Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الرواية العالمية والشخصية الفرانكشتانية

بوتين ليس من أبناء العصر بل تيمة مفارقة لشخصية أقرب إلى أن تكون روائية لم يكتبها أي روائي

بوتين اعتيادي لكنه يظهر نفسه باعتباره الاستثنائي (أ ف ب)

تتناقل مواقع التواصل الاجتماعي صوراً وأخباراً لشخصية تبدو كأنها منفلتة من رواية لكافكا، على الرغم من أن أفعالها واقعية تنتمي إلى الحياة التي نعيشها، وقبل أن أفصح عنها، أفكر هل ثمة شخصية روائية يمكن أن نلتقيها في الحياة؟ هل يمكن أن نقابل شخصية خيالية مثل فرانكشتاين؟ ثم هل يمكن اعتبار شخصيات روائية بالأساس عالمية الطابع، خصوصاً في الأعمال الإبداعية الطليعية كروايات فرانز كافكا، أم أن شخصيات كافكا نفسه غارقة في المحلية؟

لنأخذ فرانكشتاين مثلاً، فالعراقي أحمد سعداوي اصطاد هذه الشخصية في روايته "فرانكشتاين في بغداد"، الحائزة على جائزة البوكر عام 2014. هذه الشخصية الروائية تؤكد أن بإمكانها الخروج من عالم الرواية إلى عوالم أخرى، فهي شخصية عالمية قادرة على أن تنتحل روحاً محلية، وفرانكشتاين الإنجليزي (ماري شيلي) هو فرانكشتاين العراقي (أحمد سعداوي)، والفرق هو في الكتابة وليس في الشخصية.

والشيء بالشيء يذكر، فإن كنا نتحدث عن الشخصية الروائية العالمية، فهل ثمة رواية عالمية أصلاً؟

جوهان غوته الألماني قال عام 1827، "بتُ اليوم مقتنعاً، أكثر فأكثر، أن الشعر ملكية كونية للإنسان. يكشف عن كينونته في كل الأمكنة والأزمنة، وفي مئات عدة من الرجال. الأدب القومي هو اليوم مفردة تفتقد المعنى، وحقبة الأدب العالمي هي الطاغية، وعلى الجميع أن يسعوا بأقصى ما يستطيعون إلى التعجيل بترسيخ هذا الأدب".

ولقد علق آدم كيرش الأميركي في كتابه "الرواية العالمية"، ترجمة لطيفة الدليمي، على هذه القضية بالسؤال، "من ذا الذي يستطيع أن يشكك في أن نبوءة غوته تحققت مرات عدة في القرن الحادي والعشرين؟".

باعتبار أن الآداب والفنون نتاج المخيلة البشرية، فإنها تهدم الحدود وتخرج عن جلدها (اللغة) كما يخرج الثعبان ليتجدد. لهذا، فإن فاوست وقبله دون كيشوت وكذا السندباد وعلاء الدين شخصيات عالمية خرجت من سياقها السردي لنلتقيها كرمز أو كشخصية حية هنا أو هناك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

منا من يريد أن يلبس رداء السندباد أو يكون دون كيشوت أو فاوست بعد أن يتسلل من مسرحية غوته وقد باع روحه في السياق المسرحي إلى الشيطان ليعود من حيث أتى، إلى الحياة.

فلاديمير بوتين أُلّفت حوله الأساطير بعد أن غدا الرئيس عبر صور جسده العاري مثلما تماثيل أثينا لرجال أولمبيادها، فجسد بوتين العاري هو جسد البطل الأولمبي في الصورة، أما الجسد في لباسه، فيتمظهر كشخصية ملتبسة.

بوتين وجه غامض، فملامحه لا ملامح لها، لا طعم لا رائحة لا لون، كجلمود صخر حُط من علٍ. ولغة جسد بوتين الصامتة تفصح عن لا شيء، فهو ليس كمثله شيء، مفرد بصيغة الغائب، بلاغة حضوره أن يكون أبعد مما نتصور.

وبوتين هذا اعتيادي، لكنه يظهر نفسه باعتباره الاستثنائي، وهذا التمظهر هو ما يحيله ويؤكد عاديته. ومن هنا، لا نجد بوتين نموذجاً في عصر أفقي كل ما فيه سائل لا قوام له، على الرغم من قوامته وقيامه بدور بطرس الأكبر في عصر يستهلك النجوم كما التراب ولا يفرق بين الاثنين.

لا أبطال على مسرح القرن الحادي والعشرين، مفارقة هذا المسرح أن لا مفارقة فيه، كل ممثليه يتخذون قناعاً واحداً كوجه لمجموعهم، وفي مجموعهم لا ينتظرون أحداً بل لا يبتغون إبهار أحد. ولهذا، فإن بوتين ليس من أبناء العصر، بل تيمة مفارقة لشخصية أقرب ما تكون إلى شخصية روائية لم يكتبها أي روائي ولن تكون في أية رواية مقبلة، فهي شخصية روائية استثنائية يمكن أن تكون في الواقع، لكن ليس بالإمكان أن تكون في رواية.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء