مع اختتام وفد رفيع المستوى من الأمانة العامة للجامعة العربية زيارة "استكشافية" إلى الجزائر، لمتابعة استعدادات استضافتها للقمة العربية الـ31 التي تعقد للمرة الأولى منذ 3 سنوات، لم تحسم الزيارة سوى تأكيد انعقاد القمة في الموعد المقترح خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وذلك بعد تأجيلها مرتين بسبب كورونا.
لكن عديداً من الأسئلة التي تتردد في أروقة الجامعة العربية في شأن هذه القمة، لا يزال بغير إجابة قاطعة، بخاصة ما يتعلق بعودة سوريا إلى مقعدها بعد مرور أكثر من عقد على تجميد عضويتها، فضلاً عن الشكوك في شأن مشاركة المغرب في الحدث، في ظل قرار الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط منذ الصيف الماضي.
وكشف الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، في مقابلة متلفزة خلال زيارته عما وصفه بـ"محاولة في اتجاه مشاركة سوريا في القمة العربية"، لكن المشاركة السورية، بحسب أبو الغيط ومسؤولين بالجامعة، "لا تزال مرهونة بحدوث توافق عربي"، لم يتحقق حتى اللحظة الراهنة.
من جانبه قال السفير جمال رشدي، المتحدث باسم الأمين العام، لـ"اندبندنت عربية"، إن الأشهر المقبلة "ستشهد حراكاً دبلوماسياً من جانب الأمانة العامة، لاستطلاع مدى إمكان تبلور التوافق العربي اللازم حول مصير عضوية سوريا في الجامعة ومشاركتها في قمة الجزائر التي بادرت خلال السنوات الأخيرة إلى الدعوة لاستئناف دمشق لعضويتها".
القمة العربية الأولى منذ 3 سنوات
تصاعد الجدل في الأروقة الدبلوماسية العربية خلال الأشهر الماضية في شأن مصير انعقاد القمة العربية السنوية في موعدها واحتمال تأجيلها مجدداً كما جرى خلال العامين الماضيين، وذلك في ضوء استمرار التوتر بين المغرب والجزائر، وهو ما يعتبره المراقبون السبب الجوهري وراء عدم انعقاد القمة، وليس الأسباب الإجرائية والشكلية المتمثلة في قيود الجائحة.
وقد دفع حال الجدل حول انعقاد القمة وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، إلى نفي ما يجري تداوله في شأن تأجيل القمة العربية، بخاصة خلال زيارته إلى الأمانة العامة للجامعة العربية بالقاهرة وجولته في عدد من البلدان العربية خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، التي أعقبها زيارة الرئيس الجزائري إلى مصر، وتأكيده لاحقاً "عدم وجود أي خلاف بين القادة العرب" يدعو إلى تأجيل القمة، مؤكداً انعقادها خلال الربع الأخير من العام الحالي، وهو ما أقره وزراء الخارجية العرب في اجتماع لمجلس الجامعة العربية في مارس (آذار) الماضي.
متحدث الأمين العام للجامعة العربية ذكر في تصريح خاص، أن زيارة وفد الأمانة العامة إلى الجزائر برئاسة أبو الغيط استهدفت "الوقوف على آخر التحضيرات والاستعدادات من جانب الدولة الجزائرية لاستضافة القمة المقررة خلال أشهر قليلة"، مؤكداً أن نوفمبر المقبل هو "الموعد النهائي" المحدد من الجانب الجزائري لاستضافة القمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح رشدي أن وفد الأمانة العامة حرص على إجراء الزيارة لإعطاء دفعة لعملية الاستعداد للقمة، و"لكي يكون في عون الدولة المضيفة، وتسعى الأمانة العامة للتنسيق معها بهدف خروج القمة بأفضل شكل ممكن".
وتابع متحدث الأمين العام، "إضافة إلى لقاء الرئيس تبون، الوفد التقى كثيراً من المسؤولين والوزراء المعنيين بمتابعة استضافة القمة، مثل وزيري السياحة والداخلية المسؤولين عن إقامة الوفود وتأمينها، وعدد آخر من كبار المسؤولين، والجزائر ليست غريبة على القمة حيث استضافت 3 قمم سابقة، ومن واقع ما شاهدناه من التحضيرات خلال الزيارات الميدانية كان هناك اطمئنان إلى مستوى الاستعداد، والجانب الجزائري لديه جميع الإمكانات والقدرات لاستضافة قمة ناجحة، وهناك حماس جزائري لاستضافة أول قمة عربية بعد 3 سنوات من عدم انعقادها، فالقمة العربية في الجزائر ستمثل حدثاً كبيراً، وله تأثير في الإقليم، ويعكس نشاط الدبلوماسية الجزائرية، وليس فقط لاستعراض قدراتها الدبلوماسية، بل لتفعيل وإبراز مكانتها الإقليمية وعلاقاتها في المحيط العربي".
