تخضع الجهات التنظيمية البيئية في إنجلترا للتحقيق على خلفية إخفاقها المزعوم في تطبيق القانون على مياه الصرف الصحي المبتذلة والتي تصرف في الأنهار والبحار في البلاد.
وستجري هيئة حماية البيئة (OEP) التي أنشئت حديثاً تحقيقاً في إذا ما كان وزير البيئة جورج أوستيس ووكالة البيئة (EA) وهيئة تنظيم خدمات المياه (Ofwat) أخفقوا في إتمام واجباتهم في إدارة جودة المياه.
ويأتي هذا التحقيق في سياق تعاظم المخاوف من تردي نوعية المياه في أنهار إنجلترا وبحارها بعد أن ارتفعت حوادث تصريف مياه المجاري فيها بنسبة 37 في المئة من 292864 حادثة في عام 2019 إلى 403171 في عام 2020.
وتلحظ القوانين أنه بوسع شركات المياه أن ترمي النفايات البشرية غير المعالجة في ظروف استثنائية وحسب، أي بعد هطول المطر الغزير على سبيل المثال، بيد أن عشرات الآلاف من الحوادث تظهر بأن الشركات تتخلص بشكل روتيني من مياه الصرف الصحي على هذا المنوال.
وفي هذا السياق، أشارت هيئة حماية البيئة في بيان لها بأنها ستسعى إلى "تحديد سواء فشلت تلك السلطات في إتمام واجباتها في ما يتعلق بتنظيم واجبات شركات المياه في إدارة مياه الصرف بما في ذلك شقا المراقبة وتطبيق القانون.
ويأتي الإعلان عن بدء التحقيق بعد أن وصف كبير المسؤولين الطبيين في إنجلترا البروفيسور كريس ويتي مشكلة وجود البراز المتفاقمة في مياه الأنهار "بالمشكلة الكبيرة" و"غير المقبولة من الناحية الصحية" كما حث شركات المياه على التحرك بشكل أسرع.
وهذا الأسبوع، قامت النائبة كارولين لوكاس المنتمية إلى حزب الخضر بزيارة إلى نهر وافيني الملوث في منطقة شرق أنغليا [شرق إنجلترا] لتسليط الضوء على كيفية تسبب مياه الصرف الصحي والمناديل المبللة بتدمير مجرى المياه. وفي الجانب الآخر من البلاد، خرج ناشطون بيئيون في مسيرة في شوروبشاير مرتدين قبعات على شكل براز ورؤوس أسماك وأزياء تشبه ورق المرحاض ودعوا إلى التوقف عن تصريف مياه المجاري في نهر سيفيرن، كما أقيمت احتجاجات لتسليط الضوء على مشكلات مشابهة يعانيها نهر واي.
يشار إلى أن الأسبوع الماضي أيضاً، برز موضوع تلوث الأنهار كعنوان عريض بعد أن أصبح تصريف مياه المجاري في أنهار ديفون مسألة محورية في الانتخابات الداخلية في منطقتي تيفرتون وهونيتون عقب إطاحة المرشح المنتمي للحزب الليبرالي الديمقراطي مرشح حزب المحافظين في ما كان يعتبر في السابق مقعداً مضموناً [لحزب المحافظين] وكشف عن أن ابنه الأصغر أصيب بالمرض بعد ذهابه للسباحة في النهر.
وسبق للجنة التدقيق البيئي أن حذرت في مطلع العام الحالي أن لا نهر أو بحيرة في إنجلترا بقي بمنأى عن هذا التلوث أو يملك تقريراً صحياً نظيفاً بالكامل.
وأشارت اللجنة إلى أن 14 في المئة وحسب من الأنهار في إنجلترا تلبي الشروط البيئية "الجيدة" إذ يسهم التلوث المتأتي من الزراعة ومياه الصرف الصحي والطرقات والمواد البلاستيكية الأحادية الاستخدام في تكوين "خلطة كيماوية" خطيرة تتدفق في مجاري مياهنا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي سياق متصل، صرحت هيلين فين المديرة التنظيمية في هيئة حماية البيئة قائلةً، "تعتبر جودة المياه غير المقبولة والمتردية مسألة مهمة وطويلة الأمد ومنهجية وإحدى أكثر المخاوف الطارئة بيئياً التي تتهددنا في هذا الوقت، هذا مجال بغاية التعقيد وأمامنا الكثير من العمل في محاولة معالجة مشكلة مياه الصرف الصحي غير المعالجة في أنهارنا، بالتالي سيسهم تحقيقنا في إنجاز هذا العمل من خلال تقديم مزيد من الوضوح في شأن المسؤوليات القانونية التي تضطلع بها مختلف الهيئات المعنية في ضمان أن تكون التدابير الرامية إلى معالجة المشكلات هادفة وفعالة".
