على قدم وساق، تكثف القاهرة من التجارب والأبحاث الدراسية لمواجهة أزمة نقص القمح وارتفاع أسعاره عالمياً، والبحث عن بدائل لتقليل قيمة فاتورة الواردات من خارج البلاد، باعتبارها أكبر مستورد للقمح في العالم.
وقال وزير التموين والتجارة الداخلية المصرية، علي المصيلحي، إن بلاده نجحت في التعاقد مع الحكومة الهندية على توريد نحو 180 ألف طن قمح، مشيراً إلى أن الشحنات في طريقها إلى الموانئ المصرية، لافتاً إلى أن القمح موجود في كل الدول، مستدركاً "الجزء الأكثر تعقيداً هو النقل والشحن والتأمين والضمان".
1.1 مليار دولار أعباء إضافية بسبب القمح
وكشف عن أن حكومته تتواصل مع نظيرتها الروسية لإعادة توريد القمح الروسي لمصر بطريقة آمنة، قائلاً "ننتظر رد الروس خلال 10 أيام"، مؤكداً في مؤتمر صحافي عقده بالقاهرة اليوم الاثنين، أن وزارته تدرس استخدام البطاطا في صناعة رغيف الخبز المدعم بنسبة لا تزيد على الـ20 في المئة، مشيراً إلى أن ذلك قد يوفر تكلفة استيراد نحو مليون طن قمح سنوياً.
وحول الإنتاج المحلي من القمح، قال "إجمالي ما تسلمته الحكومة من المزارعين هذا العام تخطى الـ3.7 مليون طن، بنسبة زيادة بلغت 11 في المئة عن العام الماضي"، لافتاً إلى استمرار تسلم القمح من المزارعين حتى نهاية شهر أغسطس (آب) المقبل، ومؤكداً حرص الحكومة في ظل أزمة التضخم العالمية على زيادة الموازنة الخاصة بدعم الخبز إلى 22 مليار جنيه (1.17 مليار دولار أميركي) إضافية، منها 4.5 مليار جنيه (241 مليون دولار) لدعم شراء القمح المحلى، علاوة على مليار دولار لشراء القمح المستورد.
وأشار إلى أن المخزون الاستراتيجي من القمح يكفي لمدة 6 أشهر، إلى جانب رصيد استراتيجي من السكر يكفي لنحو 7 أشهر في الوقت الذي ارتفع فيه رصيد زيت الطعام واللحوم والدواجن ليكفي حتى نهاية العام الحالي.
ويبدأ موسم زراعة القمح في مصر مع بداية شهر أبريل (نيسان) على أن يتم الحصاد في نهاية أغسطس من كل عام، وتعول الحكومة على محصول الموسم الحالي، إذ أعلنت زيادة أسعار توريد القمح المحلى من المزارعين والموردين بأسعار 865 جنيهاً (46.19 دولار) للأردب درجة نظافة 22.5 قيراط، و875 جنيهاً (46.72 دولار) للأردب درجة نظافة 23 قيراطاً، و885 جنيهاً (47.25 دولار) للأردب درجة نظافة 23.5 قيراط.
أزمة الغذاء والقمح تحديداً تتصدر قائمة أبرز الأزمات العالمية خلال 2022، إذ توقعت مؤسسة "ستاندرد أند بورز" في مايو (أيار) الماضي، أن تستمر أسعار الأغذية في الارتفاع عالمياً، خصوصاً في ظل سعي الدول النامية الأكثر تضرراً إلى تأمين عقود إمداد طويلة الأجل للمكونات الرئيسة كالقمح والذرة، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار تلك المنتجات.
وارتفعت أسعار القمح منذ عام 2020 مع اضطراب سلاسل التوريد الناجمة عن الجائحة العالمية، وبلغ متوسط أسعار القمح 280 دولاراً أميركياً للطن خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2021، وارتفع إلى 317 دولاراً أميركياً للطن بحلول نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، ومع نشوب الحرب الروسية– الأوكرانية زاد السعر إلى نحو 500 دولار أميركي في أبريل الماضي.
القاهرة تتفاوض مع روسيا لاستئناف التوريد
وتواصلت "اندبندنت عربية" مع مسؤولين ومحللين ومتخصصين لتوضيح التجارب والأبحاث التي تجريها القاهرة لتأمين حاجتها من القمح، إذ قال رئيس البرنامج الوطني للقمح التابع لوزارة الزراعة، محمد رضا، "القاهرة استضافت وزير الزراعة الروسي وعدداً من المسؤولين الروس في القاهرة الأسبوع الماضي"، موضحاً أن "الاجتماع شهد توقيع اتفاقيات لمواصلة توريد القمح الروسي إلى مصر من جديد خلال الفترة القليلة المقبلة"، وأضاف "تم الاتفاق مع الجانب الروسي على جميع التفاصيل المتعلقة بالنقل والشحن والتأمين"، مستدركاً "يتبقى إرسال مواعيد الشحن والنقل من موسكو إلى الموانئ الروسية خلال أيام"، وتوقع وصول أولى شحنات القمح الروسي إلى القاهرة في شهر يوليو (تموز) المقبل.
ويستهلك المواطن في مصر 5 أرغفة خبز مدعوم يومياً (يباع بأقل من تكلفته الحقيقية لصالح محدودي الدخل على البطاقات التموينية) إذا كان مقيداً ببطاقة التموين بإجمالي 150 رغيف خبز شهرياً، وتنتج القاهرة نحو 270 مليون رغيف يومياً، وهو ما يعادل 121 مليار رغيف سنوياً، ويمتلك المصريون نحو 23.179 مليون بطاقة تموينية يستفيد بها نحو 71.479 مليون مواطن وفقاً لبيانات وزارة التموين المصرية.