ولفت المتحدث أيضاً إلى أن "الأمين العام لمس خلال لقاءاته رغبة جزائرية أيضاً في أن يكون للقمة العربية مردود داخلي، حيث يتزامن موعد انعقادها مع انطلاق ثورة التحرير الجزائرية، وهي اليوم الوطني الأهم لدى الشعب الجزائري وفي الوعي العربي بشكل عام، حيث كان لهذه الثورة مؤيدوها ومناصروها ومتابعوها وامتداداتها في العالم العربي كله، كما ستمثل القمة أول اجتماع عربي يشارك به بعض الزعماء العرب".
قمة "جامعة"
أعطت ما تداولته وسائل الإعلام الجزائرية من تصريحات منسوبة إلى الأمين العام للجامعة العربية انطباعاً بأن القمة العربية المقبلة ستشهد مشاركة سوريا بعد سنوات من تعليق عضويتها بالجامعة، بخاصة مع تأكيد الرئيس الجزائري مراراً أن القمة التي ستستضيفها بلاده "من المفترض أن تشهد مشاركة سوريا".
وقال أبو الغيط، في مقابلة مع التلفزيون الجزائري الرسمي، الثلاثاء، إن الأشهر المقبلة "ستشهد محاولة في اتجاه مشاركة سوريا في القمة العربية المزمع عقدها بالجزائر مطلع نوفمبر المقبل"، لكنه أكد في الوقت نفسه أن "مشاركة سوريا في القمة العربية عندما تتم ستكون من خلال توافق عربي كبير".
وخلال السنوات الأخيرة قادت الجزائر دعوة تساندها بعض البلدان الأعضاء في الجامعة من أجل استئناف عضوية دمشق المعلقة في المنظمة منذ اندلاع الأحداث في البلاد عام 2011، إلا أن ذلك لم يحدث بعد نتيجة غياب "التوافق" بين الدول العربية الأعضاء، بحسب المسؤولين بالأمانة العامة للجامعة التي تأسست في القاهرة عام 1945 على يد سوريا و7 من البلدان العربية المستقلة آنذاك أبرزها السعودية والمملكتان العراقية والمصرية.
وبدوره أوضح المتحدث باسم أبو الغيط أن "الدولة المضيفة (الجزائر) ترغب في تحريك ملف عضوية سوريا بالجامعة العربية. وهناك بعض الدول التي ترغب رسمياً في استئناف عضوية سوريا، والجزائر أخبرت وفد الجامعة العربية أنها تريد أن تكون قمة جامعة، وتضع نهاية لتجميد عضوية سوريا، لكن هذا الملف ما زال خاضعاً لمبدأ التوافق العربي، وستكون هناك تحركات دبلوماسية لاستطلاع الرأي منذ اليوم وحتى موعد انعقاد القمة، من أجل الوصول إلى مدى إمكان تبور التوافق الكافي حول إذا ما كانت سوريا ستستعيد مقعدها خلال هذه القمة أم لا"، مشيراً إلى انعقاد اجتماعين وزاريين لمجلس الجامعة العربية قبل موعد القمة، الأول تشاوري في بيروت في مطلع يوليو (تموز) المقبل، والثاني اعتيادي في سبتمبر (أيلول) المقبل.
ومن ناحيته، نبه الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حسام زكي، في تصريحات لوكالة الأنباء الرسمية المصرية، الخميس، عقب عودة الوفد إلى القاهرة، إلى أن هناك رؤى مختلفة حول عودة المقعد السوري خلال القمة العربية المقبلة، مضيفاً أنه "في حال استشعار الأمانة العامة للجامعة بالتوافق العربي اللازم حول إعادة سوريا سيجري الأمر على الفور. إن هذا التوافق ليس متاحاً حتى هذه اللحظة الراهنة، ربما يحدث في المستقبل القريب أو البعيد".
خلافات الجزائر والمغرب
وبالتزامن مع زيارة وفد الجامعة العربية إلى الجزائر، أعلنت الأخيرة رفضها الوساطات لحل مسألة قطع العلاقات مع المغرب، مع استمرارها باعتماد اللغة الدبلوماسية الخشنة إزاء الجار المغاربي منذ قرار قطع العلاقات في أغسطس (آب) الماضي، بسبب ما وصفته الجزائر بـ"الأعمال العدائية" للمملكة.
وقال وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، قبل عدة أيام "ليست هناك أي وساطة لا بالأمس ولا اليوم ولا غداً، لأن الموقف الجزائري واضح، وهو أن قطع العلاقات الدبلوماسية جاء لأسباب قوية، وليحمل الطرف الذي أوصل العلاقات لهذا المستوى السيئ المسؤولية كاملة غير منقوصة".
