في المرة الأخيرة التي حاولت الحكومة فيها انتهاك القانون الدولي، كانت على الأقل، على نحو غير معهود، صريحة في هذا الشأن. في سبتمبر (أيلول) 2020، برز، كما هي الحال الآن، اقتراح بتجاوز التزامات المملكة المتحدة بموجب معاهدة بريكست وفق نصوص بروتوكول إيرلندا الشمالية. وقتذاك، كما هي الحال الآن أيضاً، كان براندون لويس وزير الدولة لشؤون إيرلندا الشمالية، وكان صادقاً بما فيه الكفاية ليبلغ مجلس العموم ما يلي "أجل، هذا من شأنه أن ينتهك القانون الدولي بطريقة محددة ومحدودة للغاية". وهذا، كما قد يشهد أي مذنب يمثل أمام القضاء، لن يصحح الأمور كلها.
لكن الآن، ربما بعدما أحرجته صراحته السابقة، يتحدث السيد لويس في شكل مختلف. ويتمثل الموقف الجديد في أن الخطوة قانونية تماماً، ومن الواضح أن الموقف سيكون كذلك عند نشر مشروع القانون ذي الصلة. وسيُعرَض الأساس القانوني للتشريع على البرلمان، لكن ليس الحجة القانونية أو المنطق القانوني. وهذا لن يجعل الأمور على ما يرام أيضاً.
الواقع أن هناك بالفعل سبباً للشك. أثناء جولة السيد لويس على الاستوديوهات التلفزيونية، أوضح تماماً أن المشورة القانونية التي حصلت عليها الحكومة لن تُنشر علناً، على رغم الاهتمام الشديد من قبل الرأي العام. لا شك في أن المشورات القانونية كلها سرية، لكن إذا كانت هذه المشورة ستساعد [رئيس الوزراء] بوريس جونسون في الخروج من موقفه الصعب، من المؤكد أنه سيسعد بتسريبها بالكامل، أو نشرها بالفعل.
وكما اكتشفت [رئيسة الوزراء السابقة] تيريزا ماي من قبل، يملك مجلس العموم السلطة لإرغام الحكومة على كشف المشورة القانونية. وهي ليست المرة الأولى التي يبدو فيها أن رئيس الوزراء لديه شيئاً ما ليخفيه.
فعلى رغم الجهود المفيدة من المدعية العامة، سويلا برافرمان، قد لا تكون الحجة القانونية محكمة وفق ما يتمناه السيد جونسون. مثلاً، خلافاً لما قد يكون متوقعاً، لم يُستشَر المستشار الأول لوزارة المالية، المستشار الملكي جايمس إيدي، على وجه التحديد في شأن قانونية التشريع الجديد، بل قيل له أن يفترض وجود أساس قانوني محترم لموقف الحكومة. والانطباع السائد هو أن الحكومة تتسوق مشورة قانونية تناسبها سياسياً. ومرة أخرى، قد لا تصمد هذه الاستراتيجية أمام المراجعة القضائية.
وحتى بالنسبة إلى مراقب عادي، يبدو من الواضح أن مشروع القانون الجديد، حتى لو أصبح قانوناً محلياً صالحاً، سيظل يشكل انتهاكاً لتعهد في اتفاقية دولية يوجد شكوك في أنّه جرى الالتزام بها في أي وقت سابق. وربما يستخدم السيد جونسون هذا الأمر كحيلة للمساومة في محاولته لدفع الاتحاد الأوروبي لإعادة التفاوض على الاتفاقية. وقد ينجح ذلك (من غير المرجح) لكنه كفيل أيضاً بشرائه بعض الوقت من منتقديه في اليمين المشكك في أوروبا، وإنقاذ وظيفته لبضعة أشهر أخرى بالغة الأهمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن ناحية أخرى، سيُنَفِّر الآخرين في الحزب الذين يفقدون الثقة فيه ووعدوا بتنظيم حرب عصابات على مشروع القانون هذا (الذي غاب بوضوح عن البيان الانتخابي). وحتى إذا أصبح مشروع القانون قانوناً، قد يتطلب إصدار قرارات وزارية لوضعه موضع التنفيذ. وإلى أن يطبقه ضباط الجمارك والأطباء البيطريون في لارن [بلدة ساحلية في إيرلندا الشمالية]، لن يتحول التهديد بعدم الشرعية إلى انتهاك فعلي للقانون الدولي. وقد تكون الأزمة مؤجلة، لكن الضرر يقع الآن.
ليس الوقت الحالي مناسباً للمقامرة بعملية السلام الإيرلندية أو الاقتصاد البريطاني. يقترح مشروع القانون الذي تقدمت به الحكومة إلغاء حق برلمان إيرلندا الشمالية في الموافقة على البروتوكول أو رفضه في تصويت مقرر عام 2024. من الواضح أن هذا لا علاقة له على الإطلاق بالمعاملات الجارية عند الحدود، أو الضوابط الخاصة بالصحة النباتية، أو السندويشات التي تُشحَن من إنجلترا. إنها حيلة سياسية محضة تهدف إلى استرضاء الحزب الاتحادي الديمقراطي [حزب في إيرلندا الشمالية موالٍ للاتحاد مع بريطانيا] – وذلك بالنظر إلى الغالبية القائمة الآن، والتي ربما تستمر في الوجود، في برلمان إيرلندا الشمالية، والتي تتقبل البروتوكول في الواقع، ولا ترغب في التخلي عنه بل مجرد إصلاحه.
يبدو أن عواقب انسحاب شين فين [حزب جمهوري في إيرلندا الشمالية – موالٍ للعلاقات المتينة مع دبلن] من اتفاقية الجمعة العظيمة [اتفاق سلام لتقاسم السلطة بين الكاثوليك والبروتستانت وقع عام 1998 في بلفاست] لم تحظ بما يكفي من التفكير. لا يحتاج الأمر إلى قدر كهذا من الخيال؛ يكفي التعرّف العابر إلى تاريخ المتاعب.
فالآثار الاقتصادية التي تخلفها هذه التلاعبات السخيفة بإيرلندا الشمالية واقتصاد المملكة المتحدة عموماً تمثل تهديداً بالفعل. لن تقوم الشركات، ولا سيما تلك الموجودة في الخارج، باستثمارات كبيرة في الاقتصاد البريطاني عندما تواجه احتمال نشوب حرب تجارية بين بريطانيا وأوروبا. فلماذا تفعل، إذا واجهت صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي، الذي لا يزال السوق الأكبر للمملكة المتحدة، رسوماً جمركية عقابية وإذا واجهت المملكة المتحدة ركوداً أشد عمقاً؟ عدم اليقين يقتل ثقة الشركات.
إن عامل الخوف هذا قائم بالفعل، لأن الحرب التجارية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي هي النتيجة الحتمية – والقانونية – لتخلي المملكة المتحدة عن التزاماتها بموجب قانون المعاهدات الدولي وتجاهلها إجراءات التحكيم القائمة. ومن المؤكد أن الإضراب عن الاستثمار، إذا أُضِيف إلى تضخم مرتفع ونقص في العمالة، من شأنه أن يجعل اقتصاد المملكة المتحدة من بين الاقتصادات الأضعف في أوروبا، وستواكبه ضعفاً مستويات المعيشة. وهكذا لا يكون الاتفاق "الجاهز" و"بريكست الذي صوتنا له" كما كانا متوقعين.
*نشر في اندبندنت بتاريخ 13 يونيو 2022
© The Independent