أسبوع مر على زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكستين بيروت، ولا يزال لبنان ينتظر رد إسرائيل على اقتراح حمله هوكستين من المسؤولين اللبنانيين، عكس للمرة الأولى وحدة موقف لبنان الرسمي في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية.
وهو ما كان اعتبره هوكستين إنجازاً بحد ذاته بغض النظر عن مضمون الاقتراح اللبناني. ومع انقضاء مهلة أسبوع وأكثر على مغادرة الوسيط الأميركي، كثرت التحليلات والتكهنات عن فشل الأخير في إقناع إسرائيل الموافقة على مطالب لبنان، خصوصاً أنه لم يكن قد مضى على مغادرة الوسيط الأميركي بيروت سوى يوم واحد حتى وقعت إسرائيل مع كل من مصر والاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم في القاهرة، تهدف إلى تصدير الغاز إلى أوروبا بعد تسييله في المحطات المصرية المعدة لذلك، وهو الغاز الذي سيستخرج من حقل كاريش، الواقع في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان. فهل فشل هوكستين؟
الجواب الأسبوع المقبل
ويكشف مسؤول رفيع شارك في لقاءات هوكستين في لبنان لـ"اندبندنت عربية"، أن الوسيط الأميركي لم يتأخر في الإجابة وهي لم تكن متوقعة هذا الأسبوع، بل "كنا ننتظر الرد الأسبوع المقبل أو الذي سيليه على أبعد تقدير". ويؤكد المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن هوكستين نقل الرد اللبناني إلى إسرائيل، علماً بأنه لم ينتقل من بيروت إلى تل أبيب، متوقعاً أن يتلقى هوكستين الجواب الإسرائيلي هذا الأسبوع. وعلى عكس ما تردد عن زيارة أخرى للوسيط الأميركي إلى بيروت، أكد المسؤول السياسي أن الجواب الإسرائيلي لن ينقله هوكستين بنفسه بل ستتولى السفارة الأميركية لدى لبنان ذلك، كما حصل سابقاً عندما كلفت السفيرة الأميركية دوروثي شيا بمتابعة الاقتراح الأخير، الذي كان حمله آموس إلى المسؤولين في لبنان. ويبرر المسؤول اللبناني عدم عودة هوكستين إلى لبنان لانشغاله بالتحضير لزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل والسعودية المقررة في يوليو (تموز) المقبل. وفيما يرفض الكشف عن مضمون الاقتراح اللبناني الذي نقله هوكستين إلى الجانب الإسرائيلي، يؤكد المسؤول اللبناني أن كل ما حكي في الإعلام ليس دقيقاً، كاشفاً عن وجود أمل هذه المرة في التوصل إلى حل في ملف ترسيم الحدود البحرية، محذراً في المقابل من رفض إسرائيل للاقتراح اللبناني، ما يعني أننا ذاهبون إلى أزمة حقيقية، بالتالي فإن عدم التوصل إلى حل يعني أيضاً أن المنطقة دخلت في اللااستقرار.
الأميركيون ليسوا على عجلة من أمرهم
مقابل ثقة بعض المسؤولين في لبنان في اقتراب موعد الحل في ترسيم الحدود البحرية واستنادهم إلى هذا الملف لإنقاذ الوضع الاقتصادي والمالي، كخيار ثان مع إنهاء الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي، تشكك مصادر دبلوماسية غربية في إمكانية إنهاء هذا الملف قريباً، مؤكدة أنه لن يكون بالسرعة التي وعد اللبنانيون بها. وتؤكد المصادر الدبلوماسية أن الأميركيين ليسوا على عجلة لإنهاء هذا الملف، وربما ليس قبل بت حل كامل للمنطقة قد يكون على طاولة فيينا، وأي بت بأي موضوع من هذا الحجم، لن يكون بمعزل عن الصفقة التي ستتم في المفاوضات الأميركية- الإيرانية وليس خارجها، بالتالي فإن توقف المفاوضات حالياً لأسباب عدة مرتبط بتزايد المعارضة الأميركية الداخلية، واشتراط موافقة الكونغرس وإلغاء الحرس الثوري الإيراني عن لائحة الإرهاب، إضافة إلى تراجع الدور الروسي لانشغاله في حرب أوكرانيا، هذه الأسباب التي أدت إلى توقف اجتماعات فيينا حالياً، ستؤدي حكماً إلى تجميد كل الملفات المرتبطة بالاتفاق النووي. أضف إلى ذلك أن إسرائيل ليست هي الأخرى على عجلة من أمرها طالما تعتبر دولياً بأنها لم تخرق حدود لبنان، وطالما أن الخط المسجل في الأمم المتحدة هو الخط 23، ما يعني أن حقل كاريش الذي تستعد إسرائيل لاستخراج الغاز منه وبيعه، هو خارج المنطقة المتنازع عليها.
