كشف بحث جديد أجراه المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل عن "عدالة" في سجلات أرشيفية أن الأرض المزمع بناء المجمع الدبلوماسي الأميركي عليها في القدس، والمسجلة حالياً باسم دولة إسرائيل، تمت مصادرتها بشكل غير قانوني من لاجئين ومهجرين فلسطينيين عام 1950 باستخدام قانون أملاك الغائبين الإسرائيلي.
أملاك فلسطينية
وأثبتت الوثائق الواردة من أرشيف الدولة الإسرائيلية، بحسب المركز، أن الأرض كانت مملوكة لعائلات فلسطينية وتم تأجيرها مؤقتاً لسلطات الانتداب البريطاني قبل عام 1948، وصودرت من أصحابها الفلسطينيين بعد أن أصبحوا لاجئين خلال النكبة.
بموجب تلك السجلات والكشوفات، طالب ورثة أصحاب الأرض، بينهم مواطنون أميركيون وفلسطينيون مقيمون في شرقي القدس، بضرورة إلغاء المخطط المستحدث لإقامة مجمع دبلوماسي أميركي في القدس، والذي أودعته كل من وزارة الخارجية الأميركية وسلطة أراضي إسرائيل في 15 من فبراير (شباط) 2022 إلى دائرة التخطيط الإسرائيلية، وبات حالياً في مراحل متقدمة من الإجراءات في لجنة التخطيط اللوائية بالقدس.
مركز عدالة قال في بيان رسمي، "بالنظر إلى هذه الانتهاكات الصارخة، يرى مركز عدالة أنه يتوجب على كل من الولايات المتحدة ودولة إسرائيل إلغاء هذا المخطط فوراً، والامتناع عن بناء مجمع دبلوماسي على هذه الأرض التابعة لأحفاد المالكين الفلسطينيين الأصليين، والذين هم من سكان شرقي القدس ومواطنين أميركيين، كما يجب على إسرائيل رفع يدها عن الأراضي المصادرة بشكل غير قانوني، وإعادتها لأصحابها الفلسطينيين. وفقاً لقانون أملاك الغائبين نفسه والقانون الدولي ساري المفعول، فإن كان ما يقصد بـ(الوصاية) على الممتلكات هو حيازة الأرض، بينما تنص المادة 28 (أ) على أن الوصي له سلطته التقديرية الخاصة لإعادة الأرض إلى أصحابها أو أحفادهم في أي وقت".
وأضاف البيان، "من شأن مخطط السفارة الأميركية أن ينتهك حقوق الملكية الخاصة لأصحاب الأراضي الفلسطينيين، والحق المثبت دولياً للاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم واستعادة ممتلكاتهم".
المؤرخ الفلسطيني رشيد الخالدي، أحد ورثة الأرض أفاد بالقول، "حقيقة الأمر أن الإدارة الأميركية تشارك وبشكل فعال الحكومة الإسرائيلية في هذا المشروع، وهو ما يعني أنها تنتهك بشكل فعلي حقوق المالكين الشرعيين لهذه الممتلكات، بمن فيهم العديد من المواطنين الأميركيين".
اتفاقيات الإيجار المؤرشفة، وفقاً للسجلات التي حصل عليها مركز عدالة الحقوقي، تكشف تفاصيل حية حول من كان يملك الأرض قبل أن تسيطر عليها إسرائيل، وثمة وثائق لعقود الإيجار بأسماء مالكي الأرض الفلسطينيين، بينهم أفراد من عائلات حبيب، وقليبو، والخالدي، ورزاق، والخليلي، كما تشتمل هذه الممتلكات على قطعة أرض تخص وقف عائلة الشيخ محمد خليلي، وينبغي أن يستفيد منها نسله، بمن فيهم سكان شرقي القدس والمواطنون الأميركيون.