وبدوره، قال جمال رشدي، المتحدث باسم الأمين العام، إن الجامعة ترى ضرورة تنحية الخلاف بين الجزائر والمغرب عن القمة المقبلة، لكنه لم يوضح مستوى المشاركة المتوقع من جانب المملكة المغربية، مضيفاً "المؤكد أن الأمانة العامة لا ترغب أبداً في أن يكون ملف العلاقات بين الجزائر والمغرب منعكساً بشكل سلبي على العمل العربي الجماعي، لأنه ملف محزن، ويهمنا كأمانة عامة ألا ينعكس الملف على القمة وحضور الدول العربية، وألا يكون التوتر بين الجانبين خصماً من القمة المقبلة، ونثق في أن هذا سيكون الحال، ولن يسمح للمشكلات الثنائية بالتأثير على العمل العربي المشترك، والجزائر قدمت تطمينات في هذا الشأن. وأكدت وجود رغبة في احتواء تأثير هذا الموضوع".
وقال المحلل السياسي الجزائري، أحمد بوداود، إن الجزائر ستواصل مساعيها من أجل ضمان نجاح انعقاد القمة في ظل الخلافات العربية البينية، سواء بين بعض الدول الأعضاء أو حول عديد من القضايا ذات الاهتمام العربي المشترك، "لكن من المستبعد أن يتحقق توافق عربي حول مشاركة سوريا في القمة من جانب نتيجة ضيق الوقت، أو فيما يتعلق بحلحلة الخلافات بين الجزائر والمغرب، في ظل تصاعد التوتر وتأزيم الوضع، بخاصة بعد الاتفاق الأمني بين الرباط وتل أبيب واتفاقات التطبيع والتحالفات والمناورات العسكرية المغربية التي شاركت فيها إسرائيل أخيراً، ومن المتوقع غياب المغرب عن هذه القمة أو انخفاض مستوى تمثيلها في القمة، بخاصة في ضوء تأكيد المسؤولين الجزائريين أن موقف بلادهم إزاء المغرب لن يتغير طالما استمرت تلك الأسباب التي أدت إلى القطيعة الدبلوماسية بين البلدين".
الأمن "الغذائي" على أجندة القمة
وكشف متحدث الأمين العام عن أن القمة المقبلة ستشهد تقديم دراسة متكاملة إلى القادة العرب في شأن "الأمن الغذائي العربي"، مشيراً إلى أن وجود قرارات مرتقبة في هذا الأمر الحيوي بالنسبة للأمن القومي العربي.
وأضاف رشدي، "أجندة القمة لا تزال في مرحلة التشاور، بخاصة خلال الاجتماع التشاوري المقرر في بيروت بداية الشهر المقبل، وهذا الاجتماع التشاوري يتميز بوجود نقاش حر ومفتوح وغير مقيد بجدول أعمال، إضافة إلى الاجتماع الوزاري الاعتيادي في سبتمبر (أيلول)، وستتناول تلك الاجتماعات جدول الأعمال، ومن بينها تأثير الأزمات العالمية على المنطقة العربية، وتحت هذا البند سيجري تناول قضية مثل الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على المنطقة، فضلاً عن وجود بند جديد يناقش قضية الأمن الغذائي العربي، وقد بدأنا منذ أشهر بحث هذه القضية بالفعل قبيل اندلاع الحرب في أوكرانيا، ومن المنتظر أن تعد المنظمات العربية المتخصصة دراسة شاملة تتضمن استراتيجية للحفاظ على الأمن الغذائي العربي".
ومن جهته، يرى المحلل السياسي الجزائري أن بلاده ستركز على طرح ملفات مهمة تتعلق بالقضايا العربية المشتركة، لعل أبرزها "سحب صفة مراقب عن إسرائيل في الاتحاد الأفريقي، وأيضاً تجسيد مشروع المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، وهو المشروع الذي كان الرئيس الجزائري طرحه عشية زيارة الرئيس محمود عباس الأخيرة للجزائر، ولقي ترحيباً فلسطينياً، إضافة طبعاً إلى ملف القضية الفلسطينية الحيوي والحساس والسعي إلى جمع اتفاق العرب حوله وتقديم الدعم للدولة الفلسطينية، وربما طرحت مسألة التطبيع مع إسرائيل في الأجندة، خصوصاً بعد تأزم علاقة الجزائر مع المغرب، بسبب التقارب الحاصل بينها وبين إسرائيل".
وأضاف بوداود، "من الواضح أن هذه القمة جاءت في ظروف صعبة يعيشها العالم والمنطقة العربية على وجه الخصوص، وعلى هذا الأساس ستبحث القمة في قضايا حساسة على رأسها ملف ليبيا، الذي يهم الجار الجزائري، بخاصة في ظل تعثر الانتخابات بها وخطر الانفلات الأمني الحاصل بها على الأمن القومي العربي، وبالتأكيد ستطرح ملفات مرتبطة بالجانب الاقتصادي في ظل تبعات الحرب الروسية - الأوكرانية، وكذا الأزمة الصحية العالمية جراء عودة تفشي فيروس كورونا".