توسعت دائرة العنف التي تشهدها المنطقة الغربية في ليبيا لتصل إلى مصراتة بعد سنوات لم تشهد فيها المدينة صدامات مسلحة بين الكتائب العديدة وذات الأعداد الكبيرة، ما اعتبر مؤشراً على خطورة الصراع السياسي الحالي بين رئيس الحكومة الموحدة عبد الحميد الدبيبة ورئيس الحكومة المكلف من البرلمان فتحي باشاغا على وحدة الصف المصراتي.
الصدام العسكري الذي شهدته مصراتة بين كتيبتي القوة المشتركة ولواء المحجوب والذي أسفر عن مقتل عنصر من الثانية يأتي بعد ساعات من عودة الهدوء إلى العاصمة طرابلس، وتلا اشتباكات هي الأعنف منذ بداية العام بين الميليشيات المتنافسة على النفوذ التي أوقعت 16 قتيلاً بينهم مدنيون، ما تسبب بموجة انتقادات محلية ودولية لكل الأطراف التي شاركت في هذه الأحداث مع وعيد بمحاسبتهم على أفعالهم.
اتفاق على التهدئة
تنفست مدينة مصراتة (شرق طرابلس) الصعداء بعد نجاح قيادات محلية في التوصل إلى اتفاق على إيقاف الاشتباكات المسلحة بين القوة المشتركة التابعة لحكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة ولواء المحجوب المؤيد لحكومة باشاغا السبت 23 يوليو (تموز)، على الطريق الساحلي في ضواحي المدينة.
وبدأت الاشتباكات بمناوشات صباح السبت نتيجة تمركز قوة من لواء المحجوب على الطريق الساحلي، وتطور الوضع إلى مواجهات بين القوة المشتركة واللواء المسلح الذي فقد أحد عناصره في المواجهات.
وأفادت قوة العمليات المشتركة التابعة لحكومة الدبيبة بأن سبب اندلاع المواجهة المسلحة "مهاجمة مسلحين لدوريات تابعة لها في منطقة (زريق) عند بوابة الدافنية التابعة لمدينة مصراتة".
وبحسب رواية القوة المشتركة، فإن "الواقعة حدثت عند مرور الدوريات المكلفة مهمة عمل رسمية، حيث فتحت المجموعة المسلحة نيران أسلحتها مباشرة على الدوريات، ما أدى إلى وقوع إصابات بين عناصر القوة".
وبينت قوة العمليات المشتركة أنه "تم التعامل مع القوة في الحال والاشتباك وإخلاء المكان، حيث لاذ المسلحون بالفرار بين المزارع"، محملة "الحكومة والنائب العام المسؤولية الكاملة عما حدث". وأكدت أنها "ستتعامل بكل قوة وحزم لمنع تكرار مثل هذه الأفعال الإجرامية".
نجاح جهود التهدئة
وبعد ساعات من التوتر الذي عاشته مصراتة، أعلن قادة محليون الأحد 24 يوليو، التوقيع على اتفاق من بنود عدة لإنهاء الاشتباكات التي حدثت بين القوة المشتركة ولواء المحجوب.
وبحسب بيان تلا اجتماعاً للقيادات السياسية والعسكرية "تم الاتفاق على نقل مقر القوة المشتركة من وسط المدينة إلى منطقة (الكراريم) في ضواحيها".
كما جرى الاتفاق على "تسليم الملف إلى النائب العام وتحكيم القانون، على أن يقوم لواء المحجوب بسحب الآليات العسكرية إلى مقر اللواء وفتح الطريق الساحلي والإفراج الفوري عن محتجزي اللواء لدى القوة المشتركة، وتقليل نشاط قوة العمليات المشتركة داخل مصراتة وتسلم مديرية الأمن زمام الأمور".
الخطر يبقى قائماً
على الرغم من توقف الاشتباكات في مصراتة فإن حسن الصغير، وكيل وزارة الخارجية السابق، عبر عن مخاوفه من تجدد القتال داخل المدينة بين مجموعات محسوبة على الدبيبة وباشاغا.
وقال الصغير "الاقتتال في مصراتة لن يحل معضلة ليبيا، فلن تكون نتيجته إلا خسائر بشرية مجانية، ومهما كان المنتصر فهو تقوية ميليشيات على حساب ميليشيات أخرى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بينما رأى المحلل السياسي محمد العمامي أنه "لا خشية على مصراتة من اندلاع صراع كبير وطويل فيها لأن قيادات المدينة تعي خطورة هذا الأمر، وتدرك أن أمنها أهم من أي صراع سياسي يدور حالياً بين طرفين سياسيين".
