فيما تتواصل الاحتجاجات في ليبيا على تدهور الظروف المعيشية، لا سيما انقطاع التيار الكهربائي، هز البلاد إعلان بعثة للأمم المتحدة اكتشاف "ما يمكن أن يكون مقابر جماعية".
وكشفت البعثة المعينة من الأمم المتحدة، الاثنين الرابع من يوليو (تموز)، أنه سيجري التحقيق بالأمر في ما بعد، في ظل ترجيج لوجود مقابر أخرى في مدينة ترهونة التي تم العثور فيها على مئات الجثث.
وحثت البعثة طرابلس على مواصلة البحث عن المقابر.
ويتضمن تقرير البعثة، الذي سيحال إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة هذا الأسبوع، تفاصيل قيام ميليشيا كان يديرها سبعة إخوة بإعدام وسجن مئات الأشخاص بين عامي 2016 و2020، واحتجازهم أحياناً في أبنية ضيقة تشبه الأفران تسمى "الصناديق"، وأُضرمت فيها النار خلال عمليات الاستجواب.
وتمثل الأدلة التي جمعتها البعثة المستقلة لتقصي الحقائق على أعمال الخطف والقتل والتعذيب في ترهونة، واحداً من الأمثلة الصارخة لانتهاكات حقوق الإنسان خلال الفترة المضطربة التي تلت الإطاحة بمعمر القذافي.
وجاء في التقرير المكون من 51 صفحة، أن من بين الضحايا أشخاصاً معوقين ونساء وأطفالاً.
ميليشيا "الكانيات"
وتوصلت البعثة، التي اعتمدت على شهادات سكان وزيارتين للموقع، إلى "أسس معقولة" تفيد بأن ميليشيا "الكانيات" ارتكبت جرائم ضد الإنسانية. وحددت البعثة أربعة من قادة هذه الجماعة شاركوا مباشرة في ارتكاب الجرائم.
في مرحلة ما كانت ميليشيا "الكانيات" متحالفة مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، لكنها تحالفت في وقت لاحق مع الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر الذي حاول (من دون أن ينجح) الإطاحة بحكومة الوفاق الوطني. ولم تعد لميليشيا "الكانيات" سلطة في ترهونة. ويسود الاعتقاد أن الباقين على قيد الحياة من قادتها فروا إلى مناطق في شرق ليبيا.
واستخرجت السلطات الليبية 247 جثة من مواقع مقابر جماعية وفردية في منطقة ترهونة في غرب ليبيا. وكان كثير من الجثث مكبلاً بالأغلال ومعصوب الأعين.
واستخدمت البعثة صوراً التقطت بالأقمار الصناعية تبين معالم تقلبات في التربة ضمن أدلة أخرى لتحديد ثلاثة مواقع دفن جديدة مرجحة. وأضافت أن من الممكن أن تكون هناك مواقع أخرى كثيرة، مشيرة إلى مقبرة قائمة تعرف باسم "مكب النفايات"، حيث تم فحص مجرد جزء صغير من الموقع.
مواصلة البحث
وجاء في التقرير "طبقاً لمعلومات مطلعين، ربما ما زال هناك ما يصل إلى مئة مقبرة جماعية لم يتم الكشف عنها بعد".
وليس من الواضح على الفور الموقف الذي ستتخذه السلطات الليبية من نتائج التقرير. ولم ترد البعثة الدبلوماسية الليبية في جنيف على طلب للتعليق.
وتدعو بعثة تقصي الحقائق، ضمن ما وصلت إليه من استنتاجات، السلطات الليبية إلى مواصلة البحث عن المقابر. وتحثها على تشكيل محكمة خاصة للنظر في الجرائم التي ارتكبت.
مع ذلك، يشير التقرير إلى مصاعب في الحصول على تعاون السلطات الليبية في الماضي. وقال دبلوماسيون ومصادر في الأمم المتحدة لوكالة "رويترز"، إن ليبيا أبدت في الماضي تحفظات على مواصلة مهمة البعثة التي ستنتهي هذا الشهر.
