يترقب المغاربة قرار الحكومة في شأن الترخيص أو رفض تنظيم أكبر مهرجان للجعة في العالم، في وقت أعلنت فيه غرفة التجارة والصناعة الألمانية بالمملكة تنظيم هذا الحفل لأول مرة بضواحي الدار البيضاء في 28 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، تحت اسم "Oktoberfest Casablanca".
إعلان الغرفة التجارية الألمانية بالمغرب عبر حساباتها الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي إقامة مهرجان "تذوق الجعة" لأول مرة في المملكة، وهو حفل ينظم سنوياً في مدينة ميونيخ منذ سنة 1810، أثار جدلاً واسعاً. ورأى الرافضون أن احتضان المهرجان يخالف القانون المغربي الذي يجرم الترويج للخمور، ويناقض منطوق الدستور الذي ينص على أن المغرب دولة إسلامية.
في المقابل، يدافع فريق عن المهرجان المقرر تنظيمه في منطقة بوسكورة قرب الدار البيضاء، قائلين إنه ليس مهرجاناً للسكر والعربدة، ولا يتعين قياسه بميزان الحرام والحلال، بل هو نشاط تجاري واقتصادي بالدرجة الأولى.
تفاصيل المهرجان
وفي الوقت الذي لم ترد فيه السيدة ماريو فينان، Marion Fennane، مديرة الأعمال وتنظيم الحفلات، على سؤال "اندبندنت عربية" بخصوص الترخيص لمهرجان الجعة من طرف السلطات المغربية، أفاد مصدر مسؤول من الغرفة التجارية الألمانية أن الاستعدادات لتنظيم هذا المهرجان الكبير انطلقت بالفعل، بالنظر إلى أنه لأول مرة ينقل خارج ألمانيا إلى بلد عربي.
وتفيد المعطيات المتوفرة أن مهرجان الجعة هذا هو احتفال سنوي يقام في ميونيخ كتقليد عريق، يستمر لمدة 16 يوماً، لكن في المغرب ستقلص المدة الزمنية إلى بضعة أيام فقط.
والمهرجان يقوم على عرض أنواع الجعة وتذوق أصناف الخمور، حيث تستهلك، عادة، ملايين اللترات من الجعة خلال مدة المهرجان، مع تقديم الوجبات المختلفة للزوار والحاضرين في الحفل، وارتداء الأزياء التقليدية التي ترمز إلى الحضارة البافارية.
وفي الوقت الذي يشارك زهاء ستة ملايين شخص كل سنة في مهرجان الجعة الذي ينظم في ميونيخ، وفق موقع الغرفة التجارية والصناعية الألمانية بالمغرب، فإن العدد يبقى محدوداً في المهرجان المرتقب تنظيمه بعد أشهر قليلة في المغرب، فلا يتجاوز 300 شخص عبر الأداء المسبق.
وتتراوح أسعار المشاركة في مهرجان الجعة بين 800 درهم (80 دولاراً) و1000 درهم (100 دولار) بالنسبة إلى الأعضاء في الغرفة، وبين 1200 درهم (120 دولاراً) و1400 درهم (140 دولاراً) لغير الأعضاء.
فجور ومعصية
وبمجرد إعلان الغرفة التجارية الألمانية تنظيم "مهرجان الجعة" في المغرب حتى تعالت أصوات رافضة لاستقباله، بخاصة من طرف إسلاميين اعتبروا هذه الخطوة "معصية وفجوراً"، مطالبين السلطات برفض الترخيص لهذا النشاط.
الناشط السلفي حسن الكتاني نعت "مهرجان الجعة" بأنه "خطوة فاجرة ومبارزة عظيمة لله تعالى تدل على أن القائمين عليها لا يرجون لله وقاراً" على حد تعبيره.
ووفق الناشط ذاته، فإن الترخيص لتنظيم مهرجان الجعة في المغرب يتناقض مع القانون الجنائي نفسه الذي يجرم شرب الخمر والاتجار بها، كما يناقض الدستور الذي ينص في أول فصوله على أن المغرب بلد إسلامي، والإسلام يحرم الخمر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويطالب إسلاميون السلطات بعدم الترخيص لتنظيم هذا المهرجان، اقتداءً بقرار السلطات المغربية عام 2015 عندما حظرت احتضان المهرجان نفسه بعد موجة استنكار كبيرة.
وكانت سلطات مدينة الدار البيضاء قد سوغت وقتها قرار منع تنظيم المهرجان وسحب الإعلانات الدعائية له، بأن "الجهات المنظمة لم تحترم الضوابط والمساطر القانونية الجاري العمل بها في هذا المجال".
ويعاقب القانون المغربي بالحبس لمدة تتراوح بين شهر واحد وستة أشهر كل شخص وجد في حالة سكر بيِّن في الأزقة أو الطرق أو المقاهي أو الكباريهات أو في أماكن أخرى عمومية أو يغشاها العموم."
انفتاح وتناقضات
ومقابل رفض فئات تنظيم المهرجان لدواعٍ أخلاقية ودينية بالأساس اعتبر آخرون أن هذا الحفل تنظمه مؤسسة اقتصادية ألمانية داخل مقارها، ولا تعني المغاربة في شيء، كما أنها فرصة للانفتاح على السوق الاقتصادية الألمانية.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن المبادلات التجارية بين المغرب وألمانيا تعرف نمواً متصاعداً، حيث تبلغ أكثر من 3.60 مليار يورو، بزيادة قدرها 10.2 في المئة في كل سنة.
وعلى صعيد ذي صلة، يرى الدكتور المحجوب بنسعيد باحث مهتم بالشأن المغربي أن المهرجان الأصلي يعد تقليداً سنوياً يكتسي طابعاً ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، وليس مهرجاناً للسكر والعربدة".
ويقول بنسعيد لـ"اندبندنت عربية" إن "تنظيم نسخة مشابهة من هذا المهرجان في المغرب لن يكون في الفضاء العام الخاضع لتقاليد وعادات مغربية دينية واجتماعية، بل سينظم من طرف الغرفة التجارية الألمانية في مكان خاص".
وتساءل المتحدث "ما الفرق بين تناول الجعة في هذا المكان الخاص في مناسبة وتوقيت محددين، ومعاقرة الجعة يومياً من طرف مغاربة دينهم الإسلام في آلاف الحانات والفنادق في كل ربوع البلاد طيلة السنة باستثناء شهر رمضان، علماً بأن ذلك ممنوع قانوناً".
وذهب بنسعيد إلى أن هذه الأمور "تناقضات اجتماعية عويصة تشكل حطب النار لسجالات ساخنة بين الأطراف المؤيدة والمعارضة يشهدها المغرب بين الفينة والأخرى، مثلما حصل مع مهرجان موازين الغنائي، وغيره من التظاهرات والأنشطة التي تثير موضوع الحلال والحرام".
وخلص الباحث إلى أنه "ليس من حق الأطراف المختلفة منع أو ترخيص تنظيم التظاهرة، وإلا سنسقط في الفوضى وخطر الإفتاء بالتكفير والإباحة للسلوكيات والفعاليات الثقافية والفنية والتجارية"، مبرزاً أن "السلطات هي المؤهلة قانونياً وتنظيمياً لأداء مهامها بما تقتضيه المصلحة العامة".