وأضافت أنه في هذه المرحلة لا تعرف الهيئة إلى أين "سيقودها التحقيق" ولكنها أشارت إلى "احتمال أن يؤدي إلى تحرك لإنفاذ القانون" أو إلى تحركات أوسع لتعزيز النظامين القانوني والتنظيمي، لافتة "تكمن أولويتنا في حماية البيئة وتعزيزها".
ويجري التحقيق بناءً على شكوى قدمتها جمعية المحافظة على أسماك السلمون والتروتة "سالمون أند تراوت كونسيرفايشن" Salmon & Trout Conservation.
وقال محامي الجمعية غاي لينلي-آدامز التي تقدم بالشكوى "من دون أدنى شك، إن التلوث الذي نراه اليوم في أنهار إنجلترا هو النتيجة المباشرة والحتمية للتنظيم الهش بشكل مريع الذي يطبق على شركات المياه من قبل وكالة البيئة وهيئة تنظيم خدمات المياه على مر سنوات عديدة".
وكان المحامي لينلي-آدامز من بين الشهود الذين أدلوا بشهاداتهم أمام لجنة الصناعة والهيئات التنظيمية في مجلس اللوردات يوم الثلاثاء، حيث وصف خطط الحكومة الحالية لمعالجة مشكلة الصرف الصحي "بالممارسة المليئة بالخدع"، مضيفاً "هذه الخطة تخفف المسؤوليات القانونية عن شركات المياه وتدفع بالمشكلة نحو المستقبل". وقال بأنها تتيح لشركات المياه "المزيد من العقود للتعامل مع هذه المشكلة. مر 30 عاماً منذ خصخصة القطاع وحان الوقت لمعالجة هذه المشكلات".
وكان من بين الذين أدلوا بشهاداتهم أمام اللجنة المدير التنفيذي لجمعية "ريفر تراست" مارك لويد الذي وصف مسودة خطة الحد من تصريف مياه الصرف الصحي بالأنهار والبحار بالخطة "غير الطموحة"، وقال بأنها "تقدم خطوات صغيرة جداً ومتأخرة للغاية". وتابع بالقول "تجري الأمور ببطء شديد. التزم العديد من الشركات بإنجاز أكثر من هذا في موعد أبكر، ولكن يبدو لي بأن الحكومة ترمي الكرة في ملعب الإدارات المتلاحقة".
وفي تسليط لويد الضوء على الكميات الهائلة من تدفق المياه السطحية التي يتعين على أنظمة الصرف الصحي مواجهتها بعد هطول الأمطار، قال إن الخطط القائمة للحكومة "فشلت في اعتماد مقاربة شمولية" لإدارة المياه، وناشد بأن هذه الخطط تحتاج إلى أن تتضمن حلولاً قائمة على الطبيعة.
وعوضاً عن النظر إلى دور شركات المياه في حل مشكلة تلوث المياه بمعزل عن الهيئات الأخرى، قال لويد إن المطلوب هو إجراء تقييم مشترك بين مختلف الإدارات لحجم المشكلة لكي تتمكن من صياغة استراتيجية أكثر تماسكاً. وأضاف "من الضروري أن تكون السلطات المحلية ومطورو الإسكان ووكالات الطرقات السريعة مشاركة كلها في الحل، لأنها تشكل جميعها جزءاً من المشكلة".
ولكن لا تزال هنالك ثلاثة مخاوف جدية أمام هيئة حماية البيئة من جهة "الافتقار إلى قوة الإنفاذ" الضرورية لإحداث التغيير الفعلي.
وفي هذا الإطار، صرحت ميغان راندلز وهي ناشطة سياسية في منظمة غرينبيس لـ"اندبندنت"، "تشكل معرفة من المسؤول عن هذه الكمية المقلقة من مياه الصرف الصحي في أنهارنا خطوة مهمة في اتجاه الحد من حجم هذه المياه الملوثة التي تصب في أنهارنا، ولكن طالما أن هيئة حماية البيئة لا تملك أي سلطات لإنفاذ القانون وطالما أن الحكومة تقدم مصالح شركات المياه على المسائل التي تشغل المواطنين، ستكون فوائد التحقيق محدودة نوعاً ما. فنحن أمام هيئة رقابية لا سلطة إنفاذية لديها تحرس أنهارنا من خلال توبيخ الجناة وحسب. التشهير والفضح لا يأتي بثماره فعلاً في مواجهة من لا يستحي الأعمال الوقحة".