وهناك في الوقت الحاضر مشروع قرار أمام مجلس حقوق الإنسان، الذي يتخذ من جنيف مقراً له، بمواصلة التحقيقات لمدة تسعة أشهر أخرى، وهي أقل مما كان البعض يأمل. ومن المتوقع صدور قرار بهذا الشأن هذا الأسبوع.
مسيرات احتجاجية
على صعيد الاحتجاجات، وفي ظل غياب لافت للقوات الأمنية، خرجت مسيرات متفرقة في أحياء عدة في العاصمة، الاثنين. وأحرق شبان معظمهم ملثمون إطارات السيارات وأغلقوا طرقاً منها الطريق الدائرية في العاصمة والطريق الساحلي الذي يربط طرابلس بضواحيها الغربية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كذلك خرجت مسيرات في بلدتي بني وليد ومصراتة غرب البلاد، بحسب صور بثتها وسائل إعلام محلية.
ويحتج المتظاهرون على انقطاع التيار الكهربائي الذي يستمر لساعات طويلة يومياً وسط موجة من الحر الشديد، وعلى إهمال النخب السياسية التي طالبوا برحيلها.
إزاء ذلك، ركزت الحكومة في طرابلس خلال اجتماعها الأسبوعي، الاثنين، على تهدئة الشارع عبر مناقشة أزمة انقطاع التيار الكهربائي التي أدت إلى اندلاع احتجاجات، بينما أقر رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة بأن السلطة التنفيذية "استخفت" بالمشكلة.
وعقد الاجتماع قبل ساعات قليلة من تظاهرة كانت مقررة في طرابلس ألغيت لاحقاً بعدما دعت إليها حركة شبابية للمطالبة بإجراء انتخابات وحل الحكومتين المتنافستين والبرلمان في طبرق (شرق) والمجلس الأعلى للدولة (غرب).
وقال منظمو التظاهرة التي أُجلت إلى أجل غير مسمى إنهم لا يريدون التورط مع "المخربين".
وفي ظل مأزق سياسي عميق، يواجه القادة السياسيون في المعسكرين الليبيين المتنافسين منذ ثلاثة أيام ضغوط الشارع المتزايدة.
ففي طبرق في أقصى شرق البلاد، اقتحم المتظاهرون، الجمعة، مدخل البرلمان بمساعدة جرافة قبل إشعال النار فيه.
تفاقم الانقسام
ويدعم معسكر حفتر حكومة منافسة تشكلت في الشرق في مارس (آذار) الماضي، ويواصل أنصاره إغلاق منشآت نفطية رئيسة منذ منتصف أبريل (نيسان) كوسيلة ضغط لدفع حكومة طرابلس إلى التنحي.
وتسبب الإغلاق في خسائر أكثر من ثلاثة مليارات دولار، وانخفاض الإنتاج إلى أقل من 500 ألف برميل بعدما كان يتجاوز قبل الإغلاق 1.2 مليون برميل يومياً.
وفشلت المحادثات التي توسطت فيها الأمم المتحدة الأسبوع الماضي في حل الخلافات بين المؤسسات الليبية المتناحرة.
ويتفاقم الانقسام في ليبيا مع وجود حكومتين متنافستين، الأولى في طرابلس جاءت بناءً على اتفاق سياسي قبل عام ونصف العام برئاسة عبد الحميد الدبيبة الرافض تسليم السلطة إلا إلى حكومة منتخبة، والثانية برئاسة فتحي باشاغا عينها البرلمان في فبراير (شباط) الماضي ومنحها الثقة في مارس، وتتخذ من سرت في وسط البلاد مقراً موقتاً لها، بعد منعها من دخول طرابلس، على الرغم من محاولتها ذلك.
وفي 22 يونيو (حزيران) الجاري، انتهت صلاحية خريطة الطريق التي جاءت بحكومة الدبيبة.