التمسك بالـ23 لتفادي الحرب
وتكشف مصادر دبلوماسية أن رئيس الجمهورية ميشال عون سلم الوسيط الأميركي اقتراحاً نص على المطالبة بكامل الـ860 كيلومتراً زائد البلوك 72 الإسرائيلي، بما يضمن حصول لبنان على كامل حقل قانا من دون مشاركة حقوقه مع إسرائيل، وعاد لبنان بذلك إلى الخط 23 مسقطاً الخط 29 الذي كان حدده الوفد العسكري اللبناني بتكليف من قيادة الجيش قبل الذهاب إلى المفاوضات غير المباشرة في الناقورة، والتي عادت وتوقفت بعد مطالبة لبنان بمساحة تصل إلى حدود 1430 كيلومتراً للمنطقة الاقتصادية التابعة له. ويكشف مصدر مطلع على الملف أن المضي بالتمسك بالخط 29 وتعديل المرسوم 6433 ليصبح حقل كاريش ضمن الخط المذكور، يضع الملف أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الحرب وإما السلم، خصوصاً بعد دخول الباخرة اليونانية إلى حقل كاريش. فإسرائيل التي استثمرت بمليارات الدولارات لاستخراج الغاز لن تقبل أن تتراجع تحت أي تهديد، في المقابل سيجد لبنان نفسه مكبلاً بين تقديم شكوى إلى مجلس الأمن أو تسليم قرار الحرب مرة جديدة إلى "حزب الله"، وهو الذي توعد أمينه العام حسن نصر الله بقصف الباخرة اليونانية إذا استمرت بعملها في المنطقة المتنازع عليها قبل إنهاء المفاوضات.
ويكشف المسؤول اللبناني المشارك في المفاوضات، أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم تولى متابعة الملف مع "حزب الله" ونقل لمسؤولين في الحزب الاقتراح الرسمي اللبناني قبل إبلاغه للوسيط الأميركي، وتبلغ إبراهيم موافقة الحزب ونقلها أيضاً للوسيط الأميركي. وتكشف المصادر أن "حزب الله" الذي ترك للدولة اللبنانية دور التفاوض والحفاظ على الحقوق كاملة، بدا وكأنه أراد في دور المراقب، ولاعتبارات إقليمية ليس داخلية، تجنب أي سؤال قد يوجه إليه عن مبرر سلاحه في ظل الاعتداء الإسرائيلي على المياه اللبنانية. وتكشف مصادر دبلوماسية أنه عندما أبلغ اللواء عباس إبراهيم رئيس لجنة الارتباط في "حزب الله" وفيق صفا، تأكيد الوسيط الأميركي أن الباخرة اليونانية خارج المنطقة المتنازع عليها وهي شمال الخط 29، كان جواب صفا "الآن ارتحنا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هل نشهد نهاية ما يسمى قطاع النفط في لبنان؟
وتستبعد الخبيرة في مجال حوكمة النفط والغاز في الشرق الأوسط لوري هايتايان، أن تقبل إسرائيل بالعرض اللبناني، وأن توافق على التخلي عن كامل مساحة الـ860 كيلومتراً زائد جزء من المنطقة الاقتصادية التابعة لها، وذلك استناداً إلى علم التفاوض، إلا إذا كانت الصفقة المقترحة لا تقتصر فقط على ترسيم الحدود البحرية، كما تقول. وتنفي هايتايان علمها بالتوقيت المتوقع للرد الإسرائيلي، مشيرة إلى تطور جديد دخل على الخط والمتمثل في تغيير الحكومة الإسرائيلية الحالية، وهو أمر إما قد يسرع البت بملف ترسيم الحدود على قاعدة تحقيق إنجاز يمكن أن يستفيد منه رئيس الوزراء الجديد في معركته، وإما قد يؤجل البت به لما بعد تشكيل الحكومة الجديدة وبدء عملها. وإذا كانت إسرائيل قد اطمأنت إلى أنها باتت خارج خطر النيران اللبناني طالما حقل كاريش خارج الخط 23، بالتالي أي اعتداء على الباخرة اليونانية سيكون اعتداء مداناً دولياً ويعرض صاحبه لمشكلات كبيرة، فإن الرد الإسرائيلي قد يتأخر مقابل حاجة لبنان الملحة إلى بت هذا الموضوع، لما سيكون له من تأثير