جاء عصر الهاتف المحمول والإنترنت في فترة حرجة من التاريخ الصومالي، ليكون مخرجاً من أزمة الاتصالات التي عاشتها البلاد إثر انهيار الدولة وتفكك البنية التحتية والتقنية لقطاع الاتصالات الحكومي المهيمن.
يقول آدم حسن، المهندس ونائب مدير معهد تقني في مدينة بربرة، "الصوماليون معروفون بحسن التأقلم مع الظروف، وهو ما ضمن لهم الاستمرار بل والازدهار في أقسى الظروف، وقد جاء عصر الإنترنت في وقت حرج جداً من التاريخ الصومالي المعاصر بعدما أتاح وسائل للاتصال بين أفراد الأسر والعائلات، التي تسببت الحرب في تفرّقها عبر الحدود والقارات، ليكون الاتصال عبر الإنترنت بديلاً اقتصادياً جيداً للمحادثات الهاتفية الغالية الثمن بالنسبة إلى المستهلك، التي تتطلب بنية تحتية مكلفة بالنسبة إلى المستثمرين، بعد انهيار البنية التحتية الحكومية وزوال هيمنة الأخيرة على هذا القطاع الحيوي".
يضيف حسن، "لذا، لقي الدخول الباكر لعصر الإنترنت ومع بدء توافر شبكات الهاتف المحمول في البلاد نهاية التسعينيات استجابة لحاجات ماسة، إقبالاً كبيراً من جانب المجتمع الصومالي، واستعداداً للاستفادة من التقنيات التي توافرت معهما كالبريد الإلكتروني والمسنجر، وما تلاهما من برامج الاتصال، ما سهل الانتقال إلى وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة اللاحقة، ومع تعدد شركات الهاتف المحمول والإنترنت، ودخول الهواتف المستعملة والصينية الرخيصة، فلا يكاد يخلو منزل من هاتف ذكي. لذا وكعادة الأشياء في بلادنا، فإن الاحصاءات الرسمية تكاد تكون تقديرية، تختار أرقاماً آمنة تميل إلى خفض الأعداد والنسب".
الثقافة الشفهية وتداول الأخبار
شعب الصومال ذو ثقافة شفهية، وهو ما يعزز ميله إلى تلقي المعلومات بشكل مباشر من أشخاص متحدثين، لا عبر الأخبار المكتوبة والبيانات والكتب والنشرات. يرى الباحث الاجتماعي نور الدين محمد أن "الثقافة الشفهية لعبت لدى الشعب الصومالي، دوراً كبيراً في تحقيق نوع من التجانس الفكري والثقافي في ما بينه، على امتداد الجغرافيا الواسعة لأرضه. وأسهمت تلك الطبيعة الاجتماعية والتجارب التاريخية السابقة المتراكمة، التي رسخت عدم الثقة بالمصادر الرسمية للمعلومات، في فتح المجال للتداول السريع للأخبار والأفكار ووجهات النظر، وحتى الإشاعات، ما جعل الوعي التفصيلي بالأحداث مع تعدد الروايات، عاملاً مؤثراً في مستقبل أي مشروع اقتصادي أو سياسي قائم في البلاد، وهنا يأتي دور التواصل الاجتماعي الذي يسهم في تحديد الصورة الذهنية تجاه أي شخصية أو جماعة سياسية أو حتى أحداث في قارة أخرى".
ويضرب محمد مثالاً على عمق الثقافة الشفهية والاهتمام بمتابعة الأحداث، قائلاً "لا تستبعد أن تلتقي في أطراف البلاد كهلاً بدوياً يرعى إبله، يسألك عن سياسي صومالي بعينه، يحمل جنسية أوروبية محددة، ويعبر ذلك الكهل عن قلقه من سماح ذلك السياسي للدولة الأوروبية بأن تستولي على الثروة النفطية للبلاد، وسيدهشك ضربه للأمثلة على بلدان أفريقية بعينها، أساء مسؤولوها التصرف فيها، وأدخلوا شعبها في حروب أهلية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قوة متزايدة مع الوقت
منحت ندرة الاستثمار في القطاع الإعلامي الصومالي وسائل التواصل الاجتماعي قوة كبيرة، لا يبدو أنها ستتراجع قريباً. ويؤكد الصحافي محمود موسى حسين أنه "على الرغم من دخول الصوماليين المبكر نسبياً إلى قطاع البث التلفزيوني الفضائي نهاية التسعينيات، فإن الكلفة العالية لمستلزمات البث والاستقبال الفضائي حدّت، على نحو كبير، من إمكانية وصول المنتج الإعلامي إلى فئات المجتمعات الصومالية كافة، لذا، بدا التواصل الاجتماعي من خلال مواقع النشر المرئي وسيلة زهيدة لنقل ما كان يستلزم مئات آلاف الدولارات، وهو ما أعطى قوة كبيرة لصحافة المواطن ومساحة واسعة للمعلقين السياسيين غير المحسوبين على طرف دون غيره، كما أتاح في المقابل المجال لنشر الأخبار غير الدقيقة والبروباغندا السياسية والحساسية القبلية، ما أسهم في جذب قطاعات واسعة من المتابعين من جهة، وخلق حالات من الاحتشاد والتخندق من أخرى، وقد تكون الانتخابات الرئاسية الصومالية نموذجاً لطغيان تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، إذ لعبت الأخيرة دوراً كبيراً في الدعاية السياسية ونظيرتها المضادة، كما أصبحت وسيلة لبناء صورة الساسة الطامحين لبناء مستقبل سياسي، أو خلق منصة للتأثير، ولا نستبعد استمرار تصاعد قوة هذه الوسائل على المدى المنظور، وقدرتها على نشر أفكار بعينها، من تعزيز لقائم أو إضعاف لما هو موجود، بل وخلق أفكار جديدة يمكنها أن تتحكم في مصير مجتمعات بأكملها".
الذباب الإلكتروني
مع بروز الدور السياسي لمواقع التواصل الاجتماعي، يقول الباحث أحمد حامد، "بقي استخدامها حتى نهايات العقد الثاني من هذا القرن شخصياً، أو لأغراض تجارية بحتة، إلا أنه مع ربيع عام 2018، برز على السطح توجه عام لدى الصوماليين للاحتشاد الطوعي في ما اعتبروه دفاعاً عن وطنهم، وهو ما لفت نظر بعض الساسة المتنفذين في البلاد، وأدى ذلك إلى ازدياد أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في نظرهم ووجود تبرير لتوظيف مجموعات من الأفراد متخصصة في نشر الأخبار والتعليقات المؤيدة لطرف بعينه دون غيره، وشن حملات تشويه السمعة واغتيال الشخصية، أو التمجيد والتلميع لأخرى، وبذلك بدأ عصر الاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي بغرض التأثير في الرأي العام".
يضيف، "لم يمضِ وقت طويل حتى بدا حضور تلك المجموعات التي تلقى الرعاية والتمويل محسوساً وملموساً وموضع ترقب واعتبار، إلى أن أصبحت تتسبب في اضطرابات على الصفحات والمجموعات وحسابات المؤثرين، وبذلك غدت تشكل خطراً حقيقياً على حرية التعبير، ما حدا ببعض المؤثرين إلى إطلاق صفة ’ذباب التواصل الاجتماعي‘ عليها، نظراً إلى تدني المستوى التعليمي والفكري لأفرادها، وميلهم للإساءة وتوجيه الشتائم والإهانات للجميع من دون استثناء".