تجارب لإنتاج الخبز من الشعير والكينوا
من جانبه، قال أستاذ القمح بمركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة، خالد جاد، إن المركز يجري عدة دراسات وأبحاث حالياً على إيجاد بدائل نموذجية لتخفيف التداعيات السلبية لنقص القمح على الأمد البعيد، موضحاً "هناك دراسة لخلط الشعير بالقمح حالياً واستخدام المزيج في صناعة رغيف الخبز المدعم"، وأكد "قطعنا شوطاً كبيراً في هذا الأمر".
وأضاف "هناك دراسة أخرى لخلط الذرة البيضاء مع القمح" أيضاً لصناعة رغيف الخبز المدعم، إضافة إلى دراسة إمكانية الاعتماد على نبات "الكينوا" بالطريقة نفسها، موضحاً أن الأخير أحد المحاصيل المستقبلية الواعدة المكملة، ويتميز بقيمة غذائية مرتفعة وفائدة طبية وصحية كبيرة، علاوة على تحمله الظروف البيئية المختلفة من جفاف وملوحة، كما يحتوي على نسبة عالية من البروتين، مقارنة بالحبوب الأخرى، ويمكن طحنه إلى دقيق يخلط مع دقيق القمح لرغيف الخبز، وصناعة أغذية الأطفال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد أن "استخدام الكينوا في صناعة الخبز لمن لديهم حساسية من تناوله مصنوعاً من القمح"، مشيراً إلى أن الإشكالية هي عدم القدرة على زراعته بكميات كبيرة إذ إنه يزرع في توقيت زراعة القمح، وقال إن التجارب الحالية تعتمد على زراعته في الأراضي شديدة الملوحة، التي لا يزرع فيها القمح، لافتاً إلى إجراء تجارب أخرى على استخدام نبات الكاسافا (Cassava) في صناعة الدقيق، موضحاً أن بعض الدول الأفريقية تعتمد عليه في صناعة الخبز.
وقال أستاذ القمح بمركز البحوث الزراعية "المركز سينتهي قبل انتهاء العام الحالي من الوصول إلى الخليط المناسب للاعتماد عليه في صناعة الخبز لتقليل نفقات استيراد القمح من خارج البلاد".
وحول نسبة استخدام الردة (نخالة الدقيق) في صناعة رغيف الخبز، أوضح رئيس جهاز التجارة الداخلية التابع لوزارة التموين، عبد المنعم خليل، أن "الردة تنتج من فصل أو استخلاص الدقيق الصافي عن القشرة الخارجية لحبة القمح التي تتميز باللون الأصفر الداكن وعند الطحن يصبح الطحين مزيجاً من الدقيق الناتج من حبة القمح التي تتميز بالبياض علاوة على القشرة".
وأضاف "تعتمد صناعة رغيف الخبز على استخلاص الدقيق الصافي بعد استبعاد الردة (القشرة) ويعتمد جودة إنتاج رغيف الخبز على نسبة الاستخلاص"، وقال "نعتمد في صناعة الخبز على نسبة الاستخلاص التي سترتفع نسبتها من 82 في المئة إلى 87.5 في المئة بداية من مطلع الشهر المقبل بزيادة نسبة الردة في رغيف الخبز لزيادة عدد الأرغفة من كل 100 كيلوغرام دقيق"، مشيراً إلى أنه من الناحية الصحية لا يوجد أي أضرار، بل على العكس تماماً فإن الأطباء المتخصصين في التغذية ينصحون بتناول الرغيف التي تزيد فيه نسبة الردة.
إضافة بودرة البطاطا على الدقيق
وحول استخدام البطاطا في إنتاج رغيف الخبز المدعم، قال رئيس جهاز التجارة الداخلية، "الجهاز يدرس حالياً بالتعاون مع وزارة الزراعة والمطاحن الحكومية استخدام البطاطا البيضاء في الصناعة"، مؤكداً "البطاطا البيضاء لا تحتوي على نسبة من السكريات بخلاف نظيرتها الحمراء، والتجارب تدور حالياً حول استخدام البطاطا بعد سلقها (تسويتها)"، مستدركاً "في تلك الحالة يجب أن يتم تدشين غلايات كبرى داخل الأفران الحكومية، ما يمثل تكلفة إضافية على موازنة الدولة".
وحول الخيار الثاني، قال "هو استخدام البطاطا بعد طحنها (بودرة) لتتم إضافتها إلى الطحين مما يقلل استخدام الدقيق، بالتالي يقلل من تكلفة استيراد القمح من خارج البلاد".
ووفقاً للهيئة المصرية العامة للمواصفات والجودة، تحدد المواصفة القياسية لرغيف الخبز المدعم بأن يكون المنتج طبيعي المذاق والرائحة بنسبة استخلاص 82 في المئة على ألا يقل وزن الرغيف عن الساخن عن 130 غراماً ولا يقل قطره عن 20 سم، ولا تزيد نسبة رطوبة الخبز الساخن على 36 في المئة، والخبز البارد على 35 في المئة.
الرغيف المدعوم أفضل صحياً
من جانبه، قال رئيس وحدة التثقيف الغذائي بالمعهد القومي للتغذية، مجدي نزيه، إن المواصفات القياسية لإنتاج رغيف الخبز المصري من أفضل المواصفات العالمية، طبقاً لتقارير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو).
أضاف "تناول الخبز المدعم المنتج بنسبة استخلاص 82 في المئة يدعم الصحة الجسدية لمن يعانون مرض الأنيميا"، وقال "أنصح المرضى بالإقلال من تناول الخبز الفينو، الذي يتم إنتاجه بنسبة الدقيق 100 في المئة وخلوه من الردة".