشخاصاً من جنسيات أجنبية.
وهذا يشمل بريطانيا كذلك، التي ينحصر التجنيد فيها إجمالاً بمواطني دول الكومنولث. أما روسيا، فهي الأخرى من بين الدول التي ترحّب بتجنيد أجانب ضمن قواتها. إذ يُسمح لمواطني أي دولة كانت، يتراوح عمرهم بين 18 و30 سنة ولديهم معرفة باللغة الروسية، بالانضمام للجيش، وبعد ثلاث سنوات من الخدمة، يصبحون مؤهلين للحصول على الجنسية الروسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضمّ قوات جمهورية دونيتسك الشعبية بدورها أجانب. خلال إحدى زياراتي إليها بعد الحرب الانفصالية في عام 2014، التقيت بشخص اسكتلندي (كان يدافع عن استقلال دونباس فيما صوّت ضد استقلال اسكتلندا) وأميركي من تكساس، فضلاً عن مواطنين فرنسيين وفنلنديين وبرتغاليين وإسبان وغيرهم من حملة جنسيات أوروبية شرقية.
وأفادت وكالة الأنباء الروسية "تاس" بأن الرجال ثبتت عليهم التهم "استناداً إلى تحليل كافة الأدلة".
لكن من غير المعروف ما هي هذه "الأدلة" لأن المحاكمة دارت وراء الأبواب الموصدة. ويُزعم بأن السيدين بينر وإبراهيم أقرّا بذنبهما في "ارتكاب أعمال هدفها الاستيلاء على السلطة من خلال العنف"، كما قالت التقارير، بينما أقرّ السيد أسلين "بالاستخدام غير المشروع للأسلحة والمتفجرات".
في الحقيقة، ليست المحاكمة والحكم في دونيتسك مسألة قضائية بقدر ما هي سياسية، ولا شك في أنّ البريطانيين سوف يُعتبران ورقة تفاوض.
يشعر بوريس جونسون بأن حكم الإعدام "مريع" وقد "طلب من الوزراء أن يبذلوا كل ما في وسعهم لمحاولة إعادة لمّ شملهما مع أسرهما فور المستطاع"، كما جاء على لسان الناطق باسمه. كما أنّ بريطانيا "تعطي الأولوية" لمخاطبة أوكرانيا بدل روسيا "لأننا لا نتواصل بانتظام مع الروس".
يصرّ الكرملين على أن الجهة التي يتعيّن على بريطانيا مخاطبتها ليست روسيا، بل الانفصاليين. وقد وصفت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا رد الفعل البريطاني بالـ"هستيرية".
ومن جهته، تناول وزير الخارجية سيرغي لافروف، المسألة أمام الصحافيين قائلاً "تُعقد المحاكمات استناداً إلى قانون جمهورية دونيتسك الشعبية لأن الجرائم المعنية ارتُكبت على أراضيها. ولن أعلّق على قضاء جمهورية دونيتسك الشعبية".
سوف يكون من المفاجئ جداً أن تتفاوض بريطانيا مباشرة مع إدارة لا تعترف بها، فما بالك بإدارة تُحارب أحد حلفائها. ولذلك، سوف تجري أي مفاوضات بشأن إطلاق سراح الرجلين بين حكومة فولوديمير زيلينسكي الأوكرانية من جهة، والروس من جهة أخرى، إذ يتواصل الطرفان بانتظام لغاية تبادل الأسرى.
وقد أفادت وسائل الإعلام الروسية الرسمية بأن أكثر من ألف أسير أوكراني استسلموا في ماريوبول قد نُقلوا إلى روسيا "للتحقيق معهم". وهدد السياسيون في موسكو والجمهوريتين الانفصاليتين بإجراء محاكمات "على نمط نورمبيرغ" [محاكمة النازيين بعد الحرب العالمية الثانية] لأسرى كتيبة آزوف الذين يتهمونهم بأنهم نازيون جدد وفاشيون.
حاكمت أوكرانيا أيضاً من جانبها جنوداً روساً. وأصدرت محاكم في كييف وخاركيف أحكاماً مطوّلة- منها حكم بالسجن المؤبد في إحدى القضايا- على خلفية تهم بارتكاب جرائم حرب. وقالت المدعية العامة للبلاد، إيرينا فينيديكتوفا، يوم الأربعاء بأنها رفعت ثماني دعاوى قضائية إضافية.
قد يعرض الروس وحلفاؤهم في جمهورية دونيتسك الشعبية مبادلة البريطانيين والمغربي- وغيرهم ممن يُحتمل أن يحاكمونهم ويدينونهم في المستقبل- بالأسرى المُعتقلين في أوكرانيا.
لكن موقف موسكو قوي في مفاوضات مبادلة الأسرى. فقد انخفض العدد الإجمالي للجنود الروس الأسرى لدى أوكرانيا من 900 إلى 550 جندياً في أبريل (نيسان) بعد سلسلة من عمليات تبادل الأسرى. وفي المقابل، تحتجز روسيا أكثر من 5600 جندي أوكراني، وهو رقم ضخّمه استسلام 2500 جندي في ماريوبول.
إنما ربما تفكر موسكو بمبادلة شخص آخر غير الجنود بالسيدين أسلين وبينر. وظهر البريطانيان على قناة "روسيا 24" الرسمية وهما يطالبان بوريس جونسون بإعادتهما إلى الديار مقابل تسليم فيكتور ميدفيتشوك، رجل الأعمال المتنفذ الموالي لموسكو والمعتقل في أوكرانيا.
ويظهر السيدان أسلين وبينر في الفيديو وهما يشاهدان مناشدة مصوّرة لزوجة السيد ميدفيتشوك أوكسانا، تطالب فيها بمبادلة زوجها بالبريطانيين. ويتوجّه السيد أسلين إلى الكاميرا بقوله "نتطلع قدماً إلى مبادلتنا، أنا وشون بينر بالسيد ميدفيتشوك. طبعاً أقدّر مساعدتكم في هذه المسألة".
بذل الروس ووكلاؤهم بعض الجهد لترتيب هذا الموضوع. ولكن السيد ميدفيتشوك ليس متنفذاً عادياً يحمل ولاء لموسكو. فالسيد بوتين هو عرّاب ابنته داريا وتعود الصداقة بين الاثنين إلى عقدين من الزمن. كما قضيا معاً إجازات وعطلاً.
بعد اتهام السيد ميدفيتشوك بالخيانة ووضعه تحت الإقامة الجبرية، ووضع السلطات يدها على محطته التلفزيونية، أدلى السيد بوتين بأحد أكثر خطاباته هجومية، أدان فيه أوكرانيا بأنها تتحول "رويداً رويداً إنما بانتظام إلى نقيض روسيا، إلى معادية لروسيا".
نشرت اندبندنت هذا المقال في 10 يونيو 2022
© The Independent