فتح الرئيس إيمانويل ماكرون الباب أمام تحول الوجود العسكري الفرنسي في أفريقيا إلى جهاز أكثر تكتماً، وأعلن عن إعادة تقييم لميزانية الجيوش لفترة 2024-2030 في ظل عودة الحرب في أوروبا.
وبينما تسحب فرنسا قواتها من مالي بحلول نهاية الصيف وتنشر آلاف العسكريين لمكافحة المتطرفين في منطقة الساحل، رأى ماكرون أن اعتماد "قوات أصغر حجماً وأقل عرضة للخطر" في أفريقيا هو "ضرورة استراتيجية".
وأكد ماكرون في خطابه التقليدي في وزارة الجيوش الفرنسية الأربعاء، 13 يوليو (تموز)، عشية العيد الوطني، رغبته في "النجاح في بناء علاقة حميمة أقوى مع الجيوش الأفريقية على الأمد الطويل لإعادة بناء القدرة على التدريب هنا وهناك"، مع بقاء القوات الفرنسية في الصف الثاني، وبينما تسعى باريس لإعداد جيوشها للنزاعات الحادة مثل الحرب التي تدور في أوكرانيا.
نقلة "نوعية عميقة"
وتتمتع فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة في عدد من الدول الأفريقية، بوجود عسكري قوي هناك. وإضافة إلى التزامها في منطقة الساحل في أوج عملية إعادة هيكلة، نشرت جنوداً لها في السنغال والغابون وجيبوتي.
من جهة أخرى، شدد الرئيس الفرنسي على الحاجة إلى "استمرارية بين عرضنا الدبلوماسي وتحركاتنا المتجددة للشراكة الأفريقية وإجراءاتنا التنموية" في هذه القارة. وقال، "إنها نقلة نوعية عميقة".
وكانت فرنسا الشريك الرئيس لمالي، لكن القوة الاستعمارية السابقة أصبح غير مرغوب فيها وتستعد لمغادرة البلاد خلال أسابيع. وطرد المجلس العسكري الحاكم منذ عام 2020 الجيش الفرنسي واستدعى الروس عبر مجموعة "فاغنر" شبه العسكرية، وإن نفت باماكو ذلك.
الحرب ضد الإرهاب
ومع فك ارتباطها بمالي، ستكون فرنسا قد قلصت وجودها في منطقة الساحل إلى النصف من خلال الإبقاء على نحو 2500 جندي فقط في المنطقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن باريس تقول منذ أشهر، إنها لا تتخلى عن الحرب ضد الإرهاب وتتحدث مع دول الساحل وخليج غينيا للتحضير لأشكال جديدة من التدخل.
وفي النيجر، سيبقي الفرنسيون على أكثر من ألف رجل وقدرات جوية لتقديم الدعم الناري والاستخبارات في إطار "شراكة قتالية" مع القوات المسلحة النيجرية المنتشرة مع 250 جندياً فرنسياً بالقرب من الحدود مع مالي ضد المتطرفين المرتبطين بتنظيم "القاعدة" أو تنظيم "داعش".
وسيزور وزيرا القوات المسلحة سيباستيان لوكورنو والخارجية كاترين كولونا النيجر، الجمعة، وسيتوجه لوكورنو في اليوم التالي إلى ساحل العاج.
ميزانية الدفاع
وأعلن الرئيس الفرنسي أيضاً عن إعادة تقييم لاحتياجات الميزانية في مجال الدفاع عبر قانون جديد للبرمجة العسكرية (2024-2030) أكثر ملاءمة "لاحتمال عودة مواجهة أكثر حدة".
وقال، إن صياغة النص "يفترض أن تكتمل في نهاية هذا العام" ثم "يناقش مع البرلمان" في أوائل عام 2023.
وكان ماكرون بدأ في عام 2017 إدخال زيادة حادة على اعتمادات الدفاع بعد سنوات من القلة. وستسجل ميزانية الجيوش نمواً أكبر في عام 2022 قبل أن يرتفع بمقدار ثلاثة مليارات في 2023 لتصل إلى 44 مليار يورو (44.04 مليار دولار).
"الخدمة الوطنية الشاملة"
وأخيراً، طلب من الجيوش "بذل المزيد" لتطوير "الخدمة الوطنية الشاملة" (سيرفيس ناسيونال أونيفرسيل) التي تستهدف الشباب من أجل حشد "المجتمع الفرنسي بأسره" في مواجهة التحديات المطروحة عليهم.
وقال ماكرون، إن "الأمر لا يتعلق بعسكرة الشباب ولا حتى المجتمع، بل بالوقت الذي تحتاج فيه الأمة إلى البحث عن لب تاريخها ومعناه العميق... الجمهورية تحتاج إلى أن تبذلوا مزيداً من الجهود".
وكان برنامج، "الخدمة الوطنية الشاملة" وعد حملة إيمانويل ماكرون في عام 2019. وبعد تجربة أولى مع ألفي متطوع شاب تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاماً، ثم إلغاء دورة في عام 2020 بسبب جائحة "كوفيد-19"، شارك 15 ألف شاب الصيف الماضي في دورات تلاحم في جميع أنحاء فرنسا.
وتهدف "الخدمة الوطنية الشاملة" هذا العام إلى أن تشمل 50 ألف شاب في المجموع، لكن هذا المشروع بعيد عن تحقيق إجماع بين نقابات المدارس الثانوية والجيوش، التي تعمل أصلاً على جبهات متعددة.