ومن جهة أخرى، قالت وزيرة البيئة ريبيكا بو لـ"اندبندنت"، "في حين أننا ندعم بالكامل التحقيق الذي تجريه هيئة حماية البيئة، فإننا نمضي قدماً وبوتيرة أسرع مقارنةً بأي حكومة أخرى لحماية صحة أنهارنا وبحارنا وتعزيزها. نحن الحكومة الأولى التي جعلت من البيئة أولوية بالنسبة إلى شركات المياه كجزء من بيان السياسة الاستراتيجية الذي قدمناه لهيئة تنظيم خدمات المياه. قمنا بتأمين مبلغ قدره 7.1 مليار جنيه استرليني (نحو 8.6 مليار دولار) من استثمارات شركات المياه لحماية البيئة وتعزيزها من عام 2020 حتى عام 2025، ونحن في صدد إطلاق أضخم برنامج استثماري على الإطلاق من قبل شركات المياه في شأن تدفق مياه الصرف الصحي مع أهداف ملزمة قانوناً للدفع بهذا البرنامج قدماً".
وتابعت قائلةً "أجبرنا شركات المياه على دفع غرامات بقيمة 138 مليون جنيه استرليني (نحو 167 مليون دولار) منذ عام 2015 واليوم تطلق هيئة تنظيم خدمات المياه المزيد من الخطوات الإنفاذية. نحن واضحون للغاية بأن كمية مياه الصرف الصحي التي تصرف [في الأنهار والبحار] من قبل شركات المياه غير مقبولة، وعلى تلك الأخيرة أن تعالج ما ارتكبته، كما يجب أن تكون الرواتب التي تحصل عليها متسقة مع سجلها في تنظيف المياه".
وفي غضون ذلك، قال متحدث باسم وكالة البيئة لـ"اندبندنت"، "إن الوكالة تدعم بالكامل هيئة حماية البيئة وتنوي التعاون بشكل كامل مع التحقيق الذي تجريه. ليست وكالة البيئة من يتسبب بالتلوث في أنهار إنجلترا، بل الأفراد والشركات الذين يلوثونها هم الذين يقومون بذلك. ولهذا السبب نصب تركيزنا أكثر من أي وقت مضى على محاسبة القطاع الصناعي، لكي يحد من التلوث ويعالج تصريف مياه المجاري في الأنهار ويستثمر المزيد من أرباحه لصالح البيئة. بهدف القيام بذلك، عززنا نظام المراقبة والشفافية من قبل شركات المياه خلال السنوات القليلة الماضية عبر زيادة عدد المجاري التي تتم مراقبتها ضمن الشبكة مع توقع التوصل إلى مراقبة جميع تدفقات المياه التي تصرف والبالغ عددها 15 ألفاً بحلول عام 2023. وفي عام 2020، عملنا ضمن فريق عمل تصريف مياه الصرف الصحي [بالأنهار والبحار] (Storm Overflows Taskforce) لزيادة الشفافية في ما يتعلق باستخدام حق تصريف مياه الصرف الصحي بالأنهار والبحار، ونستمر في تحقيقاتنا الرئيسة التي تستهدف عدم امتثال واسع النطاق من قبل شركات الصرف الصحي".
وفي سياق متصل، قال أليكس سوبل، النائب في البرلمان ووزير إنعاش الطبيعة والبيئة المحلية في حكومة الظل العمالية، "من شأن تحقيق إضافي في سوء تولي المحافظين لأزمة المياه الملوثة البريطانية أن يشكل دليلاً قاطعاً على سجل ارتكاباتهم البيئية. لفترة طويلة، أتاحت الحكومة لشركات المياه بأن تتولى معالجة أنهارنا ومجاري مياهنا كما لو أنها مجارير مفتوحة. وعدت بأن تقوم بتنظيفها ولكن المعايير البيئية لم تتغير منذ عام 2016. رفضت الحكومة الإصغاء لدعوات حزب العمال لفرض غرامات مرتفعة على شركات المياه والقيام بتدقيق برلماني سنوي يشمل وزارة البيئة والغذاء والشؤون الريفية (Defra) وهيئة تنظيم خدمات المياه ووكالة البيئة، فضلاً عن إرساء خطة ملائمة للحد من تصريف مياه الصرف الصحي غير المعالجة".
تجدر الإشارة إلى أنه في وقت سابق من هذا اليوم، أضافت هيئة تنظيم خدمات المياه شركة "ساوث ويست واتر" (South West Water) إلى لائحة شركات المياه التي لديها بشأنها "مخاوف جدية" وتجري تحقيقاً بنفسها في هذا الإطار. ومن بين الشركات الأخرى التي تضمنتها اللائحة: "أنغليان واتر"، نورث أومباريان واتر" و"تايمز واتر" و"ويسيكس واتر" و"يوركشاير واتر".
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 29 يونيو 2022
© The Independent