مباشر على الوضع الاقتصادي اللبناني المنهار. وتتوقع هايتايان أن يسعى لبنان إلى الضغط على شركة "توتال" لتبدأ بالتنقيب، للتأكد من وجود ما يعرف بحقل قانا غير المنقب بعد، خلافاً لحقل كاريش، لكن هذه الخطوة تتطلب التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل قد يسمح بإعلان ملكية حقل قانا بالكامل لبيروت، بالتالي السماح لشركة "توتال" البدء بالتنقيب في هذه المساحة. أما إذا بقيت الأمور معلقة ولم يحصل اتفاق حول الحدود البحرية الجنوبية، فهذا يعني بحسب هايتايان نهاية ما يسمى قطاع النفط والغاز في لبنان، خصوصاً أن عقد عمل شركة "توتال" مع لبنان مرتبط بضمانات يتيمة تتعلق بوجود موارد نفطية في البلوك 9 فقط، الذي يبدأ في حقل قانا ويمتد بحسب الدراسات إلى البلوك 72 الإسرائيلي، علماً بأنه لا شيء ثابت في ما يتعلق بوجود نفط في البلوك 9، ما يعني أن الدولة اللبنانية بحسب هايتايان تطالب بما هو غير محسوم بعد لجهة المطالبة بالتفاوض على أساس الاحتفاظ بحقل قانا بالكامل.
غاز مصر الجزرة غير المضمونة
وفيما ينتظر لبنان الرد الإسرائيلي المتوقع أن يتبلغه عبر السفيرة الأميركية لدى بيروت، برز توقيع لبنان، الثلاثاء 21 يونيو (حزيران)، مع مصر وسوريا اتفاقية لنقل 650 مليون متر مكعب من الغاز المصري عبر الأراضي السورية إلى لبنان. وهي كمية يمكن أن توفر تغذية كهربائية تصل إلى 4 ساعات إضافية في لبنان، كما أعلن وزير الطاقة وليد فياض، هذا التطور المؤجل منذ أكثر من ستة أشهر، ربطه كثيرون بالتطورات المستجدة على صعيد تنازل لبنان عن الخط 29 في ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل. فاتفاقية استجرار الغاز المصري لا يمكن أن تدخل حيز التنفيذ قبل الموافقة الأميركية وقبل تأمين التمويل من البنك الدولي. وفي ظل التضارب في المعلومات حول حقيقة الموقف الأميركي، وما إذا كانت واشنطن منحت الضوء الأخضر لتمرير الغاز المصري عبر سوريا كبديل مؤقت للغاز البحري المؤجل، اعتبر مصدر مطلع على الملف أن الاتفاقية لم تكن لتوقع لولا ضمانات أميركية قدمت لمصر في شأن تذليل العقبات أمام إمكانية فرض العقوبات على القاهرة استناداً إلى قانون قيصر. وعلم أن أميركا ستعمل على تأمين الإطار القانوني لاستثناء هذه العملية من عقوبات قانون قيصر المفروضة على النظام السوري والمتعاملين معه. في المقابل يكشف مصدر حكومي أن البنك الدولي سيسهل حصول لبنان على قرض بقيمة تناهز 300 مليون دولار لشراء الغاز لمدة سنة واحدة.
موقف إيجابي من واشنطن لتسهيل العقد
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس أن "بلاده تتطلع لمراجعة العقود النهائية لصفقة نقل 650 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي المصري سنوياً إلى لبنان عبر سوريا، لضمان عدم مخالفتها العقوبات"، مشدداً على أن "واشنطن "لم ولن تتنازل" عن العقوبات المفروضة على نظام الرئيس السوري بشار الأسد".
ورحب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية بالصفقة، قائلاً إن الاتفاق يوفر الطاقة "التي يحتاج إليها الشعب اللبناني بشدة، وسط أزمة الطاقة الحادة التي يعانيها".
وأضاف برايس أن واشنطن تتطلع إلى "مراجعة العقود النهائية وشروط التمويل من الأطراف، لضمان توافق هذه الاتفاقية مع سياسة الولايات المتحدة، ومعالجة أي مخاوف محتملة تتعلق بالعقوبات".