واعتبر العمامي أن "ما يحدث في مصراتة مختلف تماماً عما يجري في طرابلس فتركيبة المدينة متماسكة، بينما الخلافات المسلحة في العاصمة تشعلها كتائب منتمية لمدن مختلفة لذا ما يحدث فيها أصعب وأخطر".
وعيد أميركي
التطورات الأمنية الخطيرة التي تشهدها ليبيا والتي تأتي انعكاساً للوضع السياسي الهش في البلاد، وظهور بوادر انقسام جديد فيها أثار موجة انتقادات دولية للأطراف السياسية والكتائب المسلحة غير النظامية التي باتت تشكل خطراً شديداً على أمن السكان في طرابلس تحديداً.
أكثر هذه الانتقادات حدة جاءت من واشنطن التي اعتبر سفيرها في ليبيا ريتشارد نورلاند الاشتباكات في مصراتة بأنها "مؤشر خطير لتصاعد العنف، وهذا ما يظهر الضرورة الملحة لإجراء انتخابات عاجلة في البلاد".
وقال نورلاند إن "التوترات المتصاعدة تظهر الضرورة الملحة لأن يتبنى القادة السياسيون الليبيون على الفور مساراً متفقاً عليه لإجراء انتخابات يمكنها أن تنشئ حكومة موحدة شرعية بحق لخدمة مصالح جميع الليبيين".
وأضاف "اشتباكات اليوم في مصراتة تظهر الاحتمال الخطير بأن العنف الأخير سيتصاعد". وأشار إلى أن "الولايات المتحدة تدعو جميع الفاعلين السياسيين ومؤيديهم من بين الجماعات المسلحة إلى الانسحاب لتجنب التصعيد ومزيد من الخسائر في الأرواح".
ورأى نورلاند أن "الجهود المسلحة سواء لاختبار الوضع السياسي الراهن أو الدفاع عنه، تنطوي على مخاطر بإعادة ليبيا إلى حقبة أعتقد مواطنوها أنها مضت وولت". وحذر من أنه "ستتم محاسبة المسؤولين عن مثل هذا السيناريو".
غضب البعثة الأممية
غضب واشنطن جاء متسقاً مع اعتراضات البعثة الأممية في ليبيا وتهديدها بمحاسبة المتسببين في التطورات الأمنية الحالية، وقالت مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا ستيفاني وليامز عبر "تويتر"، "أنا غاضبة من أعمال العنف التي اندلعت في طرابلس التي أسفرت عن مقتل وإصابة أشخاص عدة بينهم نساء وأطفال في حفل زفاف".
وأضافت وليامز "يعد الاستخدام العشوائي للأسلحة في منطقة حضرية مكتظة بالسكان من دون حماية المدنيين انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني وجريمة يعاقب عليها القانون، يجب أن يتوقف هذا القتال، يجب حماية المدنيين ومحاسبة الجناة".
وتشهد مدينة طرابلس هدوءاً حذراً لليوم الثاني على التوالي بعد مواجهات دامية في شوارع المدينة بين كتيبتي الردع والحرس الرئاسي سقط فيها 16 نصفهم من المدنيين، ما أثار سخطاً واسعاً بين سكان العاصمة ومطالبات بحل الكتائب المسلحة وإخراجها من المدينة.
هل ينفذ الوعيد الدولي
وعيد المجتمع الدولي بمحاسبة المتسببين في النزاعات المسلحة التي تكرر وقوعها في البلاد ليس جديداً على الليبيين الذين تعودوا سماعه من المسؤولين الدوليين طيلة السنوات الماضية، حتى بات بعضهم يتندر بهذه التهديدات التي لا يتم تنفيذها أبداً، ولم تعد حتى تشكل قلقاً للمتورطين في أحداث العنف المسلح في ليبيا.
واعتبر الصحافي الليبي وليد الشيخي أن "هذه التهديدات بات واضحاً أنها لا تستخدم إلا للاستهلاك الإعلامي فقط، ولن تحدث فارقاً يذكر على أرض الواقع".
وشكك الشيخي في جدية التهديدات الغربية تجاه أمراء الحرب في ليبيا، وقال "لو كان المجتمع الدولي جاداً في ملاحقة قادة المجموعات المسلحة فإنه من السهل عليه جلبهم للعدالة، لأن ليبيا ما زالت واقعة تحت قانون العقوبات الصادر عن مجلس الأمن بحسب القرار 1973 لعام 2011، والذي فيه بنود عدة تطلق يد العدالة الدولية لجر من يشكلون خطراً على سلم البلاد للمحاكمة، وهنا يتضح عدم توفر الإرادة الدولية لاستثمار هذه الصلاحيات وتظل الأسباب محيرة".