تسريع وتسهيل
وتشمل المخططات الجديدة التي تم إيداعها بداية العام الحالي توسيع موقع السفارة الحالي في حي أرنونا في القدس، وكذلك بناء سفارة جديدة (مجمع دبلوماسي)، وكانت قناة "حداشوت" الإسرائيلية كشفت في وقت سابق، عن أن بلدية القدس عجلت من إجراءاتها على تصاريح البناء والتوسعة التي ستشمل توسيع حجم المبنى 700 متر مربع، مقسمة بين 350 متراً مربعاً تحت الأرض و350 متراً مربعاً لتوسيع الطابق الثاني القائم، كما يتم توسيع المكاتب القائمة وإقامة مداخل ومناطق جديدة لتوفير الخدمات للجماهير، وستمكن التوسعة الجديدة بحسب ما نقلته القناة، نقل موظفين وخدمات إضافية من السفارة السابقة في تل أبيب إلى المجمع بالقدس. وقال مسؤول في بلدية القدس لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إن التوسعة المخطط لها في موقع السفارة هي المرحلة الأولى فقط، وستعزز العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشارت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية في وقت سابق، إلى أن رئيس بلدية القدس موشيه لئيون كان قد اتفق مع الأميركيين في مكتبه عند بداية التخطيط لإقامة مقر جديد للسفارة الأميركية في حي "تل بيوت" جنوب القدس. وأوضحت الصحيفة أن الساحة التي سيتم إنشاء السفارة الجديدة فيها يطلق عليها "ساحة ألنبي البريطاني"، في إشارة إلى القائد العسكري البريطاني الذي قاد القوات البريطانية خلال احتلال القدس. وكانت واشنطن قد استأجرتها عام 1988 لمدة 99 سنة لإقامة السفارة الأميركية فيها، إلا أن قرار نقل السفارة ظل يؤجل.
زعزعة الموازين
وكانت السلطات الإسرائيلية أقرت قانون "أملاك الغائبين" عام 1950 بعد عامين من النكبة، يسمح لها بمصادرة عقارات ضمن حدودها وتعود ملكيتها لفلسطينيين أو رعايا دول عربية، وفي 15 أبريل (نيسان) عام 2015 أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قراراً ينص على تطبيق قانون أملاك الغائبين 1950 رسمياً في القدس الشرقية على أملاك الفلسطينيين المقيمين بالضفة الغربية، وأغلقت الطريق نهائياً أمام اللجوء إلى القضاء للطعن في مصادرة تلك الممتلكات.
أحد المحامين الإسرائيليين المتخصصين بقضايا الأراضي موشيه غولان، قال لوسائل إعلام إسرائيلية "إذا قبلنا بالادعاء أن الفلسطينيين كانوا تحت السيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية، وهذه الأملاك ليست أملاك غائبين، فإن ذلك سيؤدي إلى زعزعة الموازين العقارية في شرقي القدس ويعني أن كل ما أخذناه في مدينة القدس خطأ".
مركز الحكم
يرى مراقبون أن الحكومة الإسرائيلية تسعى جاهدة منذ سنوات لتحويل القدس بشطريها إلى "مركز للحكم" وذلك بنقل السفارات والقنصليات والمراكز المهمة إليها، عبر تعزيز مفهوم "مدينة العاصمة"، ووفقاً للخطة الحكومة الإسرائيلية الخماسية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في القدس "هيوفيل 2022"، التي تم الإعلان عنها في يناير (كانون الثاني) الماضي، بقيمة 250 مليون شيكل (47 مليون دولار) تروج سلطة تطوير القدس الإسرائيلية لعدد كبير من المشاريع التي وصفتها بالمهمة للمدينة خلال عام 2022.
من بين أمور أخرى، سيستمر الاستثمار الضخم في تطوير مكانة المدينة كمركز تكنولوجي وطني، مع التركيز على صناعة التكنولوجيا الحيوية، حيث وضعت منطقة وادي الجوز في القدس الشرقية ضمن وادي السيلكون، وتشمل أجزاء من حي الشيخ جراح شمالاً، و"سيتم تطوير مراكز التوظيف في مناطق فريدة مثل عالم الألعاب النامي، وسيستمر التخطيط لتجديد في منطقة تل بيوت، وسيتم نقل الوحدات الحكومية من خارج القدس إلى المدينة، بموجب قرار حكومي في غضون 120 يوماً".
ويفرض القرار الجديد عقوبات اقتصادية ومالية على الوزارات والدوائر الحكومية التي لا تنتقل خلال الفترة الزمنية المحددة، إذ لن تحصل المكاتب الحكومية المتأخرة على ميزانية الحكومة للأثاث أو التجديد، وستبدأ بدفع الإيجار والضرائب على المباني في القدس حتى لو كانت خالية "لضمان انتقالها".
دخل إضافي
ويستند قرار الحكومة الإسرائيلية على "قانون أساس الحكومة"، وقانون "القدس عاصمة إسرائيل"، وكلاهما يقضيان بانتقال جميع الوزارات والدوائر الحكومية إلى مدينة القدس، وعلى الرغم من إقرار هذين القانونين ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أن نحو 100 وحدة حكومية لم تنتقل إلى القدس بعد، ونتيجة لذلك يعمل آلاف الموظفين الحكوميين خارج المدينة.
رئيس بلدية القدس موشيه ليون صرح لوسائل إعلام إسرائيلية بالقول "قرار الحكومة هو جزء آخر من تصحيح وضع القدس كعاصمة ومدينة حكم لإسرائيل، وهو مهم للغاية، ويرمي إلى تقوية وتعزيز مكانة القدس كمدينة مركزية، كما سيعزز انتقال الدوائر الحكومية الوضع الاقتصادي للمدينة، وسيزيد عدد الوظائف، وبذلك يزداد عدد السكان اليهود أيضاً، وسيخلق دخلاً إضافياً كبيراً للبلدية من ضريبة الأرنونا (هي ضريبة يفرضها القانون على أصحاب المباني والأراضي)".
في حين أكد وزير البناء والإسكان والقدس والتراث الإسرائيلي زئيف إلكين، أن العام المقبل سيحمل الكثير من الزخم والحسم بالنسبة إلى القدس، قائلاً، "في البرنامج الجديد سأقود تطوير القدس كعاصمة للتكنولوجيا الفائقة والتكنولوجيا الحيوية، مما يعزز المجال الأكاديمي في المدينة ويخلق أهمية كبيرة. مجمعات عمالة للمدينة".
أغلبية يهودية
المتخصص في شؤون القدس جمال عمرو يقول لـ"اندبندنت عربية"، "نقل المكاتب الوزارية خطوة إضافية لأسرلة المدينة وإبرازها للعالم مدينة إسرائيلية، وقطع الطريق أمام التطلعات الفلسطينية في القدس كعاصمة، لا سيما أن القرار له انعكاسات خطيرة نحو السيطرة على الأراضي الفارغة في المدينة، بحيث تستغل إسرائيلياً فقط لصالح إنشاء مبانٍ لنقل مؤسساتها ومكانها إليها، وهذا القرار سيزيد حجم الاستيطان بشكل كبير والضغط على الفلسطينيين في القدس الشرقية، ومن المتوقع أن يرتفع عدد السكان اليهود، بالتالي ستكون هناك حاجة إلى إقامة مشاريع بناء جديدة لاستيعاب السكان الجدد من اليهود الذين سينتقلون بحكم وظائفهم للعيش في القدس، وبهذا ستزداد منظومة السيطرة على الأراضي الفلسطينية في القدس".
رفض التسوية
وفي السياق، أظهر استطلاع حديث للرأي أجراه "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، أن أغلبية اليهود في إسرائيل يرفضون تسوية سلمية مع الفلسطينيين تقوم على مبدأ حل الدولتين، حيث قال 32 في المئة من اليهود إنهم يرفضون حل الدولتين، مقابل 71 في المئة من فلسطينيي الداخل قالوا إنهم يؤيدونه، وأظهر الاستطلاع أن 87 في المئة من الإسرائيليين يعتقدون أن فرص التوصل إلى اتفاق سلام في السنوات الخمس المقبلة ضئيلة إلى معدومة.
كما أظهرت النتائج أن 57 في المئة من الجمهور يعتقدون أن عدم التوصل إلى تسوية سلمية سيؤدي في النهاية إلى اندلاع انتفاضة ثالثة، فيما رأى 73 في المئة من اليهود الذين رصد الاستطلاع رأيهم، أنه في حال اندلاع هذه الانتفاضة، سينضم لها فلسطينيو الداخل ضد أجهزة الأمن الإسرائيلية.
يذكر أن الإدارة الأميركية أعلنت بداية يونيو (حزيران) الماضي، فصل القسم الخاص بالفلسطينيين عن السفارة الأميركية بإسرائيل. وبحسب ما جاء في موقع "والا" الإسرائيلي فإن "الحديث يدور عن خطوة بيروقراطية داخلية في وزارة الخارجية الأميركية، لكن يوجد لها مغزى رمزي لفصل علاقات الولايات المتحدة وإسرائيل عن علاقات الولايات المتحدة والفلسطينيين".
وتم رسمياً تغيير اسم "وحدة شؤون الفلسطينيين" إلى "مكتب شؤون الفلسطينيين" ومن قسم في السفارة بالولايات المتحدة بإسرائيل تابعة للسفير توم نيدس إلى مكتب مستقل يقوم بالتبليغ مباشرة إلى قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية بواشنطن.
وكان مسؤولون في وزارة الخارجية الإسرائيلية صرحوا بأن الأميركيين أطلعوا إسرائيل والسلطة الفلسطينية مسبقاً حول الخطوة، ولم تعبر إسرائيل عن أي